في عام 2006، قدّمت الدراما السورية ممثلاً شاباً موهوباً يدعى تيم حسن في مسلسلٍ للمخرج الليث حجّو من تأليف حسن سامي يوسف سمّي «الانتظار». عززت شخصية «عبّود» آنذاك حضور الممثل الشاب الذي كان قد أخذ بطولة مسلسل «نزار قبّاني» قبلها بعامٍ واحد، والمعتمد بن عبّاد الملك الأندلسي في «ملوك الطوائف». بعدٍ غيابٍ طويل، يعود الممثل السوري الموهوب إلى الأدوار «المحلّية» ضمن شخصيةٍ يمكن اعتبارها امتداداً درامياً لشخصية «عبّود» وإن لم تقاربها تاريخياً بالتأكيد. إذ إن شخصيته في مسلسل «تاج» (تأليف عمر أبوسعدة ــ إخراج سامر البرقاوي ــ إنتاج شركة «الصبّاح») تقارب مرحلة الاحتلال الفرنسي لسوريا إبان أربعينيات القرن الماضي. يقارب مسلسل «تاج» الذي يعرض حالياً عبر منصة «شاهد» قصة تدور حول الملاكم تاج الدين الذي يمارس هواية الملاكمة، وفي الوقت نفسه يقاوم الفرنسيين عبر اسمه السري «المقصّ». مع بداية الحلقات وأثناء أحد «هجمات» الفرنسيين على مخابئ المقاومة، تُقتل مجموعة «المقصّ» بأكملها، فيما هو ينجو من الموت بحكم أنه كان بعيداً؛ مما يجعل الشبهات تحوم حوله بأنه من سلّمهم، خصوصاً أن علاقته بالفرنسيين كانت جيدة؛ بحكم أنه يبارزهم في رياضة الملاكمة. هذا الأمر يعقّد حياة تاج، وبسرعة يصبح منبوذاً من الأشخاص الذين اعتبرهم أهله، إذ اعتبروه خائناً. أثناء تلك الفترة يفقد عمله، وشيئاً من اتزانه، فيمارس القمار بشكلٍ مستمر، مما يجعل زوجته نوران (فايا يونان) تنفر منه على الرغم من علاقة الحب التي تجمعهما. ينتقل المسلسل سريعاً إلى ما بعد خمس سنوات من الحدث الأوّل، هنا نرى بطلاً مكسوراً يشبه الأبطال الذين كان الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني يتحدّث عنهم: لا رغبة بالحياة، مقامر، لا أخلاق وصولاً إلى خسارته لإبنته على طاولة قمار. زوجته نوران يخسرها هي الأخرى، إذ تتزوج من رياض الجوهر، أحد أشهر الخياطين في سوريا آنذاك الذي سرعان ما يتضح بأنه عميل للفرنسيين وهو فعلياً من سلّم مجموعة «المقصّ». طبيعة القصة المركبة التي كتبها عمر أبوسعدة تبدو مسبوكة، وإن شابها بعض الأخطاء الصغيرة التي لا يمكن كثيراً محاسبته عليها. أبوسعدة كان قد عمل مع حسن العام السابق في مسلسل «الزند: ذئب العاصي» الذي كان من أفضل ما أنتجته الدراما السورية منذ أعوام، ولربما واحداً من الأسباب الرئيسية التي جعلت النجم السوري يرغب بإعادة التجربة. مهارة أبوسعدة في تقديم مشاهد تمتلك أبعاداً عميقة يحسب له، لكن في بعض الأوقات تبدو الحوارات ضعيفة بين ممثليه وبعض الشخصيات الجانبية سطحية ومهمشة. مثلاً شخصية زيزي (نورا رحّال) نفهم انها «وطنية» رغم عملها كفتاة هوى. يلجأ الكاتب إلى تقديم الشخصية بطريقة تجعلنا نتعاطف معها ونحبها، لكنه لا يعطيها أي أبعاد عميقة تجعلنا نفهم لماذا هي هكذا، ولماذا تساعد البطل. العمق كان ضرورياً في تقديم الشخصية، ولربما حلقات العمل القادمة ستعوّض هذه الأخطاء.
أدائياً، لا يمكن لأي عارفٍ بصنعة الدراما أن يتحدّث بشكلٍ سيء عن أداء تيم حسن. يلبس حسن الشخصية التي يؤديها مهما كانت ضحلة، هو مثلاً ارتدى شخصية جبل شيخ الجبل في مسلسل «الهيبة» لسنوات وجعلها شخصية قاعدية إلى حدٍ ما، فأصبحت جمله و«إفيهاته» جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الدرامية الشعبية، ناهيك بشكله وحركته ولحيته وتعابير وجهه ويديه. هنا يؤدي حسن باحترافية عالية، وعلى ما يبدو أنه تلقى بعض التدريبات في رياضة الملاكمة فبدت حركة جسده كملاكم شبه محترف. يمكن الحديث مطولاً حول الجدية التي يغوص فيها حسن في الشخصية التي بين يديه، وهذا يؤثر على الممثلين حوله، فيرفع من أدائهم أو يرعب بعضهم فيخفتون. من جهته، بسام كوسا معلم على طريقته: مبهر في كل لحظات أدائه، خصوصاً الكيمياء الأدائية العالية التي جمعته ببطلة العمل فايا يونان. إنه شرير تكاد تحبه، وتكرهه بذات الوقت، ثيابه لطيفة، يستخدم صوته باحترافية، وفوق كل هذا يعرف كيف يرتدي الشخصية كما لو أنها هو فعلياً. فايا يونان، القادمة من مجال الغناء، تؤدي بمهارة وقوة أمام بسام كوسا، وهذا يظهر أن لديها موهبة كامنة، يمكن المراهنة عليها خلال السنوات القادمة. طبعاً هي تعذر أنها في دورها الأوّل تمثّل أمام ممثلين من العيار الثقيل، وهذا ليس بالأمر السهل أبداً، وهي بالتأكيد تسعى جاهدة وتدربت لوقتٍ طويل كي تعطي هذا الأداء. مشاهدها التي جمعتها مع تيم حسن لم تكن الأقوى بحسب ما عرض من حلقات المسلسل حتى اللحظة، لكن أدائها مقبول، فضلاً عن جمالية في الملابس والأزياء التي ارتدتها مع مكياجها الخفيف ووجهها البعيد عن عمليات التجميل. أدائياً بقي أن نتحدث عن نجمي العمل الآخرين، اللذين قد لا يتحدث عنهم كثيرون، كفاح الخوص ونورا رحّال. يخوض الخوص صراعاً مهما لإثبات نفسه كأحد القادمين بقوة من الصف الثاني في الدراما السورية إلى الصف الأوّل، هو غيّر «تسريحة» شعره المعتادة، واستبدلها بشعرٍ مختلف، هو يمتلك المهارة كما القدرة الأدائية، ويحسب له أنه لا يخفت أداءه البتة أمام نجوم الصف الأوّل، وهذا دليل ثقة. رحّال بدورها فاكهة العمل اللطيفة، صحيح أنها تغيب لسنة أو سنتين، وهذا مرده ربما لغياب الأدوار المناسبة لها، لكنها فعلياً تضفي الكثير على العمل لناحية العذوبة. تؤدي رحال بسلاسة بالغة، مع ابتسامةٍ دائمة، وتعطي الدور الكثير، ميزتها الكبرى أنها تبدو كأنها لا تمثّل، وهذا دليل احترافية عالية.
إخراجياً، بذل سامر البرقاوي جهداً في تقديم مسلسل شبه تاريخي، إذ إنه دراما تحدث في وقتٍ ما، من دون تناول الحدث التاريخي بشكلٍ مباشر مع تأثير هذا الحدث على حياة أبطاله. المخرج السوري الذي بات معتاداً على العمل مع تيم حسن، إذ أخرج أكثر من جزء من مسلسل «الهيبة»، و«الزند» العام الفائت، يعرف كيف يقدّم بطله في أحسن صورة وأقواها.
يحسب للمسلسل أنه صوّر بكليته في سوريا، وأنه يسهم في إعادة بث الروح في الدراما السورية من خلال إيجاد وتخليق فرص لصنّاع الدراما السوريين، وليس الممثلين فحسب، خصوصاً مع هجرة كثيرين إلى الإمارات وتركيا وحتى لبنان للعمل في الخارج.

** «تاج»: س: 23:00 على قناة «الجديد» ــ وس: 11:25 على «شاهد»