بعدما اكتشفت الولايات المتحدة تلك المخزونات الهائلة من احتياطات الذهب الأسود في أراضيها وجّهت بوصلتها شطر شرق آسيا والمحيط الهادئ حيث الدول الصناعية والنمور الآسيوية التي تحتاج إلى النفط بشدة، لكن الدب الروسي يبدو أنه لن يتركها تتنعم بخيرات المنطقة فسارع الى صديقة العم سام الحميمة كوريا الجنوبية، علّ خطوته تؤتي ثمارها.
فزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الى كوريا الجنوبية أمس، وهي الدولة العدو التاريخي لحليفة بلاده الشيوعية في شبه الجزيرة الكورية، من شأنها إحياء مبادرة «أوراسيا» التي طرحتها الرئيسة الكورية، بارك كون هيه.
مبادرة تلتقي مع سياسات التعاون في تنفيذ الخطط الروسية لتنمية منطقة شرق سيبيريا، ودعم مشاركة الشركات الكورية الجنوبية في المشروع الثلاثي المشترك بين سيول وموسكو وبيونغ يانغ لإنشاء خط سكك حديدية يربط بين ميناء «راجين» الكوري الشمالي ومدينة «خاسان» الروسية الحدودية، ومشروع تطوير القطب الشمالي، وغيرها من المشروعات المشتركة.
هذه المشاريع التي يبحثها بوتين مع نظيرته الكورية الجنوبية غداة زيارة قام بها ضابط الـ«كي جي بي» السابق لفيتنام، حيث وقّعت شركتا «روسنفت» و«غازبروم» النفطيتان مجموعة اتفاقات تسمح بموجبها «روسنفت» لـ «بتروفيتنام» بالتنقيب عن المحروقات في بحر بيتشورا في منطقة القطب الشمالي قبالة شمال غرب روسيا، وهي فرصة نادرة لشركة أجنبية، اضافة الى قيام روسيا بتزويد فيتنام بغاز البترول المُسال.
لعل الثمن الأكبر الذي سيُدفع لقاء التغلغل الروسي في بحار الشرق الآسيوي هو علاقة موسكو مع بيونغ يانغ، إذ كان أول الغيث أمس تشديد بوتين وبارك على عدم قبولهما باستمرار كوريا الشمالية في تطوير البرامج النووية، وعدم الاعتراف بها كدولة نووية، ودعوتها إلى الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة.
لذلك سيكون مشروع بوتين وبارك بمثابة نسج «طريق حرير حديدية» توحّد شبكتي سكك الحديد الكوريتين وتربطهما بأوروبا عبر خط القطار العابر لسيبيريا.
طرح يلتقي مع فكرة الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي تحدث عن فكرة بناء «حزام طريق الحرير الاقتصادي» أثناء الجولة التي قام في أوائل شهر أيلول الماضي في دول آسيا الوسطى، وقد لقيت هذه الفكرة إجماعاً واسعاً في قمة مجموعة شانغهاي للتعاون التي عُقدت في العاصمة القرغيزية بيشكك. ويستند حزام طريق الحرير الاقتصادي على مفهوم طريق الحرير القديم، ويشكل منطقة التنمية الاقتصادية الجديدة. ويمتد من المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق، وهو جسر يربط بين دائرة اقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ شرقياً ودائرة اقتصادية أوروبية متقدمة غربياً، ليكون «أطول ممر اقتصادي رئيسي ذي إمكانات أكبر في العالم»، حسبما جاء في صحيفة «الشعب» الصينية على موقعها الالكتروني.

ومن الطبيعي أن يلحظ مجال التعاون هذا مبادرة الرئيسة الكورية حول بناء الثقة في شبه الجزيرة الكورية، والتعاون السلمي في شمال شرق آسيا، إذ إن المشاريع المطروحة تتطلب استقراراً أمنياً وتفاهماً سياسياً لا يمكن من دونهما في الظروف الحالية الاستمرار فيها.
لذلك أبدى بوتين دعمه مساعي سيول لبناء الثقة في شبه الجزيرة الكورية وترسيخ السلام في شمال شرق آسيا. ووقّع الجانبان 15 مذكرة تفاهم، من بينها مذكرة لإعفاء مواطني البلدين من تأشيرة الدخول في الزيارات التي تمتد ستين يوماً، ومذكرة لتأسيس المعهد الثقافي بين البلدين، ومذكرة لتعزيز التعاون في مجال صناعة سفن نقل الغاز الطبيعي.
وبدا بوتين كأنه يحاول منافسة نفوذ واشنطن في عقر دار حليفتها التاريخية، وفي مجالها الحيوي في شرق آسيا والمحيط الهادئ، حين قال أمام أول اجتماع رسمي يحضره في سيول «حوار الأعمال الكوري الروسي السادس» إن «أحجام التبادل التجاري لكوريا الجنوبية مع روسيا أقل منها مع الولايات المتحدة واليابان والصين. صحيح أن التبادل التجاري مع الولايات المتحدة واليابان والصين كبير، ومع ذلك أنا على ثقة أن بإمكاننا مضاعفة أحجام التجارة البينية. يمكننا التعاون في عدة مجالات».
بوتين، الذي وصل إلى سيول أمس برفقة عدد من الوزراء والمسؤولين، يدرك أن مشروعه يواجه عقبات سياسية ضخمة نظراً الى علاقات العداء بين الكوريتين. لكنه تحدث عن مكاسب اقتصادية كبيرة هي أهم بكثير من حالة الصدام التي تعيشها شبه الجزيرة منذ عام 1950.
لهذا كان تركيزه على ضرورة «حل المشاكل السياسية في وقت مبكر، نظراً الى أن كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وروسيا ستحصد مكاسب اقتصادية كبرى عند انتهاء» المشروع.