رغم أن إحسان اشترى دراجة نارية بطريقة قانونية، وسجّل العقد أصولاً لدى إحدى دوائر كتّاب العدل، إلا أنه لم يستطع تسجيلها في مصلحة تسجيل السيارات والاليات (النافعة) كون أبواب هذه المصلحة مفتوحة حالياً فقط لفك الحجوزات، فيما يصعب التسجيل على المنصة شبه المعطلة. هكذا، اضطر إحسان إلى أن يسلّم دراجته الجديدة بنفسه إلى القوى الأمنية لحجزها، لكي يحظى بفرصة لتسجيلها. إذ أنّ الأولوية في مصلحة تسجيل السيارات والآليات حالياً، هي لتسوية المخالفات وفك الحجوزات عن الاليات، وما عدا ذلك يصعب إنجازه في ظل تراكم المعاملات، ومن دون الاستعانة بسمسار تفوق تكاليفه ثمن الدراجة أحياناً.
الفوضى في الإمتثال للقوانين
منذ بداية الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، تسلل الشلل إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها بشكل فاضح، ومن بينها مصلحة تسجيل السيارات والآليات التي أقفلت أبوابها لفترة طويلة، ما حال دون تسجيل الآليات والمركبات والحصول على دفاتر السوق. هكذا شُلَّ هذا المرفق الذي يعتبر شرياناً حيوياً للسلامة المرورية، ما أدى تكدّس آلاف الملفات، ما خلق فوضى إضافية، أضيفت إلى الفوضى المتراكمة والإهمال المستشري على كامل الأراضي اللبنانية.
ولا شك في أن صورة إهمال المواطن ومخالفته لقانون السير والأنظمة المرعية واضحة للعيان ولا يمكن إنكارها. فجولة سريعة على الطرقات، تكشف حجم الفوضى في الإمتثال للقوانين، سيّما من بعض سائقي الدراجات الآلية الذين يعبثون بحياتهم وبسلامة الآخرين بإهمالهم أبسط قواعد السلامة العامة. والأمر لا يقتصر على عدم إرتداء الخوذة، بل يشمل القيادة بطريقة هستيرية وبهلوانية أحياناً، وبعكس السير في كثير من الأحيان، ونقل عدد من الأشخاص يتجاوز المسموح به على الدراجة الواحدة، ما يؤدي إلى كوارث يومية على الطرقات. إلا أن حملة قمع المخالفات الأخيرة لم تنطلق من هذه المعطيات، بل استندت في معظم الأحيان، على أسباب أخرى متعلقة بعدم التسجيل والأمر عينه يسير على السيارات والاليات الأخرى، سيّما أنه كان يتمّ مصادرتها من الشوارع من دون مراجعة أصحابها مع تسجيل الكثير من الخروقات القانونية التي سنتحدث عنها تباعاً.

حجز 1600 دراجة نارية
وفي بداية المرحلة الأولى من تطبيق الخطة، التي تقودها وزارة الداخلية والبلديات، حُجزت بحسب الوزير بسام مولوي أكثر من 1600 دراجة نارية، (مع العلم أنه لم يصدر أي رقم دقيق رسمي في نهاية تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة الأمنية، إلّا أن زحمة المواطنين الخانقة أمام مفارز السير والنافعة، تشي إلى وصول عدد الاليات المحجوزة إلى عتبة العشرة آلاف)، إضافة إلى حجز السيارات المخالفة سيما التي تحمل لوحات مزورة، أو التي تضع عازلاً زجاجياً، وقمع المخالفات وإقفال المحال التجارية غير المرخصة والمخالفة، وتوقيف الكثير من المطلوبين، الأمر الذي يراه المولوي ضرورياً من أجل «تأمين أمن المواطن، الذي شعر بفقدان الامن». واعتبرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي رداً على ما تعرّضت له من إحتجاجات ميدانية (أمام فصيلة المريجة) وإنتقادات واسعة، أن ما تقوم به هو لحماية الناس وليس للإقتصاص أو التشفي منهم، وأن الخطة نتج عنها إنخفاض كبير في نسبة الجرائم، بعد أن كثرت أعمال السطو والنشل والتصرفات المتهورة لبعض سائقي الدرجات النارية.

ترهيب المخالفين ورفع الغرامات
لا شكّ في أن الخطة ساهمت في ترهيب المخالفين والخارجين عن القانون، ودفعت بعضهم إلى المسارعة لتسوية أمورهم القانونية. لكن السؤال الذي يطرح دوماً: هل من حاجة إلى هكذا خطط أمنية «موسمية»، ولماذا الآن بعد رفع الغرامات والرسوم عشرة أضعاف، والأهم من ذلك أنها حصلت بعد إقفال استمر لمدة أكثر من سنة لمصالح تسجيل السيارات والآليات، وفي خضم تخبط إقتصادي وشلل مؤسساتي، وعدم وجود طرقات صالحة للسير، لغياب الصيانة والتأهيل وإنعدام شبكات الإنارة عن كثير من الطرق الرئيسية؟

سقوط في فخّ المخالفات
صحيح أن القوى الأمنية في الخطة المذكورة استطاعت أن تكبح جماح الفوضى، باسطة ًحواجزها على كافة الأراضي اللبنانية، وصولا الى تلك المتاخمة لنيران الحرب، واستطاعت أن ترصد ليس فقط المخالفات المتعلقة بالسلامة المرورية، بل حتى توقيف الكثير من المطلوبين في قضايا وجرائم مختلفة، وضبط ممنوعات (مخدرات – شاحنة أسلحة مهربة وأسلحة فردية غير مرخصة) محاولةً بذلك أن تستعيد هيبة الدولة الغائبة منذ بداية الأزمة (ما قبل 2019)، إلا أن قوى الأمن الداخلي سقطت في فخ المخالفات، وأبرزها وبحسب المتابعين حجز دراجات نارية بشكل اعتباطي في كثير من الأحيان، من دون تمييز بين الشرعية والمسجلة (التي تحمل لوحة) وغير الشرعية، ما أدى إلى سحب دراجات نارية «بالجملة» من دون وجود أصحابها والتأكد من وضعها القانوني. والمخالفة الأبرز التي رصدت هي في تسطير محاضر ضبط لدى حجز الدراجات النارية أو السيارات، وهنا لا بدّ من الإشارة، إلى أنه توجد فئتان من المخالفات يتمّ على أساسها تسطير محاضر ضبط، الأولى هي المخالفات التي تعتبر الأخطر إلى حد ما، ويتم تسطير بموجبها محاضر ضبط (402)، أي محاضر قضائية، وتتم إحالتها إلى القضاء بحيث تدفع والغرامات هناك، ويصدر تبعاً لذلك قرار فك الحجز قضائياً، أما الفئة الثانية فهي المخالفات البسيطة أو محاضر الطابع (محاضر الـ 418)، بحيث يتم إحضار طوابع خاصة بالسير من مراكز البريد إلى مراكز مفارز سير لفك الحجز.
هناك بعض الأخطاء لكن الخطة نتج عنها إنخفاض كبير في نسبة الجرائم، بعد أن كثرت أعمال السطو والنشل

لكن الملاحظ حالياً، بحسب المحامي علي عباس، أن جميع المحاضر حالياً تنظم بإعتبارها كفئة ثانية بمعزل عن نوع المخالفة، وذلك من أن أجل أن تذهب هذه المحاضر مباشرة إلى القوى الأمنية، «والأخطر هو أنه علاوة على تأمين طوابع السير والرسوم المتوجبة على ذلك وإحضارها لدى مفارز السير، فإنه وعلى عينك يا تاجر، يتم دفع على كل فك حجز مبلغ 500 ألف ليرة من دون إصدار أي إيصال بذلك، ومن دون أن يُعرف إلى أين تذهب هذه الأموال، مع العلم أن هذه القصة ليست وليدة اليوم. إذ كانت تحصل في السابق، وكان المواطن يتغاضى عن ذلك لتخليص معاملاته في فك الحجز خوفاً من التسويف من المماطلة». وطالب عباس القضاء اللبناني، وتحديداً النيابة العامة، التحرك سريعاً لوقف هذه المخالفة الفاضحة، ووزارة الداخلية بالتدقيق في الأمر».

هل سيتم الإعلان عن الإيرادات؟
في انتظار بدء الخطة الأمنية القادمة التي يفترض بحسب المعلن أن تستمر عشرة أيام، ويتوقع أن تكون أكثر تنظيماً بحيث سينقسم خلالها ضباط وعناصر مفارز السير على حواجز نهارية، وضباط وعناصر مفارز التحري على حواجز ليلية لتجنب اكتظاظ الحواجز بعدد كبير من العناصر، كما حصل آنفاً، هل سيفي وزير الداخلية بوعوده لجهة تسليم دفاتر السوق، وإعادة تحريك العجلة إلى هذا القطاع لتسيير أمور الناس العالقة، وتلزيم مراكز المعاينة الميكانيكية المتوقفة منذ سنتين، وقبل كل ذلك وبعد إنتهاء المرحلة الأولى من الخطة الأمنية التي حصدت عددا كبيرا من المحاضر للمخالفين، وإستيفاء غرامات ورسوم لتسوية المخالفات، ذهبت لصالح المال العام، فهل سيتم الإعلان عن هذه الإيرادات ومقدارها، وهل ستضخ هذه الأموال من أجل إنعاش وإصلاح وتحريك عجلة دوائر وهيئات السير وكل هو متعلق بالسلامة المرورية، لمكافحة الفوضى العارمة التي تجتاح طرقاتنا وتهدد حياتنا يومياً؟.

مصائب المواطن عند أصحاب المرائب فوائد
رغم وجود الكثير من البلاطات (الآلية المخصصة لنقل المركبات والدرجات) التابعة لقوى الأمن الداخلي، إلا أنه وأثناء الخطة الأمنية الأخيرة، تمت الإستعانة بتلك التابعة للمرائب لدى مصادرة الدراجات والسيارات وحجزها، بذريعة أن بلاطات قوى الأمن الداخلي «مش عم تمشي» وتحتاج إلى تأهيل وتصليح، الأمر الذي كبد المواطن مصاريف إضافية غير متوقعة. مع العلم أن الأموال التي ترصد لتأهيل آليات قوى الأمن الداخلي تذهب بمعظمها لتصليح سيارات الضباط، وما تبقى منها لتأهيل آليات المخافر، ما يدفع قوى الأمن الداخلي للإستغناء عن تصليحها والإستعانة ببلاطات على الأغلب أنها، بحسب المحامي علي عباس، تابعة «لمرآبين ذائعي الصيت في بيروت». ويضيف عباس أن هناك عدداً من «علامات الإستفهام تطرح حول مدى شرعية هذه البلاطات، إن لناحية التسجيل، وإن لناحية حيازة سائقيها على رخص سوق خصوصاً أنهم لا يحملون الجنسية اللبنانية بمعظمهم».

هل سيفي وزير الداخلية بوعوده لجهة إعادة تحريك العجلة إلى هذا القطاع لتسيير أمور الناس العالقة، وتلزيم مراكز المعاينة الميكانيكية؟

ويتم إستيفاء خمسين دولاراً لصالح المرآب عن كل مركبة أو آلية يتم نقلها، ويدفع صاحبها هذا المبلغ لدى تحريرها من الحجز. ويكشف عباس أن المرائب تستتفيد من لجوء قوى الأمن الداخلي لتسطير محاضر الطابع (418) بدلاً من المحاضر القضائية (402)، كون الأخيرة تلزم المرآب لدى صدور قرار فك الحجز، بتسليم الآلية فوراً، بينما لدى تسطير محاضر الفئة الثانية (الطابع)، يتم فك الحجز لدى قوى الأمن الداخلي، ولا تسلم الآلية المحجوزة لصاحبها إلا بعد مرور شهر على فك الحجز، رغم دفع الرسوم والغرامات ، من أجل إنتفاع صاحب المرآب، الذي يستوفي 9 ملايين ليرة لبنانية عن كل شهر حجز لديه، عدا عن الخمسين دولاراً الذي يتقاضاها بدل أجرة النقل (البلاطة)، وبدل حجز عن كل يوم سابق لفك الآلية، وهو ما يشير إلى وجود محاصصة واضحة. كما أن شكاوى المواطنين تزداد يوماً بعد آخر، إثر فقدان الكثير منهم لسياراتهم أو دراجاتهم المحجوزة في المرائب والتي يتم بيعها بطريقة غامضة من دون اللجوء إلى البيع عبر المزادات العلنية.



عقل: امتحانات السوق معطّلة
يقول مؤسس ومدير جمعية اليازا للسلامة المرورية زياد عقل لـ«القوس» إن المطلوب ليس خطة مؤقتة، بل خطة مستدامة ومتواصلة، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بتطبيق قانون السير النموذجي (رقم 243 الصادر بتاريخ 22-10-2012) الذي لم يتمّ تفعيله حتى الآن كما يجب، خصوصاً لجهة عدم إصدار مراسيم تطبيقية تدخل جميع بنوده ومواده حيز التنفيذ.


ويشير عقل الى أن أهم ما اعتبر إنجازاً في هذا القانون بقي حبراً على ورق، إن لجهة إنشاء مجلس وطني للسلامة المرورية برئاسة مجلس الوزراء، ومن أبرز مهامه وضع خطة وطنية للسلامة المرورية والسهر على تطبيقها، والذي بقي مشلولا حتى تاريخه، بحيث لم يعقد أي اجتماع، وإن لجهة إنشاء اللجنة الوطنية للسلامة المرورية التابعة للمجلس وهي برئاسة وزير الداخلية والبلديات ومن أبرز مهامها إجراء دراسات وأبحاث لتطوير السلامة المرورية وتطوير قانون وأنظمة السير، وهذه اللجنة معطّلة حالها كحال المجلس. وهذا يدل، بحسب عقل، على عدم اكتراث الدولة بالسلامة المرورية ووضعها في آخر سلم أولوياتها، وهو ما ينسحب على وزارة الأشغال المعنية بتأهيل الطرقات، وكذلك البلديات واتحادات البلديات. ففي أكثر الأحيان تقف هذه الجهات مكتوفة الأيدي إزاء سلامة المواطن المرورية، متقاعسة عن القيام بدورها، و«الوضع بالإجمال كارثي». فقد سجّل منذ بداية العام، بحسب «اليازا»، سقوط 128 ضحية، نتيجة حوادث السير، ويتجاوز عدد الجرحى الـ 200 شهرياً. ويلفت عقل إلى أنه منذ حوالي سنتين تغيب المعاينة الميكانيكية الإلزامية (رغم من إستمرار توجب دفع الرسوم الميكانيكية، تحت طائلة تسطير محضر مخالفة)،وتراجعت صيانة المواطنين الذاتية للآليات بسبب تراجع القدرة الشرائية، ما يعرض السلامة المروية للخطر. كما أن امتحانات السوق معطلة منذ سنة ونصف سنة في مختلف مراكز هيئة إدارة السير ووالآليات، ما يحرم الكثير من الفئات الشابة من رخص القيادة، و يؤثر تالياً بشكل كبير في حياتهم وفرصهم الاقتصادية والإجتماعية. ويختم بأن ذلك، «لا يعني أن لا يتمتع المواطن بحس المسؤولية والوعي من أجل سلامته وسلامة عائلته والآخرين، وفي المقابل ينبغي على القوى الأمنية أن تطبق قانون السير بشكل دائم، وليس بحسب الظروف».