في المعتقدات القديمة، يكرَّس الابن البكر، أي فاتح الرحم، سواء كان بكر إنسان أو بكر حيوانات، لله. وهو يفدى بكبش. جاء في سفر الخروج في التوراة: «لي كل فاتح رحم، وكل ما يولد من مواشيك بكراً من ثور وشاة. وأما بكر الحمار فتفديه بشاة. وإن لم تفده تكسر عنقه. كل بكر من بنيك، تفديه ولا يظهرون أمامي فارغين» (خروج 19:34-20). وفي مكان آخر، يضيف سفر الخروج: «لي كل فاتح رحم من الناس والبهائم، إنه لي» (خروج 13: 2). أما في إنجيل لوقا، فقد ورد عن ميلاد الرب يسوع من العذراء مريم: «كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب» (لو 2: 23).
حمار الوحش يمثل طرازاً من الآلهة القديمة في التوراة وخارجها (كريستيان كرافو ــ «انعكاس حمار وحشي 11»/ 2012)

والسؤال هو: لماذا يكون فاتح الرحم على وجه الخصوص، أي الولد الأول عند الإنسان والحيوان، مكرّساً لله؟ ثم لماذا يجب أن يفدى بكبش؟ وما هو الذنب الذي ارتكبه، أو ما هي الجريمة التي صنعها وتطلبت فداءه؟
وللرد على السؤال الأخير، أقول إنه يبدو بالفعل إنّ الابن البكر (مجرم ما) وأنه لهذا يفدى بحيوان. صحيح أنه يحتفى بقدوم الولد البكر عادة، لكنه مجرم مع ذلك. فما هي جريمته إذن؟
والجواب: جريمته أنه سفك دم أمه. بخروجه من الرحم، يكون قد أسال دم هذه الأم. أي سفك دمها. وسفك الدم هو الجريمة الكبرى. ذلك أن الدم هو الروح، هو النفس: «لأن الدم هو النفس، فلا تأكل النفس مع اللحم» (تثنية 12: 25). بالتالي، فهو كمن قتل نفساً. والقاتل يقتل. ولهذا كان على الولد البكر أن ينجو من القتل من خلال فدائه بحيوان: «كل بكر من بنيك تفديه». الكبش تطهير له من جريمته، جريمة جرح الأم وفتح طريق الدم في رحمها. من أجل هذا، كان يمنع عند بعض الشعوب التزاوج بين أبناء وبنات العشيرة لأن الزواج سفك لدم القريبة، أي دم العذرية. وسفك دم القريبة جريمة. وما زال شعب الأورمو في أثيوبيا يمنع زواج الأقارب حتى الجد السابع. لذا، فعلى من يريد أن يتزوج، أن يأخذ امرأة من قبيلة أخرى ليس له معها جد سابع مشترك. فسفك دم امرأة من قبيلة أخرى ليس جريمة كبرى مثل سفك دم ابنة القبيلة.
وجريمة سفك دم العذرية من خلال الزواج تشبه جريمة سفك دم الأم من خلال الولادة. فالابن الأول بخروجه من الرحم، يسفك دم أمه. وهذه جريمة لا جريمة أعلى منها. لهذا عليه أن يكفّر عن جريمته وأن يفدى بحيوان، ثم أن يكرّس لله. أما من يأتون بعده فلا يعاقبون، فليسوا هم من فتح طريق الدم. فاتح الطريق هو المجرم حتى لو لم يتقصد جريمته.
لي كل فاتح رحم من الناس والبهائم، إنه لي (خروج 13: 2)


لكن لماذا يكرس الولد البكر لله بعد ذلك؟
يكرس لله لأن الحيوان الذي فدي به هو حيوان الله. الثور حيوان الله وتجسيده. والكبش حيوان الله وتجسيده. وإسماعيل فُدي بكبش. كما أنّ إسحق فُدي بكبش. كما أنني أفترض أن عبد الله والد النبي محمد فُدي بكبش. كل الذبحاء يفدون بكبش، أو خروف، أو حيوان آخر كالثور. والكبش من عند الله. فهو حيوانه. لذلك عندما تساءل إسحق: «هوذا الحطب والنار، ولكن أين الخروف للمحرقة؟» ردّ إبراهيم: «الله يرى له الخروف للمحرقة يا بني» (تكوين 22: 7-8). الكبش لله، والخروف لله، وهو من يحضره ليفدي الذبيح. ومن أجل أن يصير الذبيح ملكاً لله، مكرساً له.
لكن لماذا يفدى الابن البكر للحمار مثلما يفدى بكر الإنسان: «أما بكر الحمار فتفديه بشاة»؟ لماذا يوضع في موضع الإنسان؟ فلا يفدى بكر الضأن والماعز والثيران وغير ذلك؟ أما ابن الحمار فيفدى بشاة، كما هو حال الإنسان.
والجواب: يفدى بكر الحمار مثل بكر الإنسان لأنه مثيل للإنسان. إنه إنسان بشكل ما. لذا وصف عيسو ابن يعقوب البكر، أو العيص حسب المصادر العربية، بأنه «فرا-آدم»، أي إنسان- حمار: «وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ» (تكوين: 14:12). أما جملة «إنساناً وحشياً» فهي في الأصل «فرا- آدم»، أي: حمار- إنسان. لكن الجملة تترجم خطأ إلى «إنساناً وحشياً». ولأن الابن البكر للحمار مشابه للإنسان، فإن الطرفين يفديان بالطريقة ذاتها.
والأصل في هذا أن حمار الوحش يمثل طرازاً من الآلهة القديمة في التوراة وخارجها. نعم، الحمار تجسيد لهذا الطراز من الآلهة. وبما أن الإله يتجسد في حمار، فابن هذا الإله يجب أن يكون أيضاً حماراً. لأنه كما يكون الأب يكون الابن. وحين يكرس فاتح الرحم من البشر لهذا النوع من الآلهة، فإنه يكون قد صار حماراً وإنساناً معاً كما هو حال عيسو. لهذا فقد أخبرنا الشهرستاني في «الملل والنحل» أن سقراط قال في ألاغيزه: «إذا أردت أن تكون ملكاً، فكن حمار وحش».
الملك هو حمار الوحش. وهو ملك لأنه يمثّل ملكاً/ إلهاً.
عليه، فالحمار ليس قليل الشأن كما تظنون. إنه كائن مقدس رغم ما يتبدى غير ذلك.

* شاعر وباحث فلسطيني