strong>عن الأمن والحماية الذاتية وغيتوات الزمن الراهن المؤتمر الذي تنظّمه كلية العمارة في الجامعة الأميركية، يفتتح اليوم دورته الثامنة. بعدما ناقشت انقراض العمارة القديمة، تتمحور «مناظرات الحاضرة» هذا العام حول تيمة الأمن: من بيروت إلى طنجة، ومن القاهرة إلى رام الله وغزة، هكذا تتجزّأ المدن وتتشكّل وفق «عقليّة الحصون»

جاد نصر الله
منذ سنوات وقسم التخطيط المديني في كلية العمارة في «الجامعة الأميركية في بيروت» يواظب على فتح حوار معماري في الفضاء الثقافي اللبناني، من خلال تظاهرته City Debates (مناظرات الحاضرة). كل عام، يطرح المشروع على طاولته مواضيع متعددة يناقشها أكاديميون ومهنيّون وطلاب وفنانون... قضايا تتعلق مباشرة بالتحولات التي تطرأ على بيروت وعواصم العالم العربي، وتؤثر في المدن وتفاعلها ضمن السياق المحلي والإقليمي.
جدران فاصلة وسياسة ضبط الحدود وسيلة لتنظيم الاختلافات في الحيّز الحضري
بعدما ناقش انقراض العمارة القديمة في بيروت العام الماضي، ها هو المؤتمر في دورته الثامنة، التي تنطلق اليوم وتستمر ثلاثة أيّام، يختار «أمن المدينة والأمن في المدينة» عنواناً لسلسلة محاضرات تبحث في ظاهرة تجزئة المدن في العالم، والكيفية التي تحصل بها هذه التجزئة ضمن سياقات جغرافية مختلفة. تركِّز المحاضرات على الهاجس المتنامي للحماية والأمن الذاتيين، وكيف يرسّخ هذا الأمر لدى الجماعات «عقليّة الحصون». هذه العقلية تُترجَم في نهاية المطاف بـ«هندسة» الخوف و«المناطق المحظورة»، أو «الجيوب المحصنة» وطبعاً الغيتوات.
تقدِّم الأبحاث المبرمجة في «سيتي ديبايتس»، تجسيداً مادياً لهذه العملية في الحيّز العام (مثل الحواجز والجدران...)، نتيجة لمختلف الخطابات التي تحمل على التعبئة (الحرب والجريمة...)، وانعكاساتها على الأفراد والفئات الاجتماعية المختلفة سياسياً واقتصادياً وثقافياً ودينياً. وستركز ورشة العمل على مناقشة الأطر التنظيمية التي يُطبّع من خلالها النموذج الأمني أسلوباً للحكم.
الأسئلة المثارة هذا العام تتمحور حول خمس نقاط إشكالية: من هي المجموعات السكانية في كل بيئة ومحيط، ومن الذي يبثّ فيها «التهديد»؟ وكيف تجري عملية تأطير هذه المسائل، في ما يتعلق بنقاشاتهم في الحريات المدنية والديموقراطية؟ كيف تتشكّل حدود المناطق المغلقة وكيف يُعاد رسمها؟ كيف تتقاطع الهواجس الأمنية مع قوانين الدولة وممارسة التخطيط وإدارة الأراضي؟ وكيف تعيش شرائح اجتماعية مختلفة الأمن نمطاً من الحياة الإقصائية المخالفة؟
تتناول الأوراق المقدَّمة إلى المؤتمر هذه الإشكاليات من خلال عرض التجارب المختلفة للفئات الاجتماعية (مثل الشباب والمهاجرين والأغنياء...)، ومن ثَمّ الجمع بين الأدلة التجريبية والاستكشافات النظرية. ويُحقّق في هذه القضايا ضمن السياق الإقليمي التقليدي للمؤتمر، مع أمثلة من بغداد وطهران وطنجة والقاهرة ورام الله وغزة ودمشق وإسطنبول وبيروت. وسيجري إثراء هذه التجارب من خلال التحقيقات المقارنة المأخوذة من سياقات أخرى في العالم، مثل ريو دي جانيرو وساو باولو وباريسيناقش أستاذ الجغرافيا في «جامعة كولومبيا» البريطانية في فانكوفر ديريك جريجوري، ظهور بغداد كنموذج ليبرالي لـbiopolitics في مجالي مكافحة التمرد ومكافحة المدينة، وذلك ضمن دراسة عنوانها «بغداد تحترق؟ العنف المديني والحروب الجديدة»، علماً بأنّ فوكو ابتكر عبارة biopolitics للدلالة على نوع معيّن من ممارسة السلطة، لا يتعلّق بالأراضي فحسب، بل ينسحب على التحكّم بحياة الأفراد والجماعات.
وتناقش غداً ثلاث نقاط رئيسية: بناء التهديد، ورسم الحدود، وتخطيط الأمن. المشاركة الأساسية في اليوم الثاني للمؤتمر ستكون لتيريزا كالديرا، عالمة الأنثروبولوجيا من إدارة تخطيط المدن والتخطيط الإقليمي في «جامعة كاليفورنيا» في بيركلي (الولايات المتحدة). كالديرا التي أصدرت كتاباً عام 2000 بعنوان «مدينة الجدران: جريمة الفصل العنصري، والمواطنة في ساو باولو» أثارت مسألة «الجيوب المحصنة» في ساو باولو، علماً بأنّها سمة سائدة في معظم المناطق الحضرية (بما في ذلك بيروت)، حيث يُلجأ إلى الجدران الفاصلة، وسياسة ضبط الحدود، وسيلة لتنظيم الاختلافات في الحيّز الحضري.
ويستضيف المؤتمر، إلى جانب ديريك غريغوري وكالديرا تيريز، عدداً من المنظّرين الأساسيين في المناطق الحضرية المعاصرة، أمثال آصف بيات، وعبدو مالك سيمون، ومصطفى دقيق، وأيسي أونسو، ونير بارفاتي، إضافة إلى عدد كبير من الباحثين الشبان والطلبة. ومن بين الطالبات، واحدة ستقدّم ورقة بعنوان «بيروت: مدينة الأمن». أما آصف بيات، أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط في «جامعة لايدن» (هولندا) الذي يشارك في المؤتمر، فقد اشتهر بعمله على دراسة استراتيجيات البقاء لدى الفقراء، في المناطق الحضرية، انطلاقاً من نموذجي القاهرة وطهران. في كتابه «سياسة الشارع» (1997)، يحاول بيات أن يفهم كيف يحقِّق هؤلاء السكان أهدافهم التي تقضي بإعادة توزيع المنافع الاجتماعية والحكم الذاتي بعيداً من سلطة الدولة. برنامج غني وإشكالي، قد يجعل من هذه الدورة لـCity Debates أنضج محطات هذا المشروع الذي يحتضن «مناظرات الحاضرة».

ابتداءً من اليوم حتى الجمعة ـــــ «الجامعة الأميركية في بيروت» ـــــ للاستعلام: 03/968724
webfea.fea.aub.edu.lb/fea/citydebates/