لندن | من بيروت، ينطلق اليوم مهرجان «ما بقى إلا نوصل» الذي ــ وفق «مؤسسة هينرش بل» الجهة المنظّمة والمعنيّة بتنوير شعوب الشرق الأوسط ـــ يتمحور حول حقوق الإنسان والهجرة، مع تركيز خاص على الحقوق والاحترام والعدالة والظلم. دخل المهرجان دورته الثالثة بالتعاون مع «متحف سرسق»، و«معهد غوته» والسفارة السويسرية في لبنان. برنامجه يتضمن عرض عشرة أفلام وثائقيّة طويلة، وثلاثة قصيرة وفيلماً روائياً واحداً تتبعها نقاشات قصيرة مع مخرجيها إلى جانب جلسات نقاش أولاها الليلة تتمحور حول «أين نحن على الدرب نحو العدالة؟» (س: 19:00 ـ متحف سرسق).
«أنا وحيد» للمخرج السوري المعارض عبد القادر حبق

لا أحد يشكك في النوايا الطيبة للجهات المنظمة التي تنفق جزءاً من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين لأغراض نشر قيم حقوق الإنسان والعدالة بين شعوب منطقة الشرق الأوسط التي تبدو وفق نشرات الأخبار التي تبثها المؤسسات الغربيّة كأنها قاصرة ولمّا تخرج بعد من عصورها القروسطيّة المتخلفة. لسنا معنيّين بأن حزب الخضر الألماني الذي يدير «هينرش بل» هو جزء من المنظومة الحاكمة في ألمانيا، ويكتفي بالضغط لتحسين إدارة الرأسماليّة للموارد الطبيعية في العالم من دون أيّ تغيير في القواعد المنظمة للهوة المتزايدة بين دول الشمال الغني وتعساء الجنوب، وأن الألمان أنفسهم ما زالوا يعانون من التفرقة العنصريّة في سويسرا. كما أن أيّ جدال بشأن مواضيع المضمون السياسي للأفلام ــ دراما خيالية أو وثائقيّة ــ لا ينبغي أن يكون مانعاً من ضرورة الاطلاع على إبداعات العالم بشأن القضايا الإنسانيّة، لا سيّما تلك التي أنتجها مبدعون منحدرون من المنطقة انطلقوا بكاميراتهم لتسجيل وقائع في نهج البحث عن العدالة كمفهوم «غربي» مطلق.
لكن نظرة سريعة على قائمة الأفلام المخصصة للعرض في هذا المهرجان، تُظهر من دون عناء أن التظاهرة بمجملها ليست إلا ساحة أخرى للترويج لأعمال تحمل بمجملها رواية أحادية النظرة وشديدة الانحياز لمسارات الأحداث في سوريا منذ بدء الحرب الأميركيّة العلنية على ذلك البلد عام 2011. أعمال تكتفي بتقديم الثنائيّة الساذجة للأبيض والأسود عن حالة حرب تتسم، بشكل خاص، بأنها مُغرقة في التناقضات ودرجات الرّمادي. لم يجد واضعو البرنامج حرجاً في تحديد موقفهم السياسي المحسوب كليّة على الطرف المعادي لسوريا في كل أدبيات المهرجان. استخدموا نصوصاً مستلّة في ما يبدو من بيانات التنسيقيات من فترة طويت، ولمّا تعد تنطلي إلا على مروجيها. وللحقيقة فإن باقة الأفلام ذات الثيمة السوريّة غلّفت بمختارات من أفلام عالميّة حول قضايا «إنسانيّة» الطابع تبدو - على أهمية بعضها - مستلة من كتالوغ استشراقي بورجوازي النزعة وشديد المباشرة في اختياراته. ما يعكس استعلائيّة لا تخفى في التعامل مع تلك الغابة المسماة دول الجنوب وأيضاً الهاربين منها إلى بلاد النور في الشمال. حتى فيلم «صمت الآخرين» (2018 ـــــ13/10 ـــ س: 19:00 ـ أمبير صوفيل) الذي يحكي عن ضحايا الفاشستي فرانكو في إسبانيا، استدعي ـــ رغم الاختلاف الكلي في السياق ـــ للتلويح ضد سوريا لا انتصاراً لمن قضوا تعذيباً في سجون مدريد.
المشاركات السورية ساحة للترويج لنظرة أحادية إلى الصراع


لدينا مثلاً فيلم «الطيران الحربي في الأجواء» (2018 ـــ14/10 ــ 21:00 ــ متروبوليس) للمخرج السوري عبدالله الحكواتي عن حياة أشخاص (عاديين) في دوما يعيشون في منطقة تحت الحصار في سوريا ويحاولون أن يعيشوا حياتهم رغم كلّ ما يحيط بهم من قصف وعنف «النظام». «أنا وحيد» (2018 ــ13/10 ـ س:21:30 ـــ متروبوليس) للمخرج السوري المعارض عبد القادر حبق يروي حكاية فتى سوري في العاشرة من عمره لقي أفراد عائلته الستة حتفهم في الهجوم الكيميائي (المزعوم) على خان شيخون عام 2017. بقي الفتى وحيداً يروي حكايتهم وفق الرواية الغربيّة تحديداً. هناك أيضاً فيلم «تدمر» (2016 ـ 14/10 ـــ س: 19:00 ـــ متروبوليس) للألمانية مونيكا بورغمان واللبناني لقمان سليم الذي أنتج في إطار دعم «الانتفاضة الشعبيّة ضد نظام الأسد» وفق برنامج المهرجان. يسجّل الشريط روايات لبنانيين قالوا إنّهم معتقلون سابقون في سجن تدمر السوري وقرروا بعد طول صمت أن يتحدثوا عن معاناتهم هناك.
لا يقتصر الغياب في «ما بقى إلا نوصل» على الأعمال التي تصف صور الجحيم الذي عاشه المواطنون السوريون نتيجة الحرب الأميركية المستمرة على سوريا. هؤلاء لا أحد يدعم أفلاماً عنهم، فيما تحاصر الأعمال القليلة التي أنتجت بالفعل وتحرم من حضور المهرجانات الغربيّة. بل إن الغائب الأكبر هو فلسطين، على بعد شارعين من بيروت، حيث مأساة شعب متمددة وكانت تستحق ولو ربع فيلم يتحدث عن أحد أوجه «عدالة» الأوروبيين المزعومة. لكن إسرائيل تحديداً وجرائمها نقطة عمياء للألماني (أو السويسري) مهما «اخضرّ» لونه.
إذا وضعنا جرعة البروباغندا المكثفة المتعلقة بسوريا جانباً، فإن فيلمي «إمبراطور النمسا» للمخرج اللبناني سليم مراد (2016 ـــ13/10 ـــ س: 17:00 ـــ معهد غوته) و«الذاكرة: مجهولة» (2013 ـــ 14/10 ـــ س: 1700 ـــ معهد غوته) للمخرجة اللبنانية صوفي الديك يقدّمان تجارب توثيقيّة مختلفة جديرة بالمتابعة، إلى جانب فيلم «على كف عفريت» (2017 ـــ 14/10 ـــ س: 19:00) الروائي للمخرجة التونسيّة كوثر بن هنية. يستند الشريط إلى حادثة هزّت الرأي العام في تونس عام 2012 عن طالبة جامعيّة تُغتَصب على يد رجلي شرطة. في المحصّلة، يبدو أنّ الطريق إلى العدالة أيها الأصدقاء في «هينرش بل» لا تزال طويلة.



من البرنامج

إمبراطور النمسا
13/10 ــ س: 17:00 ـ غوته



يمزج هذا الشريط بين الوثائقي والسيرة الذاتية الخيالية، ليطرح تعقيدات المجتمع اللبناني وثقل المجتمع الذكوري بنبرة تمزج بين السخرية والكوميديا والجدية. المخرج سليم مراد هو آخر العنقود في العائلة. بينما يواجه منزل الأسرة التراثي خطر الهدم، يصرّح المخرج لأهله بهويته الجنسية، ويحاول أن يجد معنى لوجوده.


الذاكرة: مجهولة
14/10 ــ س: 17:00 ـ غوته



شريط صوفي ديك يتابع مجموعة قصص لأطفال جرى تبنيهم من لبنان إلى هولندا والسويد خلال الحرب، ويوثق نضالهم ومحاولاتهم وجهودهم في البحث عن أهلهم البيولوجيين. إنه عمل يطرح قضية حساسة ويفتح فصلاً مؤلماً من فصول الحرب الأهلية اللبنانية، وما يستتبع ذلك من مفاهيم وتيمات مثل الهوية والانتماء.

حتى عندما أقع
13/10 ــ س: 21:30 ــ متروبوليس



يروي هذا الوثائقي النيبالي لسكاي نيل وكايت مكلارنون، قصة امرأتين تكملان حياتهما بعدما وقعتا ضحية الاتجار بالبشر، وقد استثمرتا المهارات التي تعلمتاها خلال تلك المأساة للعيش وتحصيل الرزق. ففي صغرهما، بيعت الفتاتان واستغلتا في عروض السيرك الهندية. وبعد الإفراج عنهما، ستؤسسان أول سيرك في النيبال.

صمت الآخرين
13/10 ــ س: 19:00 ـــ متروبوليس



يضيء وثائقي المودينا كاراسيدو وروبرت باهار على ضحايا نظام فرانكو وحكمه الذي استمرّ 40 عاماً في إسبانيا. الشريط الذي استغرق تصويره ست سنوات، يرصد هؤلاء الضحايا الناجين من بوابة الأرجنتين. ففي 2010، رفع عدد من المحامين هناك دعاوى نيابة عن ضحايا نظام فرانكو. فقدان الذاكرة، والتعتيم يقعان في صلب هذا الوثائقي

على كف عفريت
14/10 ــ س: 19:00 ــ «متروبوليس»



حاز «على كف عفريت» للتونسية كوثر بن هنية جوائز في مهرجانات عالمية، من بينها «كان». ضمن أجواء من الإثارة والتشويق، يتمحور الفيلم الروائي (100 د ـ 2017) حول الشابة «مريم» التي تلتقي بشاب غامض يُدعى «يوسف» في حفلة طلّاب، قبل أن يغادرا معاً، لتنقلب حياتها في ليلة واحدة، بعد تعرّضها للاغتصاب في مركز للشرطة.

العائلة أساس المساواة
14/10 ــ 17:00 ــ «متروبوليس»



دور التعليم باعتباره وسيلة للتخلّص من عدم المساواة والعنف الأسريَّيْن. هذه هي النقطة الأساسية التي يتمحور حولها الوثائقي القصير «العائلة أساس المساواة» (25 د ــ أحدث إنتاجات منظمة التضامن النسائي التعليمي/ ـ 2017) للأميركي ديب برجرون. يستعرض الشريط قوانين أسرية تمييزية وتأثيرها بحرية المرأة وسلامتها.

عمّال النظافة
14/10 ــ س:21:30 ــ معهد «غوته»



يطرح وثائقي «عمّال النظافة» (90 د ـ 2018) للألمانيَّيْن هانز بلوك وموريتز زيزويك موضوعاً يتعلّق بـ «التنظيف الرقمي» الذي يعدّ بمثابة صناعة ظل خفيّة، حيث تتخلّص الإنترنت من كل ما لا يروقها (العنف والإباحية والمضمون السياسي). فمَن يتحكّم بما نراه؟ وكيف يتعامل هؤلاء مع الأمور التي لا ينبغي إرغام أحد على مشاهدتها؟.