«سوف تضطر المحكمة إلى إغلاق أبوابها في الأشهر المقبلة إذا لم تصلها أموال إضافية، تاركةً قضايا مهمة عالقة على حساب المتضررين، ومكافحة الإفلات من العقاب، وسيادة القانون». هذا ما أعلنه رئيس قلم المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دايفد تولبرت، علماً ان هذه المحكمة أنفقت أكثر من 600 مليون دولار منذ انطلاق عملها في آذار 2009 سدد لبنان نصفها. وكان الحكم قد صدر في 18 آب 2020 مشكلاً خيبة أمل لمن أراده حاسماً بشأن ضلوع حزب الله في اغتيال الحريري أو عدمه. ولا شك في أن عدم الحسم وسّع هامش التوظيف السياسي والفئوي وساهم في استمرار الإفلات من العقاب.بعد مرور 17 سنة على هجوم 14 شباط 2005 الذي أدى إلى استشهاد 23 شخص وإصابة المئات وإلى تدمير أملاك عامة وخاصّة، ما زالت الحقيقة مفقودة وما زال المجرمون طلقاء. قضاة غرفة الدرجة الأولى تلاعبوا بموضوع الحزب في نص الحكم من خلال حسمهم عدم وجود دليل على ضلوع أي من قياداته أو أعضائه في جريمة اغتيال رفيق الحريري من جهة، وزعمهم أن ضلوع الحزب في الجريمة نفسها محتمل. علماً أن اختصاص المحكمة القضائي يقتصر على المسؤولية الجنائية الفردية لا الجماعية.
المحكمة أقرّت بأن المتهمين من «داعمي» حزب الله ولم تقدم أي إثبات عن عضوية أي منهم كما أنها لم تقدم أي دليل عن هيكلية الحزب والطبيعة التنظيمية لعلاقة أعضائه بعضهم ببعض.
القضاة حسموا أن المدعي العام الدولي «لم يقدم أي دليل يدل على أن أي عضو في حزب الله أو أي قيادي فيه، وبشكل خاص السيد نصر الله، كان له أي دافع لقتل الحريري» (الصفحة 233 الفقرة 765) لكن نص الحكم أضاف لاحقاً أنه «يُحتمل أن يكون لسوريا ولحزب الله دوافع لتصفية السيد حريري وبعض حلفائه» (الصفحة 240 الفقرة 787). وفي الفقرة نفسها كرر أن «لا دليل على أن حزب الله وجّه أوامر للسيد بدر الدين وللسيد عياش بتأمين الدعم اللوجستي لاغتيال السيد حريري». وقد ورد في نص الحكم في الفقرة 739 (الصفحة 223) «أن المتهمين الأربعة والسيد بدر الدين هم مسلمون شيعة» انتهى نص الفقرة من دون إضافة أي تفسير أو إطار لإيراد ذلك ولشرح علاقته بالجريمة الإرهابية التي وقعت في 14 شباط 2005.
غياب الثقة بالقضاء يفتح المجال واسعاً للأحكام المسبقة ويتيح نسف قرينة البراءة


لم يتوافق اللبنانيون على إنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان خلال السنوات التي تلت وقوع الجريمة. وارتفعت منذ ذلك الحين وتيرة الاتهامات بالتسييس والتلاعب بمسار التحقيق والمحاكمة. ولم تبادر الحكومة بعد مرور 17 عاماً على الجريمة إلى إصلاح القضاء اللبناني لينال الثقة التي يستحقها. ولا شك أن غياب الثقة بالقضاء يفتح المجال واسعاً للأحكام المسبقة ويتيح نسف قرينة البراءة.
واليوم تعترض التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ في 4 آب 2020 عقبات وتحديات كثيرة يمكن أن تندرج جميعها تحت غياب توافق اللبنانيين بشأن الجهة المكلفة بالتحقيق.
إن استمرار الانقسام الحاد بشأن المحقق العدلي قد يكرر الإفلات من العقاب في لبنان ويوسع إطار انتشار الاحكام المسبقة بين الناس. ويصبح لكل مواطن قناعته بمن ارتكب الجريمة وذلك بحسب توجهاته وقناعاته السياسية أو بحسب تأثير الحملات الإعلامية.

للإطلاع على كامل نص الحكم أنقر هنا