قد يكون الوزير جبران باسيل أول من تعاملوا بجدية مع ملف النازحين السوريين، في مجلس الوزراء في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. وهو تعرض لحملة سياسية اتهمته بالعنصرية، معترضة على تحذيره من خطورة تدفق النازحين بالمئات إلى لبنان ومطالبته المستمرة بحصر دخولهم في مناطق محددة وعدم تمكينهم من التوسع على مساحة لبنان.
وزير الخارجية، بات يواجه اليوم ملفات شائكة تولد خلافات مع كل أفرقاء التسوية(هيثم الموسوي)

من هذا المنطلق، يفترض وضع الإطار الصحيح، لأداء باسيل، منسجماً مع نفسه كوزير للخارجية ورئيس للتيار الوطني الحر، وتصرفه مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، وردّ فعل الرئيس سعد الحريري وكوادر تيار المستقبل عليه. فباسيل لا يخرج عن الخط الذي اعتمده في مقاربة هذا الملف، حين كان على خلاف سياسي مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار. وهو مارس منذ اللحظة الأولى لانفجار هذه القضية سياسة واحدة، وإن كانت وتيرتها تخف وتحتد وفقاً لطبيعة المرحلة وضرورات التهدئة مع الحريري وتياره.
يمكن أن يؤخذ على وزير الخارجية تصويبه على وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبو عاصي، في ملف النازحين ومؤتمر بروكسيل، في إطار تصفية الحسابات العونية ــــ القواتية وتحييد الحريري وهو رئيس الحكومة المعني، ويؤخذ عليه أيضاً أنه رفع السقف حالياً إلى هذا الحد، لتحييد النظر عن هفوات فاضحة في مرسوم التجنيس، لكنه سيكون أمام تحد كبير في الاستمرار في الدفع به إلى خواتيمه، لأن هذه القضية يمكن أن تفتح ثغرة كبيرة دولياً ومحلياً. دولياً، حيث يستند الحريري إلى هذه المساحة التي تؤمن له شبكة مصالح واسعة، وتغطية دولية تحمي ظهره ومستقبله السياسي كما حصل في أزمته السعودية، وهو الذي يتعايش مع حزب الله في حكومة واحدة، في ظل احتدام النظرة الأميركية الحالية إلى الحزب. ولا يحتاج قطعاً إلى أزمة مع مجتمع دولي يضعه ويضع حكومته في خانة تصب في مصلحة النظام السوري وخلفه إيران من دون مواربة. أما الثغرة المحلية، فتكمن في أن العراقيل باتت تتوالى أمام تشكيل الحكومة والتنسيق بين الحريري وباسيل ليس في أوجه. علماً أن وزير الخارجية، بات يواجه اليوم ملفات شائكة تولد خلافات مع كل أفرقاء التسوية، التي أصبح شبه وحيد فيها، بعدما غابت شخصية أساسية فيها عن الواجهة، أي مستشار الحريري ومدير مكتبه نادر الحريري.
يتعدى الخلاف بين الحريري وباسيل ملف النازحين السوريين، لأن التسوية الرئاسية والحكومية والاتفاقات على ملفات اقتصادية ونفطية، لم تبدل حرفاً في قناعات الطرفين الإقليمية والمحلية. إذ لا يجمع بينهما أي شيء عملياً، إلا الواقعية السياسية التي حتمت على الحريري تدوير الزوايا في مواضيع حساسة ومربكة. وقد يكون موقفه أول من أمس رداً على ما قاله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تحديداً حول حصة التيار الوطني الحر واحتسابها من حصة حزب الله، بمثابة الدفاع عن التيار، من باب العمل على تطبيع الوضع الداخلي بأقل الأضرار الممكنة. فالحريري مدين بخروجه من أزمته السعودية إلى رئيس الجمهورية وباسيل معاً، وقد اجتاز مطبات كثيرة في التعيينات وفي إدارة حكومته الحالية بأقل قدر من المشكلات معهما، لا بل إنه ذهب بعيداً في مسايرتهما، وتمكنا من التعايش من دون مواجهة مباشرة، إلى حد أنهما تجاوزا قطوع الانتخابات النيابية بكل أضرارها على الطرفين. كذلك نجح باسيل في المرحلة السابقة بعدم التسبب بإحراج الحريري وقطع شوطاً كبيراً هو الآخر في مسايرة أوضاعه الداخلية والخارجية.
للحريري حساباته الداخلية التي يريد من خلالها تعويم وضعه كرئيس للحكومة مطلق الصلاحية


المشكلة هي أن كليهما يحتاج الآخر حالياً، ولا يظهر أن أحداً منهما قادر في هذه المرحلة على التخلي عن شريكه. لكن لكل منهما أجندته الداخلية والخارجية، وقد أعطتهما الانتخابات النيابية نتائج مخيبة تفرض عليهما رفع سقف الخطاب السياسي. لباسيل حساباته التي يريد من خلالها الإمساك بملفات كثيرة مقدماً نفسه رأس حربة في الدفاع عنها، كما حصل في ملف النازحين وتحديد شروط لإعطاء المرأة الجنسية لأولادها، وللحريري حساباته الداخلية التي يريد من خلالها تعويم وضعه كرئيس للحكومة مطلق الصلاحية. لكن المشكلة لا عنوان محلياً لها فقط.
فالتطورات الإقليمية والضغوط الأميركية والسعودية من جهة، والاصطفاف الإيراني - السوري من جهة أخرى، الذي يزداد حدة في هذه المرحلة، سيحتم على كليهما في نهاية المطاف الاصطدام ولو بملفات تبدو في الشكل عامة، ويمكن حلها، كالتعامل مع المفوضية العليا لللاجئين، لكنها تخفي كثيراً من التباينات في النظرة العميقة إلى كل ما يجري حول لبنان، من السعودية إلى إيران وسوريا. والتحدي الذي يواجهه الرجلان في احتمال تطور الوضع الإقليمي وارتداداته والقرارات الدولية في ما خص إيران وحزب الله، فكيف يمكن أن يتعاملا معها، عندما يظهر أن مرحلة التسويات انتهت وبدأ وقت الجد.