«الدائرة الانتخابية هي المحافظة».جاء ذلك تحت قسم بعنوان «المبادئ العامة والإصلاحات» (الفقرة الثانية 4 أ) من وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف). وبالتالي لا شك أن الانتخابات النيابية التي يحضّر لإجرائها في أيار المقبل تتجاوز «الوفاق الوطني» حيث قسّمت الدوائر الانتخابية على أساس يتناسب مع النتائج المتوقعة للحفاظ على النظام الطائفي الزبائني في لبنان.
أما عدم اجراء الانتخابات النيابية او تأجيلها مثلاً، حتى لو كان التأجيل بحجة إصلاح الخلل، فقد يزيد نسبة التوتر الداخلي والتدخل الخارجي ويحدث مزيد من الخراب في ما تبقى من مؤسسات الدولة.
«الزير في البير»، وكل ما يطلق من وعود من بعض المرشحين لا يمكن أن يتحقق في ظل النظام الطائفي الممسك بالدولة والمجتمع وفي ظل الانهيار الاقتصادي المستمرّ. فالخبز والمال والطبابة والتعليم من أبرز أدوات الحملات الانتخابية في ظل الأزمة المعيشية المتفاقمة. ففي ظل الفقر والشحار والعوز الذي ينتشر في لبنان يبدو أن معظم الناخبين سيصوتون لمن يسدد جزءاً من كلفة حاجاتهم الأساسية اليومية، لا لمن يفترض أن يمثّلهم في المجلس التشريعي. وقد يتبين لمن يتابع الحملات الانتخابية أن جزءاً كبيراً من الناخبين والمرشحين لا يعرفون أصلاً الوظيفة الأساسية للنائب. لذا قلما تتناول الحملات الانتخابية مشاريع قوانين أو مراسيم أو نقاشاً بشأن المواقف التي يفترض أن يلتزم بها المرشح بعد وصوله إلى ساحة النجمة.
تحت قبة البرلمان يجتمع كالعادة، مجموعة «زعماء» لا علم لهم بأصول التشريع. وقد لا تكون فرصة مراقبة أدائهم ومحاسبتهم بعدل وإنصاف متاحة خلال الانتخابات إذا لم يكن الناخبون عارفين بدور البرلمان وصلاحياته ووظيفته كسلطة أولى في هرمية نظام الحكم.
يكمن الخلل في برامج التربية الوطنية التي يفترض أن تهيئ المواطنين للقيام بواجباتهم من خلال اختيار من يمثلهم في الدولة. لكن جزءاً كبيراً من المدارس والجامعات أجنبي وطائفي وخاص، بينما يتطلب النظام الديمقراطي السليم قيام مؤسسات تربوية وطنية ومدنية ورسمية. مؤسسات يمكنها، بفضل ذلك، وضع منهج التربية الوطنية الصحيحة الكفيلة بتثقيف الناس ليتمكنوا من المشاركة في انتخابات «بتشيل الزير من البير» فعلاً من خلال التركيز على الوظيفة التشريعية للنائب لا على موقعه وخدماته في النظام الطائفي الزبائني القائم.