تسقط رموزنا رمزاً تلو الآخر، نعيش نشوة العثور على ضالتنا لأيام، لأشهر، ولسنين حتى، ليطالعنا هذا الرمز أو ذاك بمصيبة تفضح غباءنا، تفضح فراغنا، وتفضح توقنا الأعمى لرؤية أحد ما، يقول ما هو صحيح، ليس لأنّه مؤمن به بالضرورة، بل لأن ما يقوله يوافق أجندته لأيام، لأشهر، وحتى لسنين.

قدّمت فيروز Ave Maria في الذكرى الـ 28 على رحيل زوجها
لكثرة خيباتنا، امتنعنا عن البحث عمن يقول ما هو صحيح، باتت مشكلتنا الوحيدة هي مع فعل القول، فعل الكلام، فعل الثرثرة، هذا الفعل الذي لو انتفى من الوجود، لأصبحت حياتنا أجمل، أنقى، و أصفى، أصبنا بطرش داخلي، فهناك ضجيج كثير حولنا، أصبح الصمت كفاحاً، نُرجَم لأجله، ونُخوَّن.
إلا أنّنا ما زلنا أحياء، وما زال لدينا أذنان لنسمع، وما زالت لدينا روح تائهة، تنتظر سماع ما هو جميل، تنتظر أملاً ما، فلا تجده إلّا في صوت جميل...
أسمعتنا فيروز صوتها (أغنية Ave Maria) في الواحد والعشرين من حزيران (يونيو) هذا العام، اختارت هذا التاريخ، تاريخ رحيل عاصي الرحباني (4 مايو 1923 ـــ 21 يونيو 1986)، إلا أنها، لم ترد أن تكن هي صاحبة الحدث. فاليوم له، والصوت له، والكلمة له، و الصورة حتى... له، فهو هنا بين الاشجار، ربما على غصن من أغصان تلك الأرزة العملاقة التي وضعت يدها عليها. كلمات خطّتها يده بحبر أخضر ما تزال هنا، وفيروز اختارت أن تنشده اليوم... فهل سمعناها؟ هل قرأناه؟ ربما لا. ربما لا نستحق هذا الجمال. ربما جل ما نستحقه هو هذا الضجيج... فنحن صنعناه.