في 16 آذار (مارس) 2017، وبالتزامن مع عقد جلسات تشريعية في مجلس النواب لإقرار مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، تلقى اللبنانيون عبر تطبيقَي واتسآب وفايسبوك لائحة تتضمن سلسلة من 22 ضريبة جديدة قيل إن الحكومة ستقرّها. في هذا اليوم، طارت جلسة مجلس النواب، وعندما سئل الرئيس سعد الحريري عما إذا كان السبب رسالة الواتسآب، أجاب: «الأمر ليس مجرد رسالة عبر الواتسآب (...) ولكن الجو في البلد والذعر الذي حصل حول أننا نفرض ضرائب على الناس هو كذبة. لذلك أقول للناس تأكدوا مما يرسل لكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي».كانت هذه واحدة من أبرز الشائعات التي استخدمت في لبنان لتغيير مسار عمل سياسي، لأن أيّ ضريبة لم تكن قد أقرّت بعد. وقد أثارت ردود فعل كثيرة حولها، فانبرى وزراء ونواب لتكذيبها، وبنى آخرون عليها للتراجع عن إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب، وجرت الدعوات إلى التظاهر معيدة اللبنانيين إلى ساحة رياض الصلح بعد سنتين من انكفائهم عنها منذ أزمة النفايات (الحراك المدني عام 2015).

(أنجل بوليغان)

نعيش في لبنان منذ شهور أجواء مماثلة، ونتلقى يومياً أخباراً غير صحيحة عن إضراب لمحطات البنزين، وآخر للأفران، واختفاء للدولار. ولأن مثل هذه الوقائع قد حدثت بالفعل، فإنّ ذلك قد مهّد الطريق لتصديق الشائعات المتعلقة بها، فمن يصدّر الشائعة يعتمد غالباً على معطيات وقعت لتمرير ما هو غير واقع. ومع بدء الحراك الشعبي الأخير، ليل 17 الشهر الجاري، بدأت الشائعات بالهطول علينا كالمطر. يقول تسجيل صوتي نتلّقاه عبر تطبيق الواتسآب إن وزير الخارجية جبران باسيل قد هرب من لبنان، والدليل فيديو مرفق يظهر باسيل على متن طائرة، لنتبيّن لاحقاً أن هذا الفيديو قديم. حسناً، إذا كان باسيل لم يهرب، فالرئيس السابق فؤاد السنيوة هو الذي سيفعلها «اليوم»، والدليل تذكرة سفر تحمل اسمه وموعد الرحلة، لنتبيّن لاحقاً أن هذه التذكرة مزوّرة. لكن ماذا يفعل الرئيس سعد الحريري في هذا الوقت؟ تظهره صورة أنه يواكب التطورات من خلال مشاهدة التظاهرات عبر قنوات تلفزيونية متعددة. أيضاً هذا غير صحيح فالصورة مركبة، وكذلك حال الصورة الجميلة التي انتشرت لتظاهرة الأحد الفائت، والتي تظهر ساحتي الشهداء ورياض الصلح مليئتين بالمتظاهرين.
هذا غيض من فيض الشائعات الطريفة، إن صحّ التعبير، التي نتلقاها منذ أيام والتي خلطت بين تقنية المشافهة التاريخية وبين التقنيات الحديثة من خلال الاستعانة بالفيديوهات وبرامج تركيب الصور، والتطبيقات الهاتفية لضمان الانتشار الواسع. لكن الشائعات تجاوزت الطرافة إلى ما يمكن وصفه بالمخيف، والمثير للبلبلة، وليس آخرها المنشور الذي جرى تداوله أول من أمس عبر أكثر من تطبيق هاتفي، وتلقيناه من أصدقاء عرب أيضاً، ومضمونه رسالة نقلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله إلى الرؤساء الثلاثة، تنتهي في سطرها الأخير إلى القول إن «حزب الله سيسحق التظاهرات بالقوة ولو أدى ذلك إلى سقوط آلاف القتلى»، وقبلها عن «قيام الجيش بتوزيع سلاح على شبان في الزوق بأوامر من باسيل»، وبينهما تسجيل صوتي يبدأ فيه المتحدّث كلامه بالقول «وصلني خبر من حدا إنو السياسيين وقوى الأمن بدّن يجرّبوا يفككوا الثورة بطريقة مش منيحة...» وغيرها الكثير.
من يصدّر الشائعة يعتمد غالباً على معطيات وقعت لتمرير ما هو غير واقع


تنتشر هذه الشائعات بكثرة، وتجد من يعيد توزيعها، خصوصاً في فترة الأزمات لأنها من أكثر الأوقات التي يحتاج فيها المواطن إلى معلومة، وبات يمكن وصف الشائعات بأنها السوق السودء للمعلومات، مما دفع الأطراف المعنية بها إلى التوضيح، إلى درجة أصبحت بيانات التوضيح تتجاوز ما سواها. وهنا يمكن الإشارة إلى ما يقوم به الجيش، عندما أصدر بياناً نفى فيه ما ورد في تسجيل صوتي لامرأة تشكو بقاء زوجها العسكري من دون طعام، وآخر أوضح فيه ملابسات فيديو جرى تداوله أول من أمس في فرن الشباك يظهر اعتداء عسكري على مواطنة.
الشائعات، التي يصفها الباحثون بأنها الوسيلة الإعلامية الأقدم في العالم، لم تتغير تقنيات تركيبها كثيراً، إذ يبقى مصدرها مجهولاً، وتبقى صحتها موضع تساؤل، وغالباً ما يكون الهدف منها مغرضاً لتحقيق أهداف معينة قد تتعدى حدود الترويج لأمر ما، أو التخويف، أو التحريض، أو الإساءة إلى السمعة، إلخ. واللافت أن تداول الشائعة بين الناس لا يعني أنهم يصدقونها، وإنما يفعلون ذلك لأنها قد تكون مسلية، مثيرة للحشرية، تماماً كما يروّجون لنكتة، لكنها مع ذلك تفعل فعلها الخفي. أما سرعة انتشارها، فترتبط بحجم اهتمام الناس بها، لذا يحرص مطلقو الشائعات على تناول أمر ملتبس يهتم به الناس، ويبحثون عن معلومات مرتبطة به.
لا يمكن الحدّ من هذه الظاهرة، لكن يمكننا التخفيف من أثرها، من خلال التأكد من صحة أي معلومة تصلنا قبل إعادة إرسالها. ولعلّه من المستحسن ترجيح فرضية خطأ المعلومة على صحتها عندما يكون مصدرها مجهولاً، أو عندما تنشر على منصة مجهولة. كما لا يمكننا اعتبار الصورة أو مقاطع الفيديو دليلاً كافياً على صحة خبر ما، لسهولة التلاعب بهما. ويمكن أيضاً التأكد من تاريخ منشور معين على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن ما قد يظهر على حساباتنا قد لا يكون بالضرورة جديداً، بل عاد إلى التداول بعد مضي زمن على نشره.