لو كانت الدراما السوريّة في وضعها الطّبيعي المُعتاد، أي بدون حرب وبدون مافيات وشلليات وبدون «هجرة لليد العاملة الدراميّة» إلى الخارج، لبدا لنا مسلسل «على صفيح ساخن» كوجبة نتناولها بشكل اعتيادي على صعيد الدراما السوريّة. لكن، لأنّ الظروف استثنائيّة ولأنّ العمل يدور ضمن بيئة غير مستقرة على كل الجهات، فإنه يبدو استثنائياً بالفعل، إذ أن فيه كل عناصر النجاح ويقدّم إضافةً دراميّة.
باسم ياخور وسلوم حداد في مشهد من العمل

راودتني تخوّفات من أن يكون نص كلٍّ من الممثل والسيناريست يامن الحجلي والكاتب علي وجيه أشبه بنص مسلسل «هوا أصفر» (2019)، وأن تبدو التجربة غير ناضجة كفايةً، أو أنّ يُرهِق الإخراج العمل بضياع ذرواته الحقيقيّة. إلا أن «الصّفيح السّاخن» يشكّل مفاجأة على صعيد النّص المُحكم، الحبكات المتداخلة والطرح الجديد لأكثر من موضوع، أبرزها مافيا النفايات، وتداخل تجارة المخدرات مع تبييض الأموال عبر الجمعيات الخيريّة ذات الطابع الدّيني. هذا الطرح عكسَ وجهة نظر حقيقيّة وواقعيّة، لم تَغرَق في تحميل «الإثم» للمعارضة كما جرت العادة في المعالجة الدراميّة السابقة لعدد من الأعمال السوريّة التي شهدناها في السنوات الماضيّة. فأسوةً بذلك هناك طبقة من التجمّعات الإسلاميّة عبر جمعيات وحركات، محسوبة على الدولة. كذلك، تناول العمل قضية محاولة اللجوء هروباً من الحرب والضريبة التي دفعتها عائلة هاء «هلال وهند وهاني الحجّار» بعدما تعرّضت لاحتيال المهرّبين، من دون إغراقنا في الطرح المباشر للحرب وتفاصيلها، التي تبدو مرهقة للعقل والعين. إلى ذلك، يتفادى المسلسل الخوض في سيناريو «واجب الصّمود وأنّ الهروب يتحوّل إلى مشكلة»، بل يطرح المسبّبات الأساسيّة للأزمة اجتماعيّاً وأُسريّاً.
سيف الدين السبيعي أثبتَ أنهُ «شيخ كار» في الإخراج


يحمل العمل أكثر من ورقة رابحة. ففي الأمس كنّا نترحّم على حاتم علي وكأنه أول وآخر المخرجين السوريين، لكنّ المخرجَين محمد عبد العزيز والسدير مسعود أعادا الأمل بجيل من المخرجين الشباب المميّزين. إلا أن سيف الدين السبيعي أثبتَ في «على صفيح ساخن» أنهُ «شيخ كار» في الإخراج.
حلقات المسلسل الأولى كانت أثقل وأعمق في المشاهد التي تتصل بالـ«نبّاشين»، وبشكل خاص كيفية تصوير الأطفال ضحية هذه المافيا. تلك المشاهد تفوّقت على مشاهد عائلة الحجّار والفندق المهجور، لكن سرعان ما صار هناك توازن. يبدو واضحاً أنّ المخرج قد تبنّى هذا المشروع الدرامي وقاتل بكل أدواته كي يُظهر تفوّقه فيه. قدّم العمل للتحدّي، من أجل ترك بصمة في عالم الدراما السوريّة، ولإعادة ما فقدته من شغف جماهيري بها.
جنى العبود وسليمان رزق، بهما يبدأ الانبهار على صعيد الممثلين، كونهما أصغرهم عمراً. عاد رزق طفل مسلسل «حاجز الصمت» بقوة، ويبدو أنّه غابَ ليكبر وينضج ويتعلّم. أمّا جنى العبود، فهي رهان السبيعي الذي قال عنها عبر صفحاته في السوشال ميديا بعد نجاح شخصيتها «تمارة»: «أحلى شي يفرح المخرج لمّا يعطي فرصة لحدا جديد ويطلع بيستاهلها وأكتر... جنى العبّود احفظوا هذا الاسم». ويأخذك الانبهار بأدائها للسؤال فوراً، ماذا بعد تمارة؟ لأنّها رسّخت بداية موفّقة لمشوارها تدعو للتخوّف على أدوارها المقبلة.
سلّوم حدّاد، باسم ياخور، عبد المنعم عمايري، نظلي الروّاس، ميلاد يوسف، يزن خليل...، لا يمكن لأحد أن يسأل عن مدى حرفيتهم وتفانيهم في أداء الشخصيات التي برعوا في تقديمها... لكنّ «سكّرة العمل» هي أمل بوشوشة، التي برعت في أداء شخصية هند الحجّار، بدايةً من إتقانها للهجة السوريّة، فلا يخطر في بالك أنّكَ أمام ممثلة جزائرية، إلى أدائها بإحساس عالٍ يخرج من عينيها ومن ابتسامتها التي تبدّل فيها ردود أفعالها المتقلّبة، وربّما لو تشترك أمل في المستقبل في مسلسلين آخرين كهذا العمل، ستنضج تجربتها أكثر فأكثر، و«تسخُن» نجوميتها بشكل أوسع، كما كانت في الوجبة السّاخنة من العمل المتكامل «على صفيح ساخن».

«على صفيح ساخن»: 00:00 على «لنا»،
«سوريا دراما» (13:00 - 21:00)
«روتانا دراما» (00:00 - 12:00)
LBC (10:00)
الفضائية السورية 17:30

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا