على مدى الأشهر الثمانية الماضية، سلّطت مئات التقارير والشهادات والتحقيقات مزيداً من الضوء على التعذيب الوحشي الذي تمارسه دولة الاحتلال بحق المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. ووثّقت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تعرّض السجناء للضرب المبرح والإساءة عدة مرات في اليوم، وحبسهم في زنازين «لا تصلح للحياة البشرية»، معصوبي الأعين وأيديهم مقيّدة بأربطة بلاستيكية، ومعزولين عن العالم الخارجي، ومجردين من ملابسهم، ومعاقبين جماعياً عبر التجويع، ومهاجمة الكلاب، والاعتداء الجنسي، والتعذيب النفسي...- أطباء السجن وعلماء النفس الإسرائيليون متواطئون في التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة للفلسطينيين المسجونين.
- {تلقّيت ضربة على رأسي نزفت والدماء جفت على وجهي ولم أستطع أن أفتح عينيّ بسبب الدماء ويداي مكبلتان}.
- قتل واغتصاب وحقن بالإكراه بمواد مجهولة.
- إطلاق النار على المعتقلين بعد الإفراج عنهم وإجبارهم على الهرولة مئات الأمتار تحت وابل من الرصاص.
- استخدام الكلاب البوليسية والصعق بالكهرباء والضرب والإهانات في سجن عسقلان.
- «تأخرت 4 دقائق في الحمام فتمّ صعقي بالكهرباء» (الأسير سمير مرجان).
- معتقل أبكم تعرّض للضرب والتعذيب لأنه لم يُجب عن أسئلة المحققين.
اجساد نحيلة ونفوس محطّمة
وصل عشرات المعتقلين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة بعدما أفرجت عنهم قوات الاحتلال في 11 حزيران الجاري. عادوا إلى الحياة بأدلة تعذيب تغطي أجسادهم النحيلة وبنفوسهم المحطّمة. فقد أفرجت قوات الاحتلال عن نحو 50 معتقلاً قرب موقع زكيم العسكري شمال غربي قطاع غزة، وأطلقت النار نحوهم وأجبرتهم على الجري مئات الأمتار ليصلوا وهم في حالة صعبة جداً إلى شمال القطاع.
وثّقت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تعرّض السجناء للضرب المبرح والإساءة عدة مرات في اليوم


وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي إن «نحو 50 أسيراً أفرج عنهم من منطقة زيكيم غرب بيت لاهيا، وهم من مختلف مناطق القطاع. وجرى نقلهم إلى مستشفى كمال عدوان لسوء وضعهم الصحي، فغالبيتهم يعاني كسوراً في العظام والصدر، وأجسامهم هزيلة لم تفارقها الأغلال طوال مدة اختطافهم من قبل عصابة الاحتلال».
كما أظهرت الصور التي التقطتها عدسات الصحافيين في المستشفى، آثار التعذيب وسوء المعاملة على أجساد الأسرى، في وقتٍ تؤكد مصادر طبيّة أن بعضهم يُعاني من جروح ملتهبة جرّاء تقييد أيديهم، عدا عن حالتهم النفسية الصعبة.
تستدعي هذه الإفادات تحقيقاً موسعاً لن يكون سهلاً طبعاً بسبب عدد من التحديات، {أبرزها مرور الزمن واستمرار العدوان وصعوبة التوثيق الدقيق وتدمير بعض الادلّة، يضاف إلى ذلك تراكم مئات المجازر في القطاع المحاصَر ما يصعّب التحقيق في الانتهاكات التي تتزايد كل يوم منذ ثمانية اشهر}.



خمسة اشهر معصوب العينين
«قلع الأظافر، الضرب على الرقبة، التكتيف وتكسير الصدر، في ناس تقطعت يديها، في ناس تقطعت رجليها، في ناس استشهدت وهي واقفة على الجدار في التعذيب، الحمام ممنوع، بتعملها عحالك»، يروي الأسير المحرر وليد أبو جامة ظروف الأسر والتعذيب في سجون الاحتلال. 5 أشهر قضاها وليد معصوب العينين، ومكبّل اليدين، بعدما اعتقله الاحتلال عشوائياً من دون سبب مع عشرات الشبان والأطفال والنساء عند حاجز جامعة الأقصى في خان يونس. تأتي شهادة أبو جامة ضمن شهادات مروعة لمعتقلين فلسطينيين مفرج عنهم تؤكد أن القوات الإسرائيلية ماضية في نهج التعذيب الشديد والانتقامي من المعتقلين الفلسطينيين رغم إدراكها أنهم مدنيون.



كسّروا عظامنا
«مارسوا كل أنواع التعذيب، قاموا بكسر العظام، خرموا لي طبلة الأذن على الممر الآمن في نتساريم أول ساعة. بعد ذلك أخذوني إلى البركسات، وبعدها على سجن النقب وما أدراك ما سجن النقب. مسلخة النقب. لا طعام لا شراب. هل تعلمون أن هذه الثياب لها أكثر من 8 شهور على جسدي؟ حمتني من الموت. في عز البرد كنا ننام بدون أغطية على الأرض، نغطي أجسادنا بأجساد بعض. الجرب أنهك أجساد المعتقلين، وخاصة القسم 12 في سجن النقب. لا دواء ولا طبابة. الظروف صعبة جداً. الأسرى بعد 7 أكتوبر يعانون الويلات».

20 يوماً في الأسر
«أخذنا جيش الاحتلال الاسرائيلي من مدرسة حلب، طول الطريق ضرب وتعذيب وإهانات. رأينا أشخاصاً مقطوعي الأيدي والأرجل بسبب التعذيب. النوم ممنوع. الأكل والشرب شحيحان طبعاً. ذل. الكلبشات كل الوقت، وإذا غفيت يديرون عليك مياه المجاري. تلقيت ضربة على رأسي نزفت والدماء جفت على وجهي ولم أستطع أن أفتح عيني من الدم على وجهي فيما يداي مكبلتان».

حقن مجهولة
يقول أحد الأسرى المفرج عنهم إن قوات الاحتلال كانت تستخدم الصعقات الكهربائية أثناء التحقيق بهدف الحصول على الاعترافات والمعلومات عن فصائل المقاومة والأنفاق، وعندما يقول «لا أعرف فأنا مدني ولا علم لي بالأمور الأخرى»، يتم ضربه. وأضاف أن التحقيق كان مصحوباً باعتداءات وتعذيب وحشي. كما شهد الأسير المحرر في السجن على معاناة آخرين تردّت حالتهم الصحية، من دون اهتمام طبي، إضافة إلى إعطاء الجيش بعض الأسرى حقناً مجهولة. ويقول: «بسبب تأخّري في الحمام، صعقني أحد الضباط بالكهرباء، ومازالت آثار ذلك موجودة في جسدي، فحتى الحمام محسوب بوقت معين وإن تأخرت عن أربع دقائق سيتم صعقك بالكهرباء».

رأينا الموت كل يوم
«لم نتمكن من رؤية ضوء النهار ولا الشمس، بدأت في معرفة أوقات الصلاة بناءً على ضوء أعمدة الإنارة هناك» يقول أحد الأسرى المحررين، مؤكداً استشهاد معتقل تحت التعذيب. وأوضح: «صادفت قبل نحو خمسة أيام معتقلاً اسمه محمد الكحلوت من سكان الفالوجا شمال غزة، طلب مني أن أتواصل مع أهله إن خرجت وأخبرهم أنه بخير. كان في الغرفة المقابلة لنا وكنت أتحدث معه من الشبك ولم أكن أعرف أني سأخرج. في اليوم التالي من حديثنا توفي نتيجة تعرضه للتعذيب، ووضع الجيش جثمانه في كيس بلاستيكي من أكياس الموتى ونقلوه لمكان ما». ويضيف: «خلال احتجازي، كانت هناك مجموعة من المعتقلين من قطاع غزة، مصنفين كأسرى أمنيين يتم قمعهم طوال اليوم وضربهم بشكل وحشي وعشوائي حتى تسيل دماؤهم، محمد قُتل تحت التعذيب الذي كان يتعرض له في أوقات مختلفة طوال اليوم».

منذ اللحظة الأولى
«كانت الأصفاد في أيدينا وكنا معصوبي الأعين منذ اللحظة الأولى للاعتقال، حتى عندما نأكل ونذهب إلى دورة المياه، كانت أيادينا مكبّلة. عندما أبلغونا أنهم سيفرجون عنا، هددني أحد السجانين بالقول: لا تشكُ شيئاً أمام الصحافة، وإلا سنصل إليك مجدداً. عند إطلاق سراحنا ظهر الثلاثاء، في 11 حزيران، في منطقة زيكيم، قال لنا أحد الجنود: أمامكم أربع دقائق فقط للوصول إلى المناطق السكنية، وبعد ذلك من أشاهده سأطلق النار عليه. بدأنا بالجري في ظل الحر، ورغم وعورة الأرض وبعدنا عن المساكن».
الإذلال والحط من الكرامات
«أثناء الاستجواب، كنا نجبر على التعري العلني، وربطنا بكرسي فيما نحن راكعون وأيدينا مقيدة خلف ظهورهنا. كنا نتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي كوننا عراة، وإجبارنا على القيام بأفعال مهينة ونحن عراة، مثل الرقص بدون ملابس وتصويرنا».

«الضوء الأخضر» الطبي للتعذيب
يساعد أطباء السجون الإسرائيلية في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين عبر تبادل المعلومات الطبية الخاصة بالسجناء مع المحققين للحصول على «ضوء أخضر» للتعذيب، وتعليم المحققين كيفية إلحاق الألم من دون ترك علامات جسدية، بل وحتى الانخراط بنشاط في أعمال التعذيب بأنفسهم، حيث يبحث اختصاصيو الرعاية الصحية في فحوصاتهم عن نقاط الضعف الجسدية والنفسية لاستغلالها في الشخص. ويتم مشاركة نقاط الضعف هذه مع المحققين لمساعدتهم على كسر روح السجين. كما يقوم الأطباء الإسرائيليون بإخفاء الإصابات التي يلاحظونها أثناء التعذيب. وبدلاً من الوفاء بمسؤولياتهم الأخلاقية في الإبلاغ عن الانتهاكات، يقوم الأطباء بتزوير أو الامتناع عن توثيق الآثار الجسدية والنفسية للتعذيب على جسد المعتقل - ما يحرم الضحايا من استخدام الأدلة المحتملة ضد معذبيهم. ويمتد التواطؤ الطبي في التعذيب إلى ما هو أبعد من الأطباء الأفراد إلى النظام الطبي الإسرائيلي برمته.

آثار مدمرة للتعذيب
التعذيب لا يترك ندبات جسدية فقط، بل يُحدث أيضاً أضراراً نفسية عميقة وطويلة الأمد. يمكن أن يعاني الضحايا من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والذي يتضمن ذكريات الماضي المؤلمة، والكوابيس، وصعوبة التركيز، والقلق. كما يمكن أن يؤدي التعذيب إلى الاكتئاب والقلق المزمنين، وفقدان الثقة بالآخرين، وصعوبة في العلاقات الشخصية. وقد يعاني الضحايا أيضاً من مشكلات جسدية مثل آلام مزمنة، ومشكلات النوم، واضطرابات الجهاز الهضمي. أكثر من ذلك، يمكن أن يؤدي التعذيب إلى فقدان الثقة بالنفس والشعور بالذنب والعجز. هذه التأثيرات بعيدة المدى ويمكن أن تستمر لسنوات أو حتى لعقود بعد التعذيب.