كما في العمل على تحديد طبيعة الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري، كذلك في رحلة البحث عن مسار الشاحنة التي يعتقد أنها استخدمت للتفجير، كان التحقيق اللبناني هو الأساس، ولم تقم لجنة التحقيق الدولية بأكثر من استثمار المعطيات اللبنانية، مع ادّعاء التوصل إليها أحياناً بعد إخفائها مدة طويلة
حسن عليق
يوم 14 شباط 2005، بدأت القوى الأمنية اللبنانية القائمة بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري تعثر على قطع عائدة لشاحنة ميتسوبيشي. سريعاً، بدأ المحققون يستنتجون أن هذه الشاحنة كانت مفخّخة، وقادها انتحاري فجّر نفسه بموكب الحريري. لكن الذين توصلوا إلى هذا الاستنتاج حوربوا،

واتهموا بتضليل التحقيق، رغم كل الأدلة التي تدعم استنتاجاتهم. في مرحلة لاحقة، عادت لجنة التحقيق الدولية لتتبنّى هذه النظرية، مهملة العمل على معرفة كيفية دخول الشاحنة لبنان. مجدداً، أحدثت السلطات اللبنانية خرقاً في جدار التحقيق. لكن لجنة التحقيق الدولية أخفت المعلومات التي توصلت إليها السلطات اللبنانية، رغم أن هذه المعطيات تثبت كذب بعض الشهود الذين أدلوا بإفادات استخدمت لتبرير توقيف الضباط اللبنانيين الأربعة وتوجيه الاتهام السياسي إلى سوريا.

كيف بدأ التحقيق بمسار الميتسوبيشي؟

عقب الجريمة، أجرى خبراء المتفجرات وقسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية مسحاً لمسرح الجريمة. داخل الحفرة التي خلفها الانفجار، عثروا على أربع قطع ميكانيكية مهشمة. أما في محيط الانفجار، فعثروا على 20 قطعة إضافية، بينها ما يحمل شعار شركة ميتسوبيشي. عُرِضت القطع الأولى على ميكانيكيين، فرجّحوا أن تكون عائدة إلى حافلة أو شاحنة من طراز ميتسوبيشي. اتصلت الشرطة القضائية، رسمياً، بوكيل ميتسوبيشي في لبنان، (شركة ديمتري ميشال عيد)، فرجّح الوكيل أن تكون القطع عائدة إلى حافلة ميتسوبيشي روزا. إلا أن أحد الميكانيكيين أصرّ على أن هذه القطع تعود إلى شاحنة لا إلى حافلة.
وجود القطع المنغرزة داخل الحفرة، على عمق 30 سنتيمتراً في التراب، جعل المحققين يعتقدون أن المواد المتفجرة، التي كان بينها قذائف هاون من عيار 120 ملم، كانت محمّلة فوق شاحنة. وأن عصف الانفجار هو ما دفع هذه القطع من الأعلى إلى الأسفل، إذ إن وجود المتفجرات تحت الأرض سيجعل من شبه المستحيل أن تنغرز القطع الميكانيكية عميقاً في التراب بعد تهشيمها. ترجيح وجود سيارة مفخخة عززه شكل الحفرة، وتأثيرات عصف الانفجار على المباني والسيارات المحيطة بموقع الانفجار.
أعلنت اللجنة في أيلول 2006 إنجاز مقارنات كانت السلطات اللبنانية قد أنجزتها في آذار 2005
لاحقاً، بعد وصول لجنة تقصّي الحقائق، طلب رئيس قسم المباحث العلمية العميد هشام الأعور من رئيسها الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد أن يشارك خبراء من اللجنة في عملية البحث عن قطع السيارة في قعر البحر. وبحضور المحققين الدوليين، عثر غطاسون من الدفاع المدني بإشراف الشرطة القضائية على ثماني قطع ميكانيكية، قبالة منطقة الانفجار. والتقط الغطاسون صوراً للقطع (موجودة على الموقع الإلكتروني لـ«الأخبار») قبل رفعها من المكان. وبعد انتشالها، أعطيت كل واحدة منها رقماً خاصاً بالأدلة، قبل أن يعرضها محققون من مكتب المتفجرات، مع ثلاث قطع عثر عليها في مسرح الجريمة، على المهندس جوزف حداد، مسؤول فرع الصيانة في كاراج مؤسسة ديمتري ميشال عيد، الوكيل الحصري لسيارات ميتسوبيشي اليابانية في لبنان. وقد نظم حداد تقريراً يوم 17/3/2005، أكد فيه أن «جميع هذه القطع والأجزاء الميكانيكية التي دونتها وسميتها أنا شخصياً أؤكد أنها عائدة إلى بيك أب من نوع ميتسوبيشي، طراز كانتر، ديركسيون يمين، (يعمل على) المازوت». في فرع المعلومات الذي كان يرأسه العقيد فؤاد عثمان، كان ثمة مسار تحقيق آخر يتعلق بشاحنة الميتسوبيشي، منذ أن عثر على قطع السيارات العائدة لمركبة من هذا النوع. بدأ ضابط برتبة نقيب وأحد الرتباء بتحليل شريط الفيديو الذي التقطته كاميرا مصرف HSBC المقابل لمكان الانفجار، والذي يظهر تحركات السيارات على جزء من الطريق المؤدي إلى مركز الانفجار، يقدر طوله بنحو 60 متراً. ويبعد مركز الانفجار عن حدود الكاميرا نحو 50 متراً.
كان التركيز في المرحلة الأولى على الساعتين السابقتين لوقوع الجريمة (الساعة 12:56:26، بحسب توقيت نظام كاميرات المصرف). حُدِّدت شاحنة من نوع ميتسوبيشي، توقفت قرب فندق سان جورج عند الساعة 11:37:04، وبقيت في المكان حتى الساعة 12:34:28. حاوية الشاحنة قصيرة، وحمولتها مغطاة بشادر رمادي اللون. وبالقرب منها، حصلت تحركات مريبة، لناحية نزول سائقها منها وتوقف سيارات بقربها واقتراب أشخاص منها قبل مغادرتها.
استمر الضابط والرتيب بمراقبة الشريط، فتبين لهما مرور شاحنة ميتسوبيشي، شبيهة بالسابقة، لكن حاويتها أطول، وحمولتها مغطاة أيضاً بشادر رمادي. كانت الشاحنة تسير ببطء شديد، ودخلت منطقة تغطية الكاميرا عند الساعة 12:54:07. وقد استغرق مرور الشاحنة على الطريق التي تغطيها الكاميرا نحو 33 ثانية، بينما معدل مرور المركبات الصغيرة والمتوسطة (سيارات وشاحنات صغيرة) على المسافة ذاتها لا يتجاوز أربع ثوانٍ. وقد مرت شاحنة كبيرة محملة أطناناً من الحديد (بقيت أسابيع طويلة متوقفة في عين المريسة بعد وقوع الجريمة)، فلم يستغرق مرورها أكثر من خمس ثوانٍ. ورجح القائم بالتحقيق أن تكون الشاحنة قد انتظرت أمام فندق السان جورج نحو 40 ثانية، قبل أن يصل موكب الحريري.
نتيجة لما تقدم، وضعت شاحنتا الميتسوبيشي في دائرة الشبهة. ودقق المحققون في إمكان أن تكون إحدى الشاحنتين قد استخدمت للتفجير، وأن الثانية أبقيت كاحتياط في مكان آخر كان يتوقع مرور موكب الحريري منه. وعند التحقيق في مسألة الشاحنة الأولى (القصيرة)، تبين أنها كانت محملة مواد نُقلت إلى مسبح سان جورج، وأن هذه المواد لا تثير أي شبهة، وليس لها صلة بالتفجير، وأقفل التحقيق بها عند هذا الحد. أما الشاحنة الثانية، فبقيت في دائرة الشبهة، قبل أن يصبح من شبه المؤكد لدى المحققين أنها هي التي كانت تحمل المتفجرات.
في الخلاصة، كان المحققون اللبنانيون قد تمكنوا من جمع قطع ميكانيكية تعود إلى شاحنة ميتسوبيشي، مقودها على اليمين. وتقاطعت هذه المعطيات مع صور كاميرا المراقبة في المصرف. لكن هذه النتيجة كانت بحاجة إلى معطيات إضافية لتأكيدها، وخاصة أن هذه الخلاصات ووجهت بمقاومة عنيفة من قوى 14 آذار، التي كانت ترفض فكرة وجود انتحاري قاد سيارة مفخخة لتفجير نفسه بموكب الحريري، لأن هذه النظرية تضعف إمكان اتهام النظام السوري بقتل الحريري. وقد اتُّهم القائلون بهذ النظرية (السيارة المفخخة والانتحاري)، بمحاولة تضليل التحقيق.
أهملت البيانات الجمركية التي كشفت مسار شاحنة الميتسوبيشي لأكثر من عام
إلا أن هذه الاتهامات لم تثن هؤلاء المحققين عن متابعة عملهم في هذه القضية. ويومَي 24 و25 شباط 2005، طلب فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من مديرية الجمارك تزويده سجلات شاحنات الميتسوبيشي التي كانت قد أدخلت إلى لبنان في السنوات السابقة لتنفيذ الجريمة، إضافة إلى طلب سجلات هيئة إدارة السير، فضلاً عن طلب معلومات عن السيارات التي باعها وكيل ميتسوبيشي في لبنان. أضف إلى ذلك، أن رجال الأمن اللبناني كانوا قد تمكّنوا من تحديد أرقام تسلسلية عائدة إلى قطع هذه السيارة، تمهيداً لإرسالها إلى الشركة المصنعة في اليابان، لمعرفة أصل الشاحنة.
وُضِع التحقيق اللبناني جانباً. وبعد تسليم شريط الميتسوبيشي إلى لجنة تقصي الحقائق، تمكنت إحدى المحطات الفضائية من الحصول عليه وعرضه، قبل أن تنشر اللجنة الخلاصات التي توصل إليها التحقيق اللبناني. وبناءً على ذلك، بدأ الشهود الزور ينسجون روايات عن مشاهدة الشاحنة داخل الأراضي السورية، وعن كيفية إدخالها من سوريا إلى لبنان.
كل ما أنجزته لجنة التحقيق الدولية لاحقاً هو إرسال البيانات التي جُمعت عن قطع الشاحنة إلى اليابان، فأبلغتها السلطات اليابانية بأن الشاحنة مسروقة في كاناغاوا اليابانية في تشرين الأول 2004.
أمام هذه المعطيات، بدأ التحقيق يجري بـ«المقلوب». «فبدلاً من البحث انطلاقاً من مسرح الجريمة، ركزت لجنة التحقيق الدولية على بدء العمل من اليابان»، يقول مسؤول أمني حالي، قريب من قوى 14 آذار، إذ ساد اقتناع لدى المحققين الدوليين بأن السيارة سرقت من اليابان، وأدخلت إلى لبنان بطريقة غير شرعية. وبناءً على هذا الاقتناع، أهمل المحققون الدوليون التدقيق في السجلات الرسمية اللبنانية، مفسحين في المجال أمام الاتهام السياسي، وخاصة أن الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية، الألماني ديتليف ميليس، نشر في تقريره الأول (20 تشرين الأول 2005) إفادة شاهد يقول إن الشاحنة نقلت من سوريا إلى لبنان عبر الخط العسكري يوم 21 كانون الثاني 2005، وإن ضابطاً سورياً كان يقودها.
وعند هذه النقطة بالتحديد، عاد التحقيق اللبناني ليقوم بدور حاسم. ففيما كانت وسائل الإعلام اللبنانية تعلن، في بداية نيسان 2006، أن رئيس لجنة التحقيق الدولية، سيرج براميرتس زار العاصمة اليابانية، محاولاً الحصول على مساعدة من السلطات اليابانية بشأن البحث عن السيارة، بدأ ضابط برتبة ملازم أول في فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي البحث في سجلات الجمارك اللبنانية، التي كان الرئيس الأسبق لفرع المعلومات، العقيد فؤاد عثمان، قد طلب الحصول عليها يوم 24/2/2005 (بموجب كتاب يحمل الرقم 402/205 ش2). سريعاً، عثر المحقق اللبناني على سجلات الشاحنة. وفوجئ الضابط الذي اكتشف أن الشاحنة أدخلت إلى لبنان بطريقة شرعية، ومن خلال معبر رسمي في الشمال، في الشهر الأخير من عام 2004.
توصل فرع المعلومات إلى تحديد مسار الميتسوبيشي في نيسان 2006 ولم تعلنه لجنة التحقيق قبل أيلول 2007
وبناءً على إشارة المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، فتح الضابط محضراً للتحقيق في الأمر. فقد تبيّن له أن السيارة مشحونة باسم اثنين من تجار السيارات في الشمال، وأنها دخلت إلى لبنان، لتستقر في معرض للسيارات في منطقة البداوي، شمالي طرابلس. خضع أصحاب المعرض والعاملون فيه للتحقيق. وتوصل المحققون إلى تحديد هوية السائق اللبناني الذي قاد قاطرةً كانت تحمل أكثر من شاحنة صغيرة (بينها الشاحنة المشتبه فيها)، ونقلها من الإمارات العربية المتحدة إلى لبنان.
حُدّد المسار. السيارة انتقلت من اليابان إلى الإمارات العربية المتحدة. ومن معرض يملكه شخص باكستاني، يدعى عبد الرحمن ك، شُحِنَت براً إلى لبنان عبر السعودية والأردن وسوريا. وهي لم تتوقف في أي من هذه الدول، باستثناء أن أحد إطارات القاطرة التي كانت تنقلها ثُقِب داخل الأراضي السورية، فتوقف السائق لإصلاحه لا أكثر.
أما نقلها من اليابان إلى الإمارات، فتقوم به عصابات عالمية لسرقة السيارات، تتولى تزوير بيانات السيارات المسروقة وبيعها في الإمارات.
وفي لبنان، ذكر أصحاب المعرض في محضر التحقيق معهم لدى فرع المعلومات أن السيارة بيعت في الفترة الفاصلة بين 17 كانون الثاني 2005 و26 كانون الثاني 2005 (كان الشاهد الذي ذكره ميليس في تقريره قد ادّعى أن الشاحنة عبرت منطقة المصنع يوم 21 كانون الثاني 2005)، وأن من اشتراها دفع ثمنها نقداً (نحو 12 ألف دولار أميركي)، وأنه أظهر وثائق ثبوتية باسم خالد المصري، وأن أصحاب السيارة وقّعوا له على صك بيع من دون المثول أمام الكاتب العدل. وكل ما كان يذكره أصحاب المعرض عن المشتري، بعد مضي أكثر من عام وثلاثة أشهر على حصول عملية البيع، هو أنه قصير القامة وممتلئ البنية، وأنه كان برفقة رجل آخر. ومما تذكّروه أيضاً أنه قاد الشاحنة من دون لوحات، متجهاً نحو طرابلس، بعدما أعطاهم رقم هاتفه الذي تبين لاحقاً أنه لم يكن صحيحاً، إذ إنه عائد إلى شخص لا صلة له بالعملية (حُقِّق معه طويلاً قبل التوصل إلى هذه النتيجة).
وفي نهاية التحقيق، تبيّن للسلطات اللبنانية أن سائق المقطورة وأصحاب المعرض لا يتصلون بأي شكل من الأشكال بمن اشتروا الشاحنة، ولا بمن سرقوها من اليابان وتلاعبوا بمستنداتها قبل إدخالها إلى الإمارات.
لاحقاً، وُضِعَت هذه المعطيات في عهدة لجنة التحقيق الدولية. وكان أداء اللجنة في الفترة اللاحقة لافتاً للنظر إلى أبعد الحدود. ففي التقرير الدوري الذي أصدرته اللجنة يوم 25 أيلول 2005، قالت اللجنة إنها حصلت على وثائق من شركة ميتسوبيشي في اليابان، ستمكنها «من تحديد أجزاء المركبة والشظايا المعدنية التي يزعم أن مصدرها شاحنة الميتسوبيشي التي وجدت في مسرح الجريمة. وعلى غرار ذلك، ينبغي أن تحدد بصورة قاطعة أجزاء المركبة التي عثر عليها في مسرح الجريمة، وذلك بمساعدة خبير خارجي، من طريق مطابقة الأجزاء مع الرسوم التقنية، ومع عناصر مماثلة وسليمة تماماً من مركبة سليمة تنتمي إلى مجموعة الإنتاج نفسها ومن ذات النوع والصنع والسنة».
الأمر إذاً بحاجة إلى خبير خارجي، أي من خارج اللجنة، لمقارنة القطع الميكانيكية التي عثر عليها في مسرح الجريمة بقطع أصلية مطابقة لها. ومن يطّلع على التحقيقات الأولية التي أجرتها السلطات اللبنانية، لا يحتَج إلى كثير عناء لاكتشاف أن ما قالت اللجنة الدولية إنها ستنجزه ابتداءً من أيلول 2006، كانت القوى الأمنية اللبنانية قد أنجزته في شباط وآذار 2005.
ففي ذلك الحين، حصلت القوى الأمنية اللبنانية على قطع جديدة من شركة ميتسوبيشي، مطابقة للقطع التي عثر عليها في مسرح الجريمة، وجرت المقارنة بينها للتثبت من صحة تقديرات الخبراء. وقد ثبّتت القوى الأمنية اللبنانية هذه المقارنات في محاضر رسمية قُدِّمت إلى القضاء اللبناني.
الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو ما قامت به اللجنة في تقريرها السادس. ففيما تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في نيسان 2006 من تحديد مسار الميتسوبيشي، انتظرت لجنة التحقيق الدولية إلى حين صدور تقريرها السابع يوم 15 آذار 2007، لتعلن في الفقرة 31، أنها تلقت «مجموعة من المعلومات الجديدة» المتعلقة ﺑمسار الشاحنة. وفي الفقرة 24 من التقرير الثامن (يوم 12 تموز 2007)، أعلنت اللجنة أنها تمكنت خلال الأشهر الأربعة السابقة (آذار ونيسان وأيار وحزيران 2007) من التوصل إلى المعلومات التي كانت قد توصلت إليها السلطات اللبنانية قبل 15 شهراً، لناحية مسار الشاحنة والمكان الذي بيعت فيه!
يناقض التحقيق بشأن الشاحنة إفادات شهود الزور الذين استند إليهم ديتليف ميليس
وفسّر أمنيون لبنانيون أداء لجنة التحقيق الدولية بطريقتين: الأولى، أن اللجنة، «كعادتها منذ وصولها إلى لبنان، تتعامل بفوقية مع الأجهزة الأمنية اللبنانية. وهي لا تثق بأي معطيات كنا نقدمها إليها، رغم أن دورها هو مساعدة السلطات اللبنانية لا أكثر»، بحسب مسؤول أمني رفيع. أما التفسير الثاني، فهو أن لجنة التحقيق الدولية «كانت تريد أن تنسب أي إنجاز إلى نفسها. ومن غير المنطقي أن تعلن اللجنة أن ما توصلت إليه بعد أكثر من عامين ونصف على وقوع الجريمة، لم يكن سوى استكمال لما قام به المحققون اللبنانيون، سواء في الشهرين الأولين اللذين تليا الجريمة، أو في النصف الأول من عام 2006». ويلفت ضابط لبناني عمل في عدد من ملفات التحقيق باغتيال الحريري إلى أن المحققين الدوليين لن «يستيطعوا تبرير إهمال البيانات الجمركية التي يجب الانطلاق منها في أي تحقيق مرتبط بسيارة ما، تماماً كما الإجراء الروتيني الذي نقوم به عند دخول أي شخص إلى مخفر، إذ إن اول ما نقوم به هو طلب النشرة، للتأكد من أنه غير مطلوب للقضاء». ثم يختم الأمني اللبناني كلامه بالقول: «لكن يبدو أن ميليس فضّل الاستناد إلى إفادات الشهود، فيما فضّل براميرتس الذهاب إلى أقاصي الدنيا، اليابان، للبحث عن الشاحنة، فيما الوثائق العائدة إليها موجودة على مرمى حجر من مقر عمله».


لحظات حرجة

بعدما حدّد المحقّقون، من خلال شريط مصرف HSBC شاحنة الميتسوبيشي، قسموا المشاهد التي تظهر فيها الشاحنة إلى لقطات، الفارق بين كل واحدة منها ثانية واحدة. وبعد وضع تقرير تفصيلي بالمشاهدات، أحيل الملف على القضاء وعلى دوائر التحقيق الدولية. وكل ما ورد في التقارير التي أعدها محققو فرع المعلومات في آذار 2005، ورد حرفياً في التقرير الأول الذي أصدرته لجنة التحقيق الدولية في تشرين الأول 2005. وبحسب أحد المحققين، فإن الصورة التي رفعها الرئيس الأول للجنة، ديتليف ميليس، في مؤتمره الصحافي الأول، والتي تظهر فيها شاحنة من نوع ميتسوبيشي، لم تكن سوى نسخة عن الصورة التي وصلت إلى المحققين اللبنانيين من شركة ميتسوبيشي.
وبخلاف السيارتين، لفتت أنظار المحققين في فرع المعلومات حركة جرت فجر يوم جريمة 14 شباط 2005. فشريط المصرف يظهر وصول شخص يرتدي زي الجيش اللبناني إلى المكان، قبل أن يضع حقيبة كان يحملها وسط الطريق، ثم يدخل إلى مبنى قيد الإنشاء مقابل فندق السان جورج، حيث قضى دقائق معدودة، ثم خرج وأخذ حقيبته ورحل باتجاه مركز الانفجار. وبعد خروجه، دخل شخص آخر إلى المبنى ذاته، وقضى دقائق معدودة، قبل أن يخرج مجدداً. المحققون شُغلوا بهذه الحركة، قبل أن يأتيهم الجواب من الجيش بأن من ظهر في الصورة هو جندي دخل لقضاء حاجته. أما الشخص الثاني، فلم يعرف أحد هويته ولا سبب دخوله إلى المبنى المذكور.