إنّها واحدة من النساء الرهيبات للمسرح التونسي. منذ ثمانينيات القرن الماضي، لمع اسمها إلى جوار أسماء أخرى مثل جليلة بكار، ورجاء بن عمار، وليلى طوبال وفاطمة بن سعيدان. بدأت زهيرة بن عمار مسيرتها في المسرح المدرسي وفي فرق الهواة في منتصف سبعينيات القرن الماضي. البداية الحقيقية والاحترافية كانت مع فرقة «المسرح المثلث» التي كانت أشبه بورشة لتكوين وإعداد الممثل، إضافة إلى عروض متحصّلة من بروفات تبحث في الارتجال وتعبيريات الجسد والمشهديات البصرية. بعدها، صار اسمها جزءاً من النهضة المسرحية التي أدهشت الجمهور المحلي والعربي والأجنبي. هكذا، تقاسمت الطموحات الطليعية والمتنوعة التي رافقت تألق التجارب التونسية على المسارح المحلية والعربية، ونجاحاتها في عدد من أبرز المهرجانات في العالم. عملت مع الفاضل الجعايبي في أربعة عروض هي: «عرب»، «كوميديا»، «فاميليا»، و«عشاق المقهى المهجور». وظهرت في «وناس القلوب» لمحمد إدريس، و«كاليغولا» لقيس رستم، و«فهمتلا» لتوفيق الجبالي، وغيرها من الأعمال التي صارت علاماتٍ مضيئة في الريادة المتواصلة للمسرح التونسي، إضافة إلى مشاركتها المميزة في عدد من أفلام الموجة الجديدة مثل: «حلفاوين» و«صيف حلق الواد» لفريد بو غدير، و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلي.
من هذا التراكم الحيوي، صنعت زهيرة بن عمار اسمها وحضورها. التمثيل صار جزءاً من عملية إبداعية متكاملة تشمل الكتابة والإخراج، إضافة إلى عشرات الورشات التدريبية في فنون الأداء في تونس والخارج. الممثلة الحاصلة على جائزة أفضل ممثلة في الدورة الأولى من «مهرجان قرطاج»، هي ابنة زمن طليعي، وثقافة معاصرة ومتجددة، وأطروحات تنتمي إلى الشرائح المضغوطة والمظلومة في المجتمع.
اشتغلت زهيرة بن عمار على قضايا جوهرية وراهنة تتصل بالواقع السياسي والاجتماعي، وبحثت في أعمالها عن فردية المرأة وتمرّدها في مجتمعاتٍ تهدِّد وجودها واستقلاليتها. في العام 2000، أسست فضاءً خاصاً بها، وقدمت من خلاله عدداً من العروض التي لاقت استحساناً جماهيرياً ونقدياً واسعاً.
«سنديانة» هو اسم هذا الفضاء، وهو عنوان المونودراما التي تشارك فيها الممثلة المخضرمة في افتتاح مهرجان «نساء في مجتمعات مهددة» الليلة، إضافة إلى إقامتها محترفاً يحمل عنوان «إعداد الممثل» (13 و14/5). قُدِّم عرض بن عمّار على خشبات عدة في تونس، وطاف في مهرجانات عربية ودولية، وها هو يحطّ رحاله في بيروت من خلال نسخة مطوّرة تستثمر أسئلة الحاضر الشائكة وأصداء «الربيع العربي» الذي بدأ في بلد بطلة العرض أولاً.
تقول بن عمار لـ«الأخبار» إنّ العرض محكوم بالراهن، لكنه يحكي عن طبيعة الإنسان العابرة للأزمنة أيضاً. بالنسبة إليها، «الفنان في مخاض دائم مع نفسه ومع الواقع»، وبالتالي، فإن «الصرخة التي حملها العرض في البداية، أُضيفت إليها صرخات عديدة، ومرت عليها أحداث دراماتيكية في تونس وفي عالمنا العربي». تتحدث عن «نبوءة ما» حملها العرض الذي يتألف من أربع لوحات. لا تكشف لنا تفاصيل العمل، ولكنها تَعِدُ الجمهور بمونودراما تمزج بين حساسية النص والأداء الجسدي والسينوغرافيا والوسائط البصرية والصوتية. مونودراما تحمل في طياتها «احتجاجاً ضد العنف الاجتماعي والسياسي، وضد الحروب وتقييد الحريات. ضد فقدان الثوابت والقيم. ضد تمييز المرأة وإلغاء حقوقها».
أفكارٌ كهذه تتعزز في مناخات العنف والقتل في دول الربيع العربي، وهي ليست بعيدة عن التهديد الذي يمثله وصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس على مكتسبات المرأة هناك. هكذا، يمتلك العرض أسباباً إضافية ليكون معاصراً ومتصلاً بتطورات الواقع. «المرأة مهددة دوماً، وهي الطرف الأضعف في التغيرات الحاصلة»، تقول الممثلة المناضلة في مسرحها، وتضيف: «الحرية مسألة أزلية بالنسبة إلى المرأة. هذه هي مقولة العرض الذي سأقدمه للجمهور في بيروت».



«سنديانة»: 8:30 مساء اليوم و11 و12 أيار