بعد أسابيع من التأخير غير الواضح الأسباب، أعلنت واشنطن، أمس، أن الرصيف البحري قبالة سواحل قطاع غزة، بات جاهزاً لاستقبال شحنات المساعدات الإنسانية. وقال «البنتاغون»، في بيان أمس، إنه يتوقع دخول المساعدات إلى القطاع عبر الرصيف خلال أيام، موضحاً أن «الرصيف البحري قبالة سواحل غزة يكمل دور المعابر البرية وليس بديلاً منها (...) والطرق البرية هي أفضل وسيلة وأكثر فاعلية». وذكرت «قناة كان» الإسرائيلية، بدورها، أنه «سيتمّ غداً نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر الميناء العائم، بعد أن يتمّ تفتيشها من قبل مسؤولي الأمن الإسرائيليين في قبرص، لتُنقل إلى غزة تحت حماية إسرائيلية».من جهتها، بدأت دول أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، بممارسة الضغوط على مصر لدفعها إلى القبول بإدخال المساعدات إلى غزة، عبر التنسيق مع العدو، بما يسمح بتحريك الشاحنات المكدّسة على الجانب المصري من معبر رفح. لكنّ القاهرة جدّدت رفضها التعامل مع أي تواجد إسرائيلي على المعبر من الجانب الفلسطيني، معتبرة أن «المسألة تشكّل خرقاً واضحاً للاتفاقيات والبنود المتفق عليها بشأن الوضع الأمني على الشريط الحدودي بين البلدين»، مؤكدة أن «الرفض نابع من التمسك المصري بعدم قبول سياسة الأمر الواقع التي تسعى إسرائيل إلى فرضها». ووفق مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الاتصالات التي جرت خلال اليومين الماضيين مع واشنطن، «لم يرد فيها لا من قريب ولا من بعيد أي حديث عن استئناف المفاوضات والرغبة في العودة إلى مسارها»، وإن «التصريحات الرسمية الأميركية تعبّر بشكل واضح عن رفض للعملية في معبر رفح، لكن الواقع يشير إلى عدم قدرة أو إرادة واشنطن لإيقافها».
وبالفعل، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أمس، أن «قوات إضافية من الجيش ستنضمّ إلى العملية البرية في رفح»، في حين أوضح مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، أنه «تتواجد في رفح وحدها حالياً، 3 ألوية قتالية: 401، جفعاتي والكوماندوز، ويوجد في القطاع بأكمله 8 ألوية قتالية، وهو أعلى رقم منذ عملية خان يونس، حيث تتواجد القوات في مقدّمة مدينة رفح على مسافة 5 كيلومترات من الحدود». وعليه، يقدّر عسكريون مصريون أن يبقى في مدينة رفح نحو ثلث العدد الذي كان متواجداً فيها من المدنيين الفلسطينيين، وذلك «وفق التصوّرات التي عرضها عسكريون إسرائيليون على نظرائهم المصريين خلال الأيام الماضية، حيث تضمّنت ترحيل ما يزيد على 600 ألف فلسطيني من رفح». وبحسب المصادر المصرية، فإن «قوات الاحتلال تسعى إلى تنفيذ مزيد من التوغلات في رفح اعتباراً من الأسبوع المقبل»، كما «سيحاول العدو الانتهاء من السيطرة على محور صلاح الدين بشكل كامل قبل نهاية الشهر الجاري».
كشفت «القناة 11» الإسرائيلية عن «وصول شحنة أولى من الذخيرة التي جمّدتها الإدارة الأميركية إلى إسرائيل»


وأمام هذه التطورات، تبدو الإدارة الأميركية أوضح في انحيازها الحاسم إلى جانب العدو، فيما يظهر أن ما تعلنه من معارضة لعملية عسكرية في رفح، ليس سوى استعراض إعلامي ودعائي، إذ لا يزال «البنتاغون»، حتى الأمس، يشير إلى أن تقديراته أن «العملية الإسرائيلية في رفح محدودة، ولكننا لا ندعمها»، مؤكداً، في الوقت عينه، «مواصلة تزويد إسرائيل بالذخائر والدفاعات الجوية لكي تتمكّن من الدفاع عن نفسها»، في حين كشفت «القناة 11» الإسرائيلية عن «وصول شحنة أولى من الذخيرة التي جمّدتها الإدارة الأميركية إلى إسرائيل». وبدورها، أكّدت الخارجية الأميركية «الحاجة إلى ضغط عسكري لهزيمة حماس والحاجة أيضاً إلى مسار سياسي»، مشيرة إلى أن(نا) «سنبقى عالقين في دوامة الحرب من دون خطة تعكس عملية سياسية في غزة بعد الحرب».
على خطّ مواز، واستكمالاً لحفل تراشق الاتهامات المستمرّ في إسرائيل منذ يومين، على خلفية هجوم غالانت على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحلفائه في اليمين واليمين المتطرّف، حول مسألة «اليوم التالي»، نال وزير التراث، عميحاي إلياهو، الذي دعا سابقاً إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة، وسام «نجم الحفل»، بجدارة، إذ طالب نتنياهو، في مقابلة مع إذاعة «103 أف أم» بإقالة غالانت، وإيجاد طرق لأخذ صلاحياته لإدارة هذه الحرب، وقال إنه غير قلق من تبدّد الشرعية الدولية لإسرائيل؛ «فلا أحد يحب الخاسرين، عندما ننتصر سيصفّقون لنا». وتابع: «نحن نتصرف بتردّد وعجز لأننا نحاول التوفيق بين كل الآراء. ولأن لدينا وزير أمن لا يؤمن بالنصر. قبل أسبوعين فقط، سألته إذا كان يعتقد أننا قادرون على الانتصار، لسوء الحظ نهض وغادر بدلاً من الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها». وكان إلياهو قد قال ما تقدّم، أيضاً، للوزراء عبر مجموعة الحكومة على تطبيق واتساب، وهو ما أغضب الإسرائيليين لانشغال الوزير بهذه المناكفات في وقتٍ كانت تتوارد فيه الأنباء عن وقوع «حدث صعب» في غزة، في إشارة إلى مقتل 5 جنود وإصابة 15 آخرين ليل الأربعاء - الخميس. وتابع في مقابلته: «لدينا مشكلة كبيرة جداً، جنرالات يحملون رؤية أوسلو، بدلاً من أن يؤمنوا أن علينا الانتصار. أنا لا أتحدث عن القدرات، بل عن عقيدة أخلاقية. يقول هؤلاء إنه ممنوع على دولة إسرائيل أن تنتصر. هذا الشيء لا يجب أن يكون. ليس جنرالات الجيش من يحددون السياسات». وبحسبه، فإن «الجيش لا يحاول الانتصار، بل يخشى الانتصار، ويخشى القتال. يرغب في تحقيق الهدوء الذي كان قائماً في العقود الثلاثة الأخيرة. هذه رؤية خطيرة».