تعتقد الغالبية الآن أن الاسم الغربي لنجمة عناق (ميزار Mizar) مأخوذ من اسم نجم صغير يُدعى المئزر يقع قرب نجمة عناق في ذيل بنات نعش الكبرى في شمال السماء: «الاسم التقليدي لنجمة ميزار مشتق من الاسم العربي: المئزز» (ويكيبيديا الإنكليزية). تضيف ويكيبيديا العربية: «المئزر يكتب بالإنكليزية Mizar وهو مشتق من الاسم العربي»... وأن هذا حصل بسبب الاعتقاد الخاطئ للمترجمين الأوروبيين القدماء عن العربية أنّ المئزر هو عناق.
في الأعلى نجمة عناق، وفي الأسفل نجم السها وإلى اليمين النجم الصغير: المئزر

وهذا غير صحيح في رأيي. فالاسم الأقدم لنجمة عناق هو الاسم القديم «ميزور» بتنويعاته المختلفة. أكثر من ذلك، فأنا أعتقد أن الاسم السامي لوادي النيل (مصر) قد اشتق من الاسم ميزار- ميزور. وإذا كان الاسم الغربي لمصر Egypt مشتقاً من «حكفت» اسم العاصمة المصرية في الدولة القديمة ممفيس، الذي هو اختصار لـ «حكفبتاح»، أي بيت بتاح، فإن الاسم السامي لمصر أتى من «ميزور»، أي من نجمة عناق. وقد ذكر الاسم «ميزور، ميسور» في غالب الأحيان مع قرين ذكر هو «صُدُق، أو صودوق». إذ جاء في تاريخ فيلو الجبيلي، الذي هو ترجمة لتاريخ سنخوناثان الفينيقي: «ومن هذين ولد أمونوس وماغوس، اللذان أوجدا القرى والرعي. ومنهما ولد ميسور Misor وصودوق (Richmond, Cory’s Ancient Fragments, London, 1876. Page 9). ميسور هي ميزار. وقد ورد هذان الاسمان أيضاً في نصوص أوغاريت من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وبتوافق مع ما ذكره فيلو. ولدينا أيضاً زوجان بابليان هما ميسارو Mesaru وكيتو Kittu، حيث حلّ كيتو محلّ صودق. أما في العربية فالقرين الذكر لنجمة عناق، هو نجم السها. والسها يدعى الصّيْدَق: «والصَّيْدَقُ، على مثال صَيْرف: النجمُ الصغير اللاصق بالوُسْطَى من بنات نعش الكبرى» (لسان العرب). وعن هذا الصيدق، يقول أمية بن أبي الصلت:
«فيه النجوم تطيع غير مراحة
ما قال صيدقها الأمين الأرشد»
وكل هذا يدفع للاعتقاد بأنّ الاسم التوراتي «ملكي صادق»، الذي يعني: الملك صادق، على علاقة بالصيدق- صودق، وأنه كانت له قرينة أنثى في الأصل، وأن هذه القرينة كانت تدعى «ميسوري» أو «ميزوري». لكن لأنّ الديانة اليهودية ديانة ذكورية في المطلق تقريباً، فقد أبعدت من بيتها كل وجود للأنثى، وأزاحت قرينة ملكي صادق بعيداً في ما يبدو. يؤيد هذا أنّ هناك دلائل على وجود ما لميزار في الإصحاح الرابع لسفر إشعيا: «بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض» (الكتاب المقدس، إشعيا 11:4). وكلمتا «بالعدل» و«بالإنصاف» في الأصل العبري «بصدق» و«بميسار». بذا فهناك احتمال كبير جداً بأن هذه الجملة تعني فعلياً: «بل يحكم بالصيدق وبميسر»، أي يحكم بحكم هذين الإلهين: ميزار والصيدق.
وأخيراً، لا بد من لفت الانتباه إلى ما أخبرنا به أبيفانوس، وهو أنّ المصريين يسمّون شهر تشري باسم ميزوري Mesori: «وهكذا جعلت [الفرق المذكورة] ظهور القمر الجديد بعد رأس السنة، الذي يقع في الخريف، أي بعد شهر تشري، الذي يسمّى أوغست عند الرومان، لكنه يسمّى ميزوري Mesori عند المصريين، وغورفبانوس عند المقدونيين، وأبيليوس عن الإغريق. وهم يبدؤون سنتهم الجديدة في تلك النقطة، ويحتفلون به في أيام عيد الفطير مباشرة» (Epiphanius of Salamis, The Panarion, 2009, page 37-38)
إذن، فشهر تشري التوراتي ذاته يسمّى ميسوري، أو ميزوري، عند المصريين. وهذه واقعة تؤيد بقوة ما قلناه أعلاه. إذ يبدو أن هذا الشهر قد سمّي باسم «ميسوري» عند المصريين انطلاقاً من علاقته بالنجمة عناق- ميزار- ميساري. فهو شهرها الخاص.
بناء على ذلك، تكون نجمة «عناق» العربية هي نجمة «ميزار، ميزور، ميسوري، ميسور، ميسار». ومن اسم هذه النجمة أخذ اسم مصر السامي في ما نعتقد. ونجمة عناق- ميزار موجودة في بنات نعش الكبرى، وبشكل أدق فهي النجمة الوسطى في بنات نعش كما قلنا أعلاه. ويبدو أنها كانت تمثل إيزيس شمال السماء. فللإلهة الأنثى وجودان: وجود شمالي يمثل الخلود، أو الموت الخالد، ووجود جنوبي يمثل التجدد والانبعاث. أما وجودها الجنوبي فهو نجمة «سبدت» المصرية أسفل برج الجوزاء. وسبدت هذه هي نجمة إيزيس، وهي ذاتها نجمة الشعرى اليمانية العربية قرينة سهيل اليماني. وهي تدعى «سيريوس» في الغرب.
أما عناق، أو ميزور فاسمها مأخوذ من العناق، عناق المحبة، لأنها تحتضن الإله الذكر السها- أوزيريس حين يخرج من نعش بنات نعش، لكي تنعشه وتحييه، كما يبدو لي. لذا يسمى السها أيضاً نعيش، أي المنعش.
واسم «عناق» على علاقة بطائر العنقاء الخرافي المخيف. وجذر إخافته يكمن في أنّ نجوم شمال السماء الثانتة هي نجوم ترمز إلى الموت. صحيح أنه موت الخلود، لكنه موت في نهاية الأمر.

* شاعر وباحث فلسطيني (1950 – 2023)