تبعاً لما توصلت إليه في كتابي «سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية» الذي صدر حديثاً، فقد كانت سنة العصر الحجري القديم الأعلى Paleolithic والعصر الذي يليه Mesolithic مكونة من تسعة أشهر في كل شهر 40.5 يوم، أي مكونة من 364.5 يوم. وكان هذا التقويم ينهض على أساس حركة الماء العذب السفلي للكون. فللماء حركة بيات في الأعماق وحركة نشاط يخرج فيها من الأعماق. أي أنّ حركته تشبه حركة الحية التي تبيت ثم تخرج من بياتها. فترة بيات الماء تتكون من 243 يوماً. أما فترة نشاطه وخروجه من الأعماق، فتتكون من 81 يوماً. أي أن فترة البيات والنشاط الصافية تساوي 324 يوماً. وهناك شهر فترة انتقالية مشتركة بين الفترتين تتكون من 40.5 يوم. وبإضافتها إلى الرقم 324، نحصل على رقم السنة التامة وهو 364.5 يوم. بالتالي، فالكسر كان في صلب تقويم هذين العصرين. فالسنة تنتهي بكسر، والشهر ينتهي بكسر. كما أنّ السنة تقسم إلى ثلاثة فصول في كل منها 121.5 يوم. أي أن الفصول تنتهي بكسر أيضاً. بذا، فقد كان أهل تلك العصور في الواقع «عبدة الكسر»، لا «عبدة الصفر». الكسر جزء مركزي من العالم في عقولهم. من دونه، لم يكن بإمكانهم السيطرة على حركة الكون، وعلى صناعة الوقت فيه. لقد أدركوا العالم عبر نظام توقيت تلعب فيه الكسور دوراً مركزياً.لكن في عصور متأخرة، وفي العصر الحجري الحديث على وجه الخصوص، يبدو أن التركيز كان يجري على الرقم 324 الذي صار الرقم الأكثر قداسة، وربما للخلاص من الكسر. كما أنه حصل تغيير على طريقة الحساب في الروزنامة بناء على ذلك. فبعدما جرى تثبيت السنة القصيرة المكونة من 324 يوماً وصارت هي السنة الأكثر قداسة كما يظهر، جرى تقسيم هذه السنة إلى 12 شهراً، في كل شهر 27 يوماً: 12×27= 324 يوماً.
وقد كشفت لنا حفريات مدافن التلال في القرن التاسع عشر، مدافن دفنت فيها الهياكل العظمية على شكل دائرة. واحدة منها هي «دائرة كيفر» في أوهايو في الولايات المتحدة. وهي دائرة مدهشة وكاشفة في الحقيقة. ولعله يمكن القول إن هذه الدائرة واحدة من أغرب المدافن على وجه الأرض.
يحتوي المدفن المشكل على شكل دائرة على 12 هيكلاً عظمياً، منظمة في دائرة: تسعة منها تتجه رؤوسها نحو مركز الدائرة، وأرجلها نحو الخارج، أما الثلاثة الباقية فتتخذ وضعاً معاكساً. إذ قُطعت الرؤوس، ووُضعت بين الرجلين، بحيث بدا كأنّ الرِجلين يدان ترتفعان إلى نحو السماء والرأس بينهما. لقد حذفت الأيدي، لكنّ الأرجل حلت بشكل ما محلها. وحين قطعت الرؤوس ووضعت بين الرجلين، بدا كما لو أنه لم تقطع، وأنها وضعت بين الذراعين لا بين الرجلين. وهكذا صرنا كما لو أننا مع وضع تتعاكس فيه الجثث الثلاث مع الجثث التسع تعاكساً تاماً. ومن الواضح أن هذا الوضع المتعاكس يريد أن يشير إلى فكرة التعاكس بين الصعود والهبوط.
هذه الدائرة تمثل السنة القصيرة المكونة من 324 يوماً، لكن بعدما أصبحت الأشهر 12 شهراً، وعدد أيام كل شهر 27 يوماً. وقد قسمت هذه السنة كالعادة بين فترة البيات وفترة الانسياب. فترة الانسياب تمثلها الجماجم الثلاث التي تتخذ وضعاً معاكساً: 3×27= 81. أما الجماجم التسع الأخرى، التي تتجه للأسفل، نحو مركز الدائرة، فتمثل فترة البيات، أي تمثل ما تمثله الحيّات المتطويّات في التعويذة: 9×27= 243.


إذاً فوضع التعاكس في الدائرة يشير إلى التعاكس بين الفترتين والفصلين. فصل الانسياب تكون فيه الرؤوس صاعدة للأعلى، وفترة الانسياب تكون هابطة للأسفل، للأعماق.
وهكذا نكون قد قرأنا نصاً مكتوباً بالهياكل العظمية عن الدورة الكونية بوجهيها. لقد كتبوا لنا بالهياكل العظمية، بالجماجم، لكنهم في الأصل كتبوا للآلهة لا لنا. لقد رتبوا هياكلهم العظمية على نمط تنظيم الآلهة للكون. كانوا يكررون فعل الآلهة في مدافنهم، كي يطلبوا منها حماية موتاهم في العالم الآخر، والحفاظ على نظام الكون. هذا إذا لم تكن الهياكل العظمية هياكل بشر جرى التضحية بهم لهذه الآلهة.
لكن لعل الأمر أعمق من ذلك، فالآلهة هي الأرقام ذاتها. الرقم 243، هو رقم البيات، رقم آلهة العالم السفلي. والرقم 81 هو رقم الآلهة التي خرجت من العالم السفلي إلى سطح الأرض، وتحركت تحت نور الشمس والنجوم.

حصان سونغير
ولدينا شاهد على وجود السنة المكونة من 324 يوماً إلى جانب السنة المكونة من 364.5 يوم منذ العصر الحجري القديم الأعلى. أي أن ما عرضته لنا دائرة كيفر تقليد قديم جداً. الشاهد يأتينا من حصان عاجي صغير من روسيا. عثر على هذا الحصان في سونغير Sunghir التي تبعد 200 كلم عن موسكو. وهو يعود إلى فترة تقع بين 28.500 إلى 32 ألف سنة قبل الميلاد. بالتالي، فهو قادم من بدايات العصر الحجري القديم الأعلى، أي عملياً من مرحلة موغلة في القدم من تاريخ البشرية. الحصان محفور على الوجهين ومن نظرة واحدة، يمكن لأي كان التكهن بأن الثقوب في جسد الحصان يمكن أن تكون روزنامة. على الوجه الأول لدينا السنة المكونة من 364.5 يوم. وعلى الوجه الثاني لدينا سنة أقصر مكونة من 324 يوماً.


أما الأرقام على الوجه الأول (الأعلى في الصورة)، فعلى الشكل التالي:
1- صفّان متموجان أفقيان في كل واحد منهما عشرون ثقباً. بالتالي، فهما يعطياننا 40 ثقباً.
2- رجل الحصان على يميننا: 5 ثقوب.
3- رجل الحصان على يسارنا: 4 ثقوب.
بالتالي، فالرِجلان معاً فيهما 9 ثقوب.
4- وهناك ثقب نافذ في أسفل الرجل على يسارنا. وهو الثقب الوحيد النافذ في القطعة. بذا فالمنطقي أن نفترض أنه ثقب تعليق، وأنه خارج من العد.
والحال أن الرقم 40 هو عدد أيام الشهر. لكن الكسر أزيح منه لأنه لم تكن هناك طريقة لكتابته في العصر الحجري القديم الأعلى. كان الكسر مركزياً، لكن لم تكن هناك طريقة لكتابته. أما الثقوب التسعة على الرِجلين، فتمثل أشهر السنة التسعة التي نتحدث عنها. وبضرب الرقمين معاً، نحصل على السنة التامة: 9×40.5= 364.5. بذا، فهذا الوجه يعرض لنا السنة التامة.
أما الأرقام على الوجه الثاني (الأدنى في الصورة) فكالتالي:
1- الصفّان المتموجان في الأعلى يتكونان من 17 و 19 ثقباً، أي من 36 ثقباً.
2- رِجل الحصان على يميننا: 4 ثقوب.
3- رجل على يسارنا: 4 ثقوب.
4- أما ثقب التعليق على الرِجل اليسرى فهو خارج الحساب.
بناء عليه، فلدينا ثمانية ثقوب على الرجلين في هذا الوجه بدل تسعة في الوجه الأول. وهذا ما يشير إلى أننا في هذا الوجه مع السنة القصيرة المكونة من 324 يوماً: 8× 40.5= 324 يوماً، أي بعدما أزيح الشهر المشترك.
أما الرقم 36 في الصفّين في الأعلى، فهو مختصر لهذه السنة بنسبة واحد إلى تسعة أيضاً: 36×9= 324. عليه، فهذا الحصان برهان على أننا مع سنتين، سنة طويلة مكونة من 364.5 يوم، وسنة قصيرة مكونة من 324 يوماً. السنتان موجودتان معاً، وبينهما فارق من شهر واحد، أي من 40.5 يوم.
بناء عليه، فروزنامة سونغير البسيطة جداً تختصر روزنامات العصر الحجري القديم الأعلى بشكل مدهش وواضح. وهي بذلك روزنامة خطيرة الأهمية، لأنها تأتينا من على بعد ما يقرب من 32 ألف سنة ق. ن. وبسبب اختصار أرقامها، فمن الواضح أنها كانت روزنامة رمزية دينية تعلق في أعناق الناس المؤمنين. وهذه الروزنامة هي أم روزنامة «دائرة كيفر». لكن الروزنامة البنت صارت تركز على الرقم 324 وتتجاهل الشهر التاسع المشترك، أي تتجاهل الرقم 364.5.

* شاعر فلسطيني