بعد أشهر من التحشيد، والترويج، خرجت أمس، الحلقة الأولى، من «صار الوقت» (إخراج جان عون) على mtv. خرجت الصيغة النهائية للبرنامج، والمشهدية الأخيرة التي رسا عليها، ليكون مختلفاً، بل مبتعداً كل البعد، عن صيغة «كلام الناس» الذي تكرّس في أذهان اللبنانيين، طيلة 23 عاماً على شاشة lbci، كأبرز برامج الحوار السياسي في لبنان. إنه تغيّر واضح وجذري، يشهده لبنان للمرة الأولى في تاريخه التلفزيوني. الميزانية العالية التي خصصت لـ «صار الوقت»، تجلت في أماكن كثيرة أبرزها: بناء استديو ضخم خاص بالبرنامج (صمّمه المهندس الفرنسي أوليفييه إليوز)، واستخدام تقنيات وكاميرات حديثة، الى جانب إعادة توزيع موسيقى الجنيريك الشهيرة (هادي شرارة)، لـ «كلام الناس»، سجلت في ألمانيا واستعين بأوركسترا غربية، عدا إطلاق تطبيق إلكتروني خاص، يتفاعل من خلاله المتابعون، واستخدام الغرافيكس في التقارير بغية التعريف والشرح عن الضيوف.


على وقع موسيقى الجنيريك التي رافقت الحلقة في كل مفاصلها، دخل غانم، أمس الأستديو الضخم. خال المشاهد نفسه لوهلة، أنه أمام شاشة عالمية، يحيط به شبان وشابات (200 شخص) تم اختيارهم ليكونوا حاضرين في الحلقات كافة، مشاركين في الحوار وأيضاً في المناظرة الأخيرة التي يختتم بها البرنامج. بعينين لامعتين، توجه الإعلامي اللبناني الى الكاميرا قائلاً: «صار الوقت لنحكي كما نشعر»، سارداً بعدها السيمفونية المعتادة عن حقوق الناس، وكراماتهم، عن الفساد وهجرة الشباب، و«إنتظار دولة القانون والقضاء».
الحلقة استضافت رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الذي أتى للمرة الأولى الى الأستديو، بعدما كان تقليداً أن يأتي الإعلام اليه. فرصة وجدها غانم، لينفخ بضيفه وببرنامجه أيضاً ويقول بأن الحريري «أعاد الإعتبار للصحافة ولحرية الإعلام وللناس». اللقاء مع الحريري (ساعة ونصف الساعة) الذي لم يأت بجديد، تخللته مداخلات من الحاضرين/ات، وهذه المرة الأولى ايضاً، التي يكون فيها الإحتكاك بين الحريري والجمهور حيّاً وتفاعلياً، الى جانب إطلالة الوزير السابق زياد بارود الذي يعمل اليوم كمستشار قانوني للبرنامج. قدم بارود صيغة إقتراح قانون لإلغاء الضريبة السنوية على المؤسسات، وبدوره قام غانم بتحويل المقترح الى الحريري ليتبناه. حضر ايضاً في البداية الإعلامي جورج غانم (سيكون ضيفاً ثابتاً كمحلل سياسي) ، فكانت لافتة أيضاً، بأن يجلس الشقيقان على طاولة واحدة، ويتبادلا الحوار حول الحكومة والتركيبة اللبنانية الصعبة التي تحول دون تشكيلها حالياً.



قبل الحوار السياسي المعتاد، حاول غانم كسر تقاليد «التوك شو» السياسي. بدأ على الفور، بسؤال حول تشكيل الحكومة. سؤال تنقل بين الحاضرين، للإجابة عليه. هنا، لم يكن موفقاً هذا الإستعراض، إذ بدا غانم كأنه ضمن مدرسة، ويعطي الطالب الحق بالكلام ليعود بعد ثوان قليلة ويقمعه وينتقي غيره. في نهاية الحلقة، كنا أمام مناظرة سداسية، شارك فيها 6 أشخاص من أحزاب مختلفة. العنوان كان «تطبيع العلاقات مع سوريا» (سؤال طرحه البرنامج أيضاً على تطبيق الهاتف). مناظرة استعان «صار الوقت» بـ «المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية» (أسسته الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت- مقرّه واشنطن)، بغية «تعميم ثقافة الحوار» كما قال غانم. المعهد المذكور درّب 200 شخص، سيحضرون تباعاً لإجراء المناظرات في الأستديو. وبرز هنا، حضور المدّربة في الاستديو، التي شرحت للجمهور بأن المعهد الأميركي يعمل على «تفعيل الديمقراطية الناجحة(..) وعلى تقبّل الآخر»!.
إذاً، قالب ذو طابع غربي، طبع «صار الوقت»، حاول بشتى الجهود اللعب على العوامل البصرية والشكلية، والإيحاء بأننا فعلاً أمام برنامج تحتضنه أعتى ديمقراطيات العالم. الأدوات التي اتكأ عليها البرنامج السياسي، وجلها كان بحكم المستورد، لا يمكنه أن يسقط بـ «البراشوت» على واقع يضجّ قبل حرية الرأي والتعبير التلفزيوني، بأزمات تخنقه وتصل به الى حافة الهاوية. هو برنامج إستعراضي بحت (لعبة الإضاءة والكاميرا والغرافيكس)، حاول كسر المعتاد على الشاشة، لكن، ظل بعيداً عن الناس، الذي ادعى أنه يتحدث بإسمهم، فكنا ربما، أمام برنامج ترفيهي بإنتاجية ضخمة، مغلف بنكهة سياسية.