وسط إجماع بأن خطابه أمس كان الأكثر قوة ووضوحاً منذ إطلاق جبهة المساندة في لبنان، صارح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كيان الاحتلال، مستوطنين وجيشاً وسياسيين، بأن التهويل على لبنان بشن حرب لا يعكس حقيقة الوقائع القائمة على الأرض، متوجهاً إلى العدو بأن «عليكم أنتم أن تخافوا من الحرب معنا».وعلى طريقته في شرح الوضع وعرض الوقائع، أسهب نصرالله في شرح أهمية الأسباب التي دفعت المقاومة في لبنان واليمن والعراق إلى الانخراط في مهمة الإسناد للمقاومة في غزة، مشيراً إلى أن العدو يواجه مأزقاً كبيراً، واعتبر أن محاولة توسيع دائرة المواجهات الشاملة مع قوى المقاومة قد تشكل فرصة لضرب أسس الكيان المحتل. كما صارح جمهور المقاومة من جهة، وجمهور العدو من جهة أخرى، بأن المعركة مع العدو إن توسعت نحو مواجهة شاملة، ستكون بشكل لم يعهده أحد، مكرراً أنها ستكون بلا سقوف وبلا ضوابط وبلا قواعد، في إشارة مباشرة إلى أن الضوابط التي عملت وفقها المقاومة في كل حروبها السابقة مع العدو ستختفي هذه المرة. وهو كلام يفترض بالعدو أن يفهم مقاصده، لجهة أنه في حالة الحرب الشاملة، فإن لا حرمة تتقدم على حرمة الدم العربي، وإنه ممنوع على العدو تكرار مجازر غزة في لبنان أو أي مكان آخر.
وإذ أكّد السيد نصرالله أن المقاومة اأتمت استعداداتها لأي احتمال، كشف، في تطور غير مسبوق، عن تلقي المقاومة أسلحة جديدة في هذه الفترة، إضافة إلى تطوير بعض الأسلحة التي استُخدمت في المعارك الدائرة منذ 8 أشهر، في رد واضح على كل عمليات القصف التي تقوم بها قوات الاحتلال وتستهدف فيها ما تعتبره «مراكز تصنيع خاصة بالمقاومة» أو اغتيال «بعض كوادر المقاومة العاملين في مجال التصنيع العسكري».
وفي كلام هو الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاثين سنة، وجّه نصرالله تهديداً صريحاً إلى دولة أجنبية يمكن للعدو أن يستفيد من أراضيها في أي حرب مع لبنان. وتوجّه مباشرة إلى جمهورية قبرص، محذراً حكومتها من مغبة منح العدو الإذن باستخدام أراضي ومطارات الجزيرة للاعتداء على لبنان. وهو موقف سيفتح الباب أمام مستويات جديدة من القلق الأوروبي الذي كان محصوراً حتى الأمس بالكيان الإسرائيلي، بعدما فتح نصرالله الباب على تهديد يطاول دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وتُعتبر أحد معابر القارة على ساحل المتوسط.
وللمرة الأولى، علّق نصرالله على المفاوضات التي تجريها المقاومة الفلسطينية حول غزة، بعدما تقصّد تجنب الإشارة إليها طوال الفترة السابقة، لكن من زاوية أراد من خلالها إقفال الأبواب على محاولات تقوم بها جهات إقليمية ودولية لممارسة الضغط على حركة حماس. وقال نصرالله إن التفاوض يجري مع حماس مباشرة، والمقاومة في لبنان ليست بريداً لأحد، مقدّماً جرعة دعم كبيرة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تتعرّض لضغوط كبيرة من الجانب العربي والغربي لإجبارها على السير في صفقة تخدم إسرائيل. وجاء موقفه رداً على رسائل أميركية، بينها ما نقله الموفد عاموس هوكشتين الذي استفسر عما إذا كان بمقدور حزب الله المساعدة في إقناع حماس بالموافقة على مقترح بايدن. وهو ما دفع نصرالله الذي يلتزم سياسة عدم إعطاء موقف من أوراق المفاوضات الجارية إلى القول صراحة بأن ما هو معروض على المقاومة في فلسطين لا يخدم قضيتها بقدر ما يخدم العدو ولا يضمن وقف الحرب، مقفلاً الأبواب أمام أي محاولة ربما تقوم بها الولايات المتحدة أو أطراف أخرى لممارسة الضغوط على فصائل المقاومة في غزة.
يبقى أن حديث السيد عن تفاصيل ما يجري على الجبهة الجنوبية، وعن قدرات المقاومة، شكّل مفاجأة إضافية لناحية القول إن المقاومة في لبنان لا تحتاج إلى أي دعم في أي مواجهة شاملة مع العدو، وإن ما تحتاج إليه المعركة من عديد وعتاد متوفّر لديها. لكنه أعطى إشارة عن احتمال توسع المواجهة أكثر، عندما تحدّث عن استعدادات قوى في محور المقاومة لإرسال عشرات آلاف المقاتلين إلى لبنان، علماً أنه لم يسمّ كل الدول والقوى التي بعثت برسائل إلى قيادة حزب الله في الأسابيع الأخيرة.