اختراع جديد يولّد الطاقة من النفايات الصلبة ويصلح لإنارة لبناننيويورك ــ نزار عبود
تستعد الولايات المتحدة لحلّ ثوري لمشكلة توليد الكهرباء لا يعتمد على النفط أو اليورانيوم، ومن شأنه أن يلغي الحاجة إلى شبكة تزويد الطاقة التقليدية من أساسها. الاختراع يستغل وجود جبال النفايات الصلبة لإنتاج كهرباء نظيفة ملائمة للبيئة أو من الطاقة الشمسية، وكان معدّاً في الأساس لإنتاج الأوكسيجين على سطح المريخ في حال بدء استيطانه. تختلف مولدات «بلوم» (BLOOM GENERATORS)، التي عرضت للمرة الأولى في برنامج «60 دقيقة» التلفزيوني الشهير على شاشة شبكة «سي بي إس» تماماً عن أي مولدات معروفة وتخلو من أي محركات ومراوح. إنّها مصنوعة من شرائح سيراميك وضعت داخل علب مكعبة صغيرة لا يزيد حجمها على 10 سنتيمترات لكلّ ضلع. وتكفي هذه المولدات لتلبية احتياجات منزل أوروبي من الطاقة النقيّة، التي لا تسبب أي تلوث للمناخ. الاختراع ليس من أحلام علماء يشطحون في خيالاتهم. إنّه حقيقة واقعة جعلت عدداً كبيراً من الشركات تستخدمه فعلياً في الولايات المتحدة. وربما تتحول الصناعة إلى ثورة كبرى في مجال إنتاج الطاقة خلال زمن قصير لا يتجاوز العقد الواحد وتصلح للدول الفقيرة كهربائياً مثل لبنان.
عملاق البحث العالمي «غوغل» على سبيل المثال بدأ منذ 18 شهراً بتشغيل مخازن الذاكرة في أجهزة الكمبيوتر الخاصة به التي تعتمد عليها، مستخدمة مولّدات بلوم». كما أنّ شركات كبرى مثل «فيديرال إكسبرس» (شركة شحن وبريد سريع) و«وال مارت» (أهم سلسلة متاجر تبيع بالتجزئة في أميركا) و«إي باي» (عملاق البيع الإلكتروني عبر المزادات) انضمت إلى مجموعة من عشرين شركة من زبائن المولدات السحرية.
انطلقت الحكاية قبل عشرة أعوام من برنامج تابع لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، كان معدّاً في الأساس لإنتاج الأوكسيجين على كوكب المريخ عند إنشاء محطة فضائية عليه. لكنّ الوكالة تخلت عن المشروع في وقت لاحق لأسباب عديدة. غير أنّ العالم الهندي ك. آر. سريدهار، مؤسس شركة «بلوم إينرجي»، رأى إمكان الاستفادة من الاختراع على نحو معكوس. فبدلاً من إنتاج الأوكسيجين لكوكب المريخ، يضخّ الأوكسيجين من الجهة الأخرى لتوليد الكهرباء. فصنع المولد الصغير من شرائح سيراميك أنتجت من رمال ناعمة موجودة على معظم شواطئ العالم. طلي الشرائح بحبر سري أخضر اللون من جهة، وآخر أسود اللون من جهة أخرى. ووضع بينها عوازل داخل الخلية مصنوعة من سبيكة من معادن رخيصة كبديل من معدن البلاتين الباهظ التكلفة. الشرائح مصفوفة بعضها فوق بعض داخل العلبة المكعبة، ولها فتحتان: واحدة تستقبل الأوكسيجين والأخرى تستقبل أي نوع من أنواع الوقود النظيف (غاز طبيعي، أو عضوي من مكب نفايات، أو حتى من خلية طاقة شمسية) من جهة ثانية. يحدث التفاعل الكيميائي داخل الخلية فتخرج منها طاقة كهربائية نظيفة وثابتة لا تحتاج حتى إلى أسلاك لنقل التيار منها، لأنّ الكهرباء تنتقل بالهواء إلى جهة الاستخدام عبر أجهزة بث حديثة. وهذا في حدّ ذاته يلغي الحاجة إلى مد شبكات النقل العام وخطوط التوتر العالي وصيانتها ويجعل المولدات صالحة لدول العالم الثالث خصوصاً، أي تلك الدول التي تعاني في الأساس من أزمات طاقة مزمنة وتآكل شبكاتها العامة. وفي هذه التكنولوجيا تكفي كلّ شريحة من شرائح السيراميك الملون لإضاءة غرفة على نحو دائم.
أما في المشاريع الكبرى، فتوضع مجموعات من العلب المكعبة بعضها فوق بعض بحيث تكفي 64 منها لتأمين طاقة كافية لتشغيل محل تجاري كبير. هذه العلب يمكن وضعها داخل صندوق لا يتعدى حجمه حجم ثلاجة المطبخ. بعدما تخلت ناسا عن المشروع، لم يجد العالم سريدهار صعوبة في جمع 400 مليون دولار من مستثمرين للبدء بتصنيع اختراعه. العالم الهندي اجتمع مع جان دور، أحد أساطين تمويل تنفيذ المشاريع العلمية الجديدة في وادي السيليكون في كاليفورنيا في عام 2001 لهذه الغاية. ودور هو المدير في شركة «كلاينر بيركينز» التي غيّرت الكثير من مظاهر الحياة في عالمنا المعاصر. وهو الذي رتّب التمويل لانطلاق شركات ضخمة مثل «نت سكيب» و«أمازون» و«غوغل».
وكان جان دور قد بدأ تمويل غوغل باستثمار أولي لم يتعدّ 25 مليون دولار. لكن سريدهار حصل على تمويل أولي بقيمة 100 مليون دولار، أي أربعة أضعاف استثمار غوغل. مبلغ ضخم بالنسبة إلى أي مشروع غير مجرّب، معرض للفشل أو قد يكتب له النجاح. لكنّ المشروع يسير بخطى ثابتة مع توقعات بأن يكون متاحاً للمنازل خلال فترة قريبة. وهنا يطرح السؤال الأهم عن التكلفة والجدوى المادية من مولدات «بلوم».
في الوقت الحالي، تدفع الشركات ما بين 700 ألف و800 ألف دولار ثمناً لتركيب كلّ صندوق مولدات من هذا النوع. مولدات تكفي لتغطية 15 في المئة من احتياجات شركة «إي باي» الإجمالية في الوقت الراهن. لكنّها تحقق وفراً في فاتورتها الكهربائية بلغ 100 ألف دولار منذ تركيب 5 صناديق قبل 9 أشهر.
في الوقت الحالي تتنج شركة «بلوم» صندوقاً واحداً في اليوم. لكنّها تتوقع أن تنخفض تكلفة الصندوق الواحد في الأعوام المقبلة (من خمسة إلى عشرة أعوام) من 700 ألف دولار إلى نحو ثلاثة آلاف دولار بحيث يصبح مغرياً لأصحاب المنازل والأشخاص العاديين لاستخدامه والاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية.
ويشكك البعض بنجاح وحدات «بلوم» كبديل بيئي من الطرق الأخرى لإنتاج الكهرباء لأنّها تصدّر كمية من ثاني أوكسيد الكربون تساوي نصف ما تصدره كمية الكهرباء نفسها إذا اعتمدت على مصنع تقليدي. ويرجح بعض البيئيين أن لا تستطيع مولدات «بلوم» هز عرش الطاقة الشمسية والهوائية الأفضل للبيئة.


منافسة شرسة

بدأت شركة «باناسونيك» بيع وحدات كهربائية للمنازل منذ العام الماضي في اليابان وكاليفورنيا. وتنتج كل وحدة كيلوواط واحداً من الكهرباء، ويصل سعرها إلى ثلاثين ألف دولار في اليابان وخمسة عشر ألفاً في كاليفورنيا، لكنّها لا تكفي لتشغيل بيت كامل، وتعتمد على الوقود. في المقابل، تبيع شركة «كلير إيدج باور» وحدات تعتمد على الوقود أيضاً تنتج 5 كيلوواط مقابل 56000 دولار. وتخطط شركة «سيريز باور» الإنكليزية لطرح وحدات تعتمد على المازوت العام المقبل في الأسواق. وإذا نجحت «بلوم» في مسعاها لخفض سعرها إلى ثلاثة آلاف دولار فستطيح المنافسة لأنّ وحدات «باناسونيك» و«كلير إيدج باور» تنتج حرارة وكهرباء مناصفة وتكلف أكثر من السعر الذي تهدف إليه «بلوم».
ويقول ك. آر. سريدهار مؤسس «بلوم إينرجي» إنّه بعد عشر سنوات سيصبح سعر الكيلوواط في الساعة لا يتخطى عشرة سنتات أميركية إذا حسبت تكاليف الصيانة باستخدام مولداته.