40 عاماً من الاعتقال التعسفي للمناضل جورج عبدالله في السجون الفرنسية، لم يكن خلالها للدولة اللبنانية أي موقف رسمي من هذا الملف انعكاساً للهيمنة الفرنسية على مكوّنات النظام اللبناني. بعض المبادرات الخجولة جاءت فردية ونتيجة الضغط الكبير من عائلة عبدالله بشكل أساسي، ومن قوى سياسية ومستقلين حملوا قضيته وشكّلوا لأجلها حملة للضغط على السلطات الفرنسية واللبنانية، عبر عشرات الوقفات الاحتجاجية والإضاءة على الانتهاكات القانونية والسياسية في هذا الملف الذي تحوّل إلى قضية العصر لناحية التعسف الفرنسي غير المسبوق بحق سجين أنهى محكوميته، وترفض الإدارة السياسية الإفراج عنه خلافاً للقانون، ورغم تصريحات مسؤولين فرنسيين كبار عن تلفيق كل ما جاء في ملف القضية. وكان القاضي السابق الذي أسّس الجهاز المركزي لمكافحة الإرهاب ألان مارسو وصف في كتابه Avant de tout oublier كيف استفاد الفرنسيون من التفجيرات التي استهدفت مدنيين في باريس في تلك الفترة ليزيدوا من قساوة العقوبة بالمناضل عبدالله، وأشار في الكتاب إلى أن «جورج عبدالله محكوم بشيء لم يفعله. بعد فترة اكتشفنا الهوية الحقيقية للمسؤولين عن تفجيرات عام 1986». عام 2018، سلّمت الحملة الوطنية لتحرير المناضل جورج عبدالله 128 نائباً في مجلس النواب ملفاً كاملاً عن القضية منذ تاريخ توقيفه في فرنسا عام 1984 إلى تاريخ آخر قرار إفراج عنه تمّ تعطيله عام 2013 من قبل السلطة السياسية الفرنسية التي رضخت للضغوط الصهيو - أميركية. كما نظّمت الحملة عشرات الوقفات الاحتجاجية المطالبة بتحمّل الدولة اللبنانية لمسؤولياتها تجاه مواطن لبناني محتجز تعسّفاً على الأراضي الفرنسية باعتراف مسؤولين فرنسيين. ولكن، طوال هذه السنوات لم يصدر عن الدولة اللبنانية أي قرار رسمي متعلق بهذه القضية، وكل ما صدر كان مجرد مبادرات فردية من بعض المسؤولين، كالزيارة التي قامت بها وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم بمبادرة شخصية منها، وقد اشترط عليها الفرنسيون عدم الإعلان عنها لا قبلها ولا بعدها. وذكرت نجم حينها أن معاملات إذن الزيارة كانت معقّدة للغاية؛ وبعد لقائها المناضل جورج عبدالله أكدت أن قضيته سياسية بامتياز وليست قانونية.
ما الذي تغير إذاً ودفع بالحكومة اللبنانية أخيراً للطلب بشكل رسمي من الفرنسيين تسليم جورج عبدالله؟
خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 14 حزيران، تقدّم وزير العدل هنري خوري بكتاب يطلب فيه الموافقة على تسليم مواطن فرنسي – جزائري للسلطات الفرنسية. اعترض وزير العمل مصطفى بيرم على ورقة الطلب، وقال إن هذا الموضوع «شأن سيادي، والأجدى أن نطالب فرنسا بتسليمنا مواطناً لبنانياً مناضلاً محتجزاً لديها منذ 40 عاماً رغم انتهاء محكوميته». وأكّد أن طرح الموضوع ليس على سبيل المقايضة مطلقاً مع الموقوف الفرنسي من أصول جزائرية، ولا تصح المقارنة بين الملفين. وانضم وزير الثقافة محمد وسام المرتضى إلى الوزير بيرم، وتقدّم باقتراح مراسلة السلطات الفرنسية عبر الحكومة اللبنانية لإطلاق عبدالله. وطالما أن موضوع تسليم المواطن الفرنسي طُرح على مجلس الوزراء فعلى الحكومة أن تطالب بمواطن لبناني محتجز في فرنسا أنهى محكوميته منذ عام 1999. علماً أنه سبق أن سلّم لبنان مطلوبين فرنسيين للسلطات الفرنسية ولم يبادر أي مسؤول سياسي في حينها لتحريك ملف عبدالله وفقاً للمبدأ السيادي الذي تمّ الحديث عنه. إلا أن موازين القوى التي تبدّلت بعد السابع من أكتوبر كان لها تأثيرها بالتأكيد، ونحن اليوم رغم الإجرام الذي يقوم به العدو الصهيوني في فلسطين والجنوب اللبناني، إلا أن ميزان القوى هو لصالح الميدان وللمقاومين.
سبق أن سلّم لبنان مطلوبين فرنسيين للسلطات الفرنسية ولم يبادر أي مسؤول سياسي إلى تحريك ملف جورج عبدالله


وافق مجلس الوزراء على تكليف وزارة العدل بالطلب من السلطات الفرنسية تسليم عبدالله. هذه الخطوة كانت تنتظرها عائلته وكل رفاقه منذ 40 عاماً، وأعطت المتغيرات الكبرى في المنطقة بعد السابع من أكتوبر دفعاً كبيراً لإمكانية طرح هذه القضية بكل جرأة، وبالصيغة التي تحدّث عنها البيان للمرة الأولى، إذ ذكر في قرار مجلس الوزراء أن جورج عبدالله انتهت محكوميته - بالتالي أصبح محتجزاً بشكل غير قانوني - وعلى السلطات الفرنسية تسليمه لدولته.
الحملة الوطنية لتحرير جورج عبدالله توقّفت في بيان «باهتمام أمام قرار الحكومة اللبنانية تكليف وزارة العدل بالطلب من السلطات الفرنسية الإفراج عن جورج بعد أن أنهى محكوميته، الأمر الذي لطالما اعتبرته الحملة أنه من واجبات الدولة في الدفاع عن مواطنيها، خصوصاً تجاه مقاوم أمضى سنين عمره دفاعاً عن تحرير بلاده». وأضاف «يأتي القرار لتأكيد معنى الصمود الذي أبداه المناضل جورج عبدالله على مدى سنوات اعتقاله الأربعين، متمسّكاً بشرعية المقاومة في وجه الاحتلال، ومعبّراً كل يوم عن تأييده للمقاومة التي تحرر الأرض وتستعيد حرية الأسرى والمعتقلين. لذلك، لا ترى الحملة أي صلة بين مسألة مواطن فرنسي من أصل جزائري متهم من جانب بلاده، وحق جورج عبدالله بالعودة حراً إلى وطنه». وختم البيان بالإشارة الى أن الحملة «كما هي حال العديد من اللجان والمنظمات في فرنسا وغيرها، تمزج بين المطالبة بتحرير الأسير عبدالله وشجب العدوانية الصهيونية»، ودعت بالتنسيق مع مجموعة «طلاب ضد الاحتلال» إلى وقفة تضامنية مع الأسير أمام السفارة الفرنسية في 20 حزيران الجاري (اليوم). كما ستتابع عائلة المناضل عبدالله والحملة الوطنية مع وزارة العدل مجريات تنفيذ القرار الحكومي في مراسلة السلطات الفرنسية لتسليم جورج عبدالله للدولة اللبنانية.
كما تدعو الحملة الوطنية وككل عام لاعتصام حاشد في الرابع عشر من تموز أمام قصر الصنوبر تزامنا مع الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي.