غزة | تثير مشاهد عشرات الشاحنات التي بدأت تتدفق إلى مناطق شمال وادي غزة، عبر معبر بيت حانون/ إيرز الذي سمح جيش الاحتلال بعودته إلى العمل، لأول مرة منذ السابع من أكتوبر، مشاعر متناقضة، إذ إن كيس الطحين الأبيض، الذي قضى في سبيل الحصول عليه من منفذَي النابلسي والكويت، المئات من الشبان، وفاق سعره الألف دولار أميركي في ذروة الحصار المضروب على شمال القطاع، لم يعُد يتجاوز سعره، لوفرة ما هو معروض في الشوارع، العشرة دولارات، للكيس زنة الـ25 كيلو.وتزامن سماح العدو، لأول مرة منذ نهاية المجاعة قبل شهر من الآن، بإدخال العشرات من الشاحنات، مع الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أول من أمس، لمعبر بيت حانون للإشراف على تدفق المساعدات بنفسه. وأحصت «الأخبار» دخول قرابة 32 شاحنة كبيرة إلى مخيم جباليا في محافظة شمال غزة، تحتوي على كميات كبيرة من الطحين والمعلبات والبقوليات. وهذه الكمية الكبيرة بدأت اللجان المحلية بتوزيعها، في الدورة الأولى، على العائلات التي يزيد عدد أفرادها على الثمانية أفراد، علماً أن كل عائلة حصلت على كيس طحين وطرد معلبات، على أن يتم في الأيام المقبلة، وفق ما أفاد به مصدر مطّلع «الأخبار»، «توزيع كمية مناسبة على العائلات التي يقل عدد أنفارها عن الثمانية». وفيما يقدّر المصدر، في محصّلة الأمر، أن الكمية التي وصلت غير مسبوقة، يبدو أن كل العائلات في محافظة الشمال، سيصلها نصيب مناسب من تلك المساعدات.
ورغم ما أثاره دخول تلك الكمية من المساعدات من حالة ارتياح، فإن التجارب السابقة مع جيش العدو في خلال هذه الحرب، لا تزال تثير إحساساً خفياً بالريبة، إذ يخشى الأهالي من أن يكون هذا التدفق مبرراً لعمل عسكري مرتقب يستهدف مدينة رفح ومناطق وسط قطاع غزة. ويقول أبو محمود حجازي، وهو نازح في واحد من مراكز الإيواء في شمال القطاع: «أصبحنا نخشى من البهجة. نخاف شعور الفرح الآني»، لافتاً إلى أنه «في الفترة التي سبقت عملية حصار مستشفى الشفاء التي ارتكب العدو فيها مجازر كبيرة، سمح الاحتلال بشكل مفاجئ عبر الأمم المتحدة بدخول كميات من المساعدات والوقود إلى المستشفيات، وبعدها ارتكب العشرات من الجرائم»، مضيفاً: «لا ندري ماذا يخبّئ لنا العدو بعد هذه الانفراجة».
من وجهة نظر سياسية، فإن إدخال تلك الكميات الكبيرة من المساعدات، مرتبط بالدرجة الأولى بجولة وزير الخارجية الأميركي، وبصورة الولايات المتحدة المشوّهة في هذه الحرب. ويقول الباحث السياسي، محمد عاشور، في هذا الإطار، إن «الإدارة الأميركية تعيش حالة من الضغط الداخلي، بسبب الحركة الاحتجاجية في الجامعات. لذا، يحاول بلينكن استثمار زيارته في إظهار أي دور إنساني لإدارة بايدن في حرب القطاع». ويضيف: «وفي السياق نفسه، يمكن أن نفهم ما نُشر عن إمكانية سماح الإدارة الأميركية للاجئين من القطاع بالحصول على حق اللجوء بسبب الحرب».
أما من الناحية الميدانية، فثمّة خشية من أن تكون خطوة إدخال المساعدات مرتبطة بإجراء ميداني قد تشهده مدينة رفح. ويقول مصدر مقرّب من المقاومة، في حديثه إلى «الأخبار»، إنه «برغم تقدم المسار التفاوضي، لا ضمانات حقيقية بشأن سلوك الاحتلال»، مشيراً إلى «إمكانية تعمّد الأخير وضع عراقيل جديدة في طريق التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، وربما تكون إعادة النازحين إلى شمال القطاع، الخيار الأسرع لتفريغ مدينة رفح من أكثر من مليون نازح فيها».