القاهرة | رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة المصرية، بأن تسهم سياساتها الأخيرة في انتشال الاقتصاد من أزمته، لا يزال الأخير أسير الديون، فيما لم تتمكّن أضخم صفقة استثمارات مباشرة عرفتها مصر، إضافة إلى رفع قيمة قرض «صندوق النقد الدولي»، فضلاً عن الاستثمارات الأوروبية، وغيرها من الأمور، من أن توجد حلّاً للأزمة على المديَين المتوسط والبعيد. وخلافاً للتوقعات الحكومية، عكس وصول الدفعة الأخيرة من صفقة الـ35 مليار دولار التي ضخّتها الإمارات بشكل فوري في الاقتصاد المصري مقابل الحصول على منطقة «رأس الحكمة»، في الأسبوع الجاري، بوادر قلق واضحة لدى أجهزة الدولة، في ضوء توظيف جميع ما وصل من أبو ظبي، في سداد الديون التي يتوجّب سدادها وإعادة هيكلتها. وتعزو الأوساط الحكومية عدم قدرة الاقتصاد على التعافي، إلى استمرار الاضطرابات العالمية وزيادة الاحتياجات المحلية، فضلاً عن التراجع الحاد في عائدات «قناة السويس» نتيجة العمليات اليمنية في البحر الأحمر ضدّ الملاحة الإسرائيلية وتحويل مسارات السفن، إلى جانب عدم تحقيق القفزة المتوقعة في تحويلات المصريين في الخارج، وتباطؤ النمو في القطاع السياحي. وفي خضمّ ذلك، لا يبدو أن الحكومة تبحث عن مسار بديل حقيقي يمكّنها من انتشال القطاع الإنتاجي من أزمته، بل هي تمضي في الاستدانة واستقطاب الاستثمارات التي ترى فيها «مسارات بديلة» يمكن الاعتماد عليها لمدة طويلة لجذب الأموال الساخنة، للمرة الرابعة على التوالي في غضون أقل من 10 سنوات. وإلى جانب استمرار تنفيذ عمليات بيع المباني السكنية والعقارات على الشواطئ في البحرين الأبيض والأحمر، تستمر الحكومة في الضغط على الخليج والدول الأوروبية للحصول على مزيد من الأموال لإنفاقها على اللاجئين الموجودين داخل البلاد. وفي هذا الجانب، تُجرى دراسات لإجراء مزيد من التعديلات على قوانين الاستثمار لتشجيع جذب استثمارات أجنبية إضافية في مجالات عدة في أسرع وقت، علماً أن من شأن ذلك أن يحوّل مصر إلى محطة أيدٍ عاملة زهيدة مقارنة بدول الخليج العربي.
ثمّة تقديرات بتخفيض جديد للجنيه لا يقل عن 10% في الأشهر المقبلة


هكذا، تحاول الحكومة توسيع قاعدة الاستثمار في أذون الخزانة بفائدة مرتفعة، من أجل ضمان جذب الأموال الساخنة إلى الأسواق المصرية، علماً أنها حمّلت، على مدار العامين السابقين، خروج الاستثمارات المالية الأجنبية في أذون وسندات الخزانة من الأسواق الناشئة، مع بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، مسؤولية تراجع قيمة الجنيه والاستدانة بتكلفة أعلى من المتوقع، عبر الأسواق الدولية. وتبرز من بين الاستثمارات التي تنتظرها الحكومة، تلك السعودية، والمتوقع أن تتجاوز 10 مليارات دولار على دفعات، وهي استثمارات مرتبطة بمشروعات سياحية وأخرى صناعية كبرى، إلى جانب تنفيذ عمليات استحواذ على شركات حكومية رابحة. وفي هذا الوقت، لا تزال مفاوضات الصفقة الاستثمارية المتوقعة في منطقة «رأس جميلة»، في مدينة شرم الشيخ في محافظة جنوب سيناء، مستمرة مع الجانب السعودي، وسط مخاوف أمنية أبداها معارضون للتواجد السعودي في هذه المنطقة تحديداً، والتي تمثل نقطة إستراتيجية مهمة لوقوعها على مدخل خليج العقبة بالقرب من جزيرتَي تيران وصنافير ومنتجع شرم الشيخ السياحي ومطار شرم الشيخ الدولي، ولا سيما بعدما تنازلت مصر عن الجزيرتين. وتشمل مروحة الاستثمارات المتوقّعة، أيضاً، كلّاً من الكويت وقطر في الأشهر المقبلة، عبر مشاريع يجري تجهيز الإعلان عنها، وسيُضخّ بموجبها مليارات أخرى في الاقتصاد المصري.
وفيما نجحت الحكومة، مرحلياً، في القضاء على السوق الموازية للعملة، يقول مصدر وزاري في المجموعة الاقتصادية، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الوضع الحالي لا يزال غير معبِّر عن القيمة الحقيقية للجنيه، والتي ستكون بحاجة إلى مزيد من الانخفاض في الأشهر المقبلة». ويضيف المصدر، الذي يشارك في بعض لقاءات مسؤولي «النقد الدولي»، أن «ثمّة تقديرات بانخفاض لا يقلّ عن 10% في الفترة المقبلة، بسبب استمرار تراجع موارد الدولة الدولارية وتأخير الحكومة استئناف برنامج الطروحات الحكومية»، مشيراً إلى أن «هناك محاولات لإرجاء هذا التخفيض، عبر الاستفادة من الأموال الإماراتية، إلى جانب تدفقات تحويلات الأجانب التي باتت تدخل النظام المصرفي». وتتساوق تصريحات الوزير مع تصريحات مصدر في «البنك المركزي»، أفاد «الأخبار» بأن «ثمة مناورات سيجريها البنك في الفترة المقبلة لصعود وهبوط الجنيه أمام الدولار، مدفوعاً بالقدرة على تغطية احتياجات السوق وعدم التدخل في سعر الصرف بشكل فعلي»، وذلك في محاولة لـ«امتصاص سيولة دولارية يعتقد مسؤولو البنك أنها لا تزال خارج المصارف وتقدَّر بمليارات الدولارات».