لم يكن انفجاراً أو حريقاً ولا حتى نزاعاً مسلحاً ذلك الذي أودى بحياة عائلة كاملة من آل الفليطي في بلدة عرسال في البقاع الشمالي مساء السادس عشر من تموز الجاري. قبل كشف ملابسات الحادث وختم التحقيقات، استعجل البعض في تحديد أسباب الحادث، بين حمولة زائدة للشاحنة، وتعطل المكابح، والبنى التحتية المهترئة وغيرها، فيما لم يصدر حتى الساعة اي بيان رسمي يوضح أسباب الحادث. للتحقيق الجنائي الشامل والدقيق أهمية كبيرة في مثل هذه القضايا من أجل بناء مقاضاة فعالة في المحكمة. واجب الخبير الجنائي تفسير الآثار والأدلة الموجودة في مسرح الحادثة وعلى جثامين الضحايا، وجمع العينّات وتحليلها. وللحؤول دون تكرار هذه المأساة، لا بد من اعتماد البروتوكولات والإجراءات العلمية الصحيحة، بغية كشف الأسباب وإعادة تركيب الاحداث التي أدت الى وقوعها، إضافة الى ضرورة تنفيذ خطة شاملة لتحسين السلامة المرورية
لم تتكشف بعد أسباب الحادث المروع الذي وقع في بلدة عرسال في 16 الجاري عندما اجتاحت شاحنة محمّلة بـ40 طنّاً من الحجارة والصخور عدداً من السيارات والمركبات في محلة وادي عطا، ما أودى بحياة ثمانية أشخاص، بينهم سائق الشاحنة، ديب محمد غداده، وسبعة من عائلة واحدة، هم: يوسف الفليطي وزوجته فطوم شحادة وأولادهما الأربعة (محمد، نورا، هدى، بهاء)، وصهرهما شحادة الفليطي.
ورغم فظاعة الحادث، الا انه ليس مفاجئاً، اذ يشهد لبنان ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حوادث السير وضحاياها. وبحسب احصاءات غرفة التحكم المروري، وصل عدد حوادث السير إلى 433 في أشهر أيار وحزيران وتموز، وبلغ عدد القتلى ٧٢، وعدد الجرحى٥٠٥. وتفيد جمعية «يازا» أن عدد ضحايا حوادث السير منذ بداية السنة وصل العدد إلى 170 حتى آخر تموز، وهو رقم مرشح للارتفاع في حال لم تتم معالجة علمية فعالة ودقيقة لأسباب تلك الحوادث. من هنا أهمية الدور الأساسي الذي يلعبه التحقيق الجنائي في حوادث السير بما يساعد المحقق في بناء مكان الحادث وتسلسل الوقائع وفهم ظروفه وأسبابه. ويمكن أن يوفر التفسير الصحيح لأنماط الإصابة معلومات مفيدة لإعادة بناء الحوادث، وأن تكون إصابات الجسد معادلة لشهادة الشاهد الوحيد المحايد على الحادث.
التحقيق الجنائي في حوادث السير موضوع واسع يشمل تقييم كل من الأدلة المادية والإلكترونية. يبدأ التحقيق الفعال بجمع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مثل إفادات الشهود والأطراف المعنية، وتقارير الحادث التي أعدّها ضباط الشرطة، وما إلى ذلك، يليها فحص المركبات المعنية ومكان الحادث. ويعتمد مدى التحقيق على نوع الحادث وتعقيده والأدلة المتاحة.

الحفاظ على الأدلة المادية
يوثّق الخبراء الحالة الدقيقة للمركبة كما تم العثور عليها وقت وقوع الحادث، بحيث يمكن إعادة تسلسل الأحداث بدقة.
غالبًا ما تكون الأضرار التي لحقت بالممتلكات من قبل السيارة هي الأداة الأكثر قيمة في إعادة بناء هذا التسلسل، كما يمكن للخدوش على السيارة وهندسة الضرر نفسه أن تشير غالبًا إلى مصدره وأسبابه المحتملة.
عادة، تلحق بالمركبات التي تصطدم ببعضها بعضاً أضرار متطابقة. و يمكن تحديد سرعات المركبات قبل الاصطدام عن طريق قياس التشوه في كل منها واتباع عملية منهجية، مثل الحسابات باستخدام مبادئ الزخم.

التحليل الفيزيائي للحادث
يؤدي اصطدام المركبات إلى عمليات تبادل للطاقة الحركية والزخم الديناميكي بشكل معقد. يستخدم المحققون هذه الرياضيات المعقدة - غالبًا بمساعدة نمذجة الكمبيوتر - للتوصل إلى سيناريوهات تصادم محتملة من خلال النظر في متغيرات مثل قوة السحب، والزخم الكلي، والكتلة الإجمالية للسيارات المعنية.

حسابات الوقت والمسافة
يستخدم المحققون بيانات الوقت والمسافة لتحديد ما إذا كان السائقون قد استخدموا الفرامل ومتى. يساعد ذلك في تحديد وقت رد فعل السائق وقد يشير إلى القيادة المشتّتة. بمجرد أن يقوم محقق حوادث السيارات بتقييم البيانات، يعمل على إجراء حسابات تتعلق بالسرعة والمسافة ووقت رد الفعل وقوة التصادم. كما يقوم الخبير بالنظر إلى علامات الانزلاق والأضرار التي لحقت بالمركبات. وأحياناً، يمكن أن تكون هذه العوامل حاسمة لتحديد الخطأ.

كسور زجاج
ربما تكون قطع الزجاج أكثر الأدلة المادية فائدة التي يعثر عليها في مسرح الحادث. ويمكن في وقت لاحق مطابقة هذه القطع مع قطع الزجاج المتبقية في المصباح الأمامي أو الزجاج الأمامي لسيارة المشتبه به. هذه مطابقة فيزيائية وتشبه تركيب قطع الأحجية jigsaw puzzle.
التحقيق الجنائي الدقيق يلعب دوراً أساسياً في بناء مكان الحادث وتسلسل الاحداث وفهم ظروف الحادث وأسبابه


الطلاء
لطخات الطلاء مفيدة للغاية كدليل في حالات حوادث السيارات. يميل الاصطدام بين سيارتين أو بين سيارة ومشاة إلى تكسير الطلاء عند نقطة التأثير، ويمكن العثور على رقائق الطلاء في مكان الحادث، أو على السيارة الأخرى، أو على ملابس الضحية.

بقع الدم او اللعاب
قد يكشف فحص السيارة عن بقع تظهر على شكل دم أو لعاب. في بعض الأحيان، عندما يُضرب أحد المارة في صدره، فإن الهواء، الذي يُدفع بعنف من الصدر، يحمل معه بعض اللعاب أو المخاط، تمامًا كما عند السعال. قد يتم كشط بقع الدم أو اللعاب من على سطح السيارة، ويمكن للفحص المعملي أن يبيّن ما إذا كان الدم بشرياً، وإذا كانت هناك عينة كافية، يمكن أن يشير إلى أي من المجموعات الرئيسية من الدم البشري ينتمي هذا الدم.



«يازا» yasa
تأسست جمعية «يازا» عام 1995 وأطلقت حملات وطنية جادة لتوعية الشباب للوقاية من حوادث السير وتوعية المواطنين حول المخاطر الداهمة على الطرقات من خلال مقابلات اعلامية وندوات توعوية ومشاركات في معارض ومهرجانات شبابية في الجامعات والمدارس في كافة المناطق اللبنانية بهدف التثقيف والتأثير، وتعزيز السلامة ورفع مستوى الوعي العام حول الوقاية من الإصابات غير المتعمدة. من بين الخدمات التي توفرها «يازا»:
- مناورات حية للإنقاذ والإسعاف من حوادث السير.
- برامج تدريب شرطة البلدية.
- تعليم مبادئ القيادة السليمة.
- برنامج تحسين القيادة.


علامات الانزلاق skid marks


هناك ثلاثة أنواع مختلفة من علامات الانزلاق: التسارع والفرملة والانعراج. يمكن أن تشير علامات الانزلاق إلى أن الراكب حاول تجنب الاصطدام عن طريق الضغط على الفرامل، كما تساعد في تحديد اتجاه السير ووقت تعشيق المكابح.


89

أرشيف (مروان طحطح)

وفقًا لأحدث بيانات منظمة الصحة العالمية المنشورة في عام 2020، بلغ عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في لبنان 1127 أو 3.28٪ من إجمالي الوفيات، ما يجعل لبنان في المرتبة 89 في العالم من حيث ضحايا حوادث السير.


أحدث تقنيات التحقيق | البيانات الإلكترونية لإعادة بناء الاصطدامات


توفر الوحدات الإلكترونية للمركبة معلومات دقيقة ويمكن تنزيلها وحفظها في خادم آمن. عند الاحتفاظ بالمعلومات القيمة من المركبات، يمكن للخبراء استخدام هذه البيانات للرجوع إليها في المستقبل وضمن تحليل الحوادث.
أصبحت البيانات الإلكترونية ذات قيمة متزايدة للتحقيق في حوادث السيارات لأنها يمكن أن تحمل معلومات مهمة وتحدد سبب الحادث. معظم السيارات المصنعة بعد عام 2012 مجهزة بمسجل بيانات إلكتروني EDR(Event Data Recorder) ، يُطلق عليه أيضًا «الصندوق الأسود».
في الثواني التي تسبق وقوع حادث سيارة، سيسجل EDR العديد من المعلمات parameters حول ما كان يقوم به السائق والمركبة. على سبيل المثال، يمكن تسجيل سرعة السيارة والفرملة وزاوية التوجيه وتخزينها لاسترجاعها في وقت لاحق بواسطة محققي الحوادث.


أخطاء شائعة
في بعض الحالات، قد تخضع المركبة للتنظيف أو التصليح بعد الاصطدام وقبل الفحص. لذلك من المفترض فحص السيارة المشبوهة بطريقة دقيقة بحثًا عن دليل على حدوث تلف أو عملية إصلاح حديثة، إضافة إلى البحث عن عناصر مختلفة للأدلة المادية الأخرى مثل الصواميل التي تم استبدالها مؤخرًا، مسامير التثبيت على لوحات الترخيص، مقابض الأبواب وما إلى ذلك.