تذهب عزيزي المشتري أو عزيزتي المشترية بكل براءة إلى محل البقالة لابتياع القليل من الجبن والشاي للعشاء، فتنفق الحد الأدني للأجور وتعود خالي الوفاض إلى بيتك. إذا حدثتك نفسك بأن تجادل التاجر وتنتقد أسعاره الخيالية، فسوف يصطنع البكاء ويعاجلك بالايمان ويحلف بحياة أولاده و أحفاده بأنه يبيعك «بالرأسمال» وهو الخاسر وانت الرابح فتكاد ترثي لحال هذا المسكين وتبكي معه من فرط التأثر. كل يوم، يرفع التجار الجشعون الأسعار والحجة الجاهزة دائماً سعر الدولار (بالاضافة الى حجة الحرب الأوكرانية التي أضيفت حديثاً إلى قاموسهم). اذا قلت لهم إنَّ سعر الدولار انخفض اليوم، فيقولون لك لقد اشترينا بضاعتنا على سعر دولار عال. وإذا ارتفع الدولار يرفعون أسعار البضاعة القديمة التي سبق واشتروها منذ زمن بعيد. وهكذا يدور المستهلكون في حلقة مُفرغة حتى باتوا يعيشون في جهنم، فلا يكفيهم الراتب لشراء القليل من الخضار والحبوب. كلنا نعلم أن معظم اللبنانيين يتقاضون راتبهم بالعملة اللبنانية وباتوا عاجزين بعدما تُركوا تحت رحمة هؤلاء التجار الفُجّار الذين لا يشبعون ودائماً يطمعون بالمزيد والمزيد. لذلك كان لا بُدّ من التفكير العميق واللجوء إلى الحيلة خاصة مع بداية الشهر الفضيل. لذلك ارتأيت مخاطبة السيدة اللبنانية كونها ملكة التدبير وإعمال العقل والتفكير (ولا بأس من مخاطبة السيِّد اللبناني إذا كان هو من يدير شؤون الطعام والإدام).
سيدتي إذا رزقك الله بدجاجة هذا الشهر، فتذكري غلاء ثمنها واحمدي الله على نعمته، واحرصي على أن تكوني شديدة التنظيم في إدارة هذه الثروة الحيوانية. يجب أن تعاملي دجاجتك كما عاملت معاذة العنبرية ذبيحتها، حيث أنها افادت من كل قطعة صغيرة منها، فكانت مثالاً يُحتذى به في الاقتصاد والتوفير. وأنت يا سيدتي لا تقلين عن معاذة ذكاءً ودهاءً. أولاً اشتري الدجاجة غير منتوفة أي مع ريشها وانتفيها أنت في المنزل ثم اغسلي الريش واجمعيه لكي تحوليه لاحقاً الى وسادة وثيرة، فكما صنع القدماء وسادة من ريش النعام فما الذي يمنعك من صنع وسادة من ريش الدجاج؟
بالنسبة للدجاجة النفيسة، قطّعيها الى عدة أجزاء لكي لا يضيع شيئاً منها. أما الأفخاذ فأعدِّي طبقاً مختلفاً على كل فخذ: مثلاً في اليوم الأول من الشهر المبارك، عليك بالأرز والدجاج. وبعد يومين ملوخية على الفخذ الثاني. أما الصدر فقسميه لجزءين واستفيدي من كل جزء في تحضير ساندويشات شاورما أو طاووق للعائلة مع مراعاة تقليل كمية الدجاج بين الشاطر والمشطور وزيادة الكبيس وأصابع البطاطا. نأتي إلى أجنحة الدجاجة، فتستطيعين أن تصنعي منها صينية بطاطس وجوانح محمرة بالفرن، وعلى كل فردين او ثلاثة في الأسرة الاكتفاء بتناول جناح واحد. ولا تنسي طبعاً الثروة الباطنية الكامنة داخل الدجاجة أي ما يسمى بالقوانص، فهذه تكفيك وحدها لتحضير فطور اليوم السادس. وأهم شيء أقوله لك سيدتي العظام ثم العظام ثم العظام إياكِ أن ترميها؛ فكل عظمة من عظام الفروج تستطيعين استخدامها لإعداد حساء يكفي ليومين مع القليل من الشعيرية. إنّ استهتارك بعظمة واحدة في هذه الظروف يُعَّد كفراً بالنعمة وجريمة اقتصادية لا تُغتفر . يمكنك أيضاً نزع الدسم الذي يطفو على وجه الحساء واستخدامه لإضاءة قناديل الزيت لأننا مقبلون على فترات مظلمة كما يُشاع في البلاد كما يمكنك تجفيف العظام واستخدامها لاحقاً للتدفئة في فصل الشتاء القادم.
طبعا قد تفكر بعض السيدات المُبذِرات في رمي جلد الدجاجة فإياكِ و«البعزقة». للجلد استعمالات عديدة يطول ذكرها، فيمكنك مثلاً اعداد تاكو جلد الدجاج المقرمش مع القليل من الخس والطماطم، أو يمكنك استخراج الدهون من الجلد وتحويلها إلى صابون مفيد وُمنعّم للبشرة (لا حاجة للوريال وفيتشي بعد اليوم). أما الرقبة والأظافر (لا تستخفي أبداً بقيمة الاظافر) فهي طبعا لإعداد المرق الذي تحتاجينه في العديد من اليخنات. وهكذا سيدتي نستطيع بواسطة دجاجة وحيدة فريدة تأمين فطور للأيام العشر الأولى من رمضان. طبعاً أنت أثناء الصلوات والادعية اليومية، سوف تسألين الله أن يرسل لك دجاجة أخرى للأيام العشرة الوسطى. أما بالنسبة للعشرة الأواخر من شهر رمضان، فالأرجح أن عائلتك ستكون قد سئمت من الدجاج؛ فركزي إذاً على الحبوب: صحن مجدرة رز، صحن برغل وحمص، كبة عدس، بقلة كوسا… وهكذا دواليك حتى ينتهي الشهر الفضيل.
بالنسبة للسحور، فاشتري يا عزيزتي إن كنت تعيشين في إحدى القرى الجبلية سطل لبن بلدي وحضِّري جبنة أو لبنة بلديّة. واذا لم تسطيعي تأمين الحليب، فلا بأس بأن تشتري قالب جبنة صغيراً من المتجر. والآن كيف تأكلين الجبنة مع عائلتك؟ فليأخذ كل واحد منكم قطعة ضئيلة من الخبز ويمسح سطح قالب الجبن مسحاً رقيقاً لكي يحصل على القليل من الطعم والنكهة والأحماض الأمينية. ولن أطلب منكم أن تشيروا بالرغيف إلى الجبنة من بعيد كما فعل بخلاء الجاحظ. ولكن إياكم أن تفقدوا زمام أنفسكم وتحفروا أخاديد في قالب الجبنة، فهذا الفعل سوف يؤدي بكم الى التهلكة وتتسببون دون أن تدروا في ظهور الفساد في الأرض.
طبعاً يمكننا تقديم نصائح أخرى مفيدة للتوفير. إذا تلقيت دعوة للإفطار مثلاً، فلا تتأخري في تلبيتها إذا كانت على مقربة من منزلك (يجب أن توازني هنا بين سعر الفطور وسعر البنزين) فهكذا ترتاحين من مصاريف فطور ليلة كاملة. يمكنك أيضاً إرسال أبنائك لكي يفطروا مع جدّهم وجدّتهم وهكذا تعززين صلة الرحم وتوفرين ايضاً ثمن بعض الوجبات الرمضانية. وإذا كان أحد أفراد العائلة يجيد الصيد، فلا ضير من إرساله في مهمة سفاري إلى الغابات أو الجرود لعله يعود ببضعة طيور او طرائد تكون عوناً لكم على اجتياز الشهر الكريم. لا داعي لأذكِّرك سيدتي أننا الآن في فصل الربيع والجو بديع و الحقولة غنيّة بالنباتات البريَة كالعكوب والهندباء والحميضة التي يمكنك استخدامها لإعداد أطباق عديدة، وسوف توفر عليك الذهاب الى سوق الصاغة اي سوق الخضار والفواكه.
واقول لك سيدتي أنّ التبذير قد أهلك أناساً كثيرين من قبلك، وكم من قوم بدّدوا ثرواتهم بالإسراف وأحلّوا عائلاتهم دار البوار. فكري دائماً كيف تستغلين الدواجن لآخر ذرّة دجاج والجبنة لآخر قطرة حليب والخبز لآخر حبة قمح لكي تلتحقي بالصالحين وتسيري على درب الزاهدين. وتذكري عزيزتي أن تضييع القليل سوف يجر الى تضييع الكثير واصبري ورابطي الى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً. استفيدي عزيزتي من فترة القحط اللبنانية والعالمية وتعلَّمي كيف تحلبين النملة لكي تستطيعي اجتياز فترة القحط هذه بأقل الأضرار الممكنة!