ما زالت تتوالى الردود على الظهور الأخير للصحافية اللبنانية نضال الأحمدية وحديثها المهين بحقّ اللاجئين السوريين في لبنان في ما يتعلق بـ«الشوكولامو». الغريب أنها ليست المرة الأولى التي تطلق فيها صاحبة مجلة «الجرس» هذه التصريحات العنصرية المقيتة، كما أنها ليست الوحيدة التي تلعب على هذا الوتر الحسّاس، وتسعى بشكل محموم وراء الانتشار ولو كان على حساب الإساءة لشعب كامل وبلد عريق. لكن اللافت هذه المرّة بأن «الترند» استمرّ من دون توقف، والتعقيبات حول هذه المسألة لا تتوقف. فنانون نشروا ردوداً، وشخصيات عامة علّقت، ومحطات فضائية دخلت على الخط، وبرامج مكرسة أفاضت عما يجول في خاطر معدّيها، وصنّاع محتوى على السوشال ميديا سخروا وتهكّموا. حتى إنّ الهجوم الكاسح أوقف حسابات الأحمدية الافتراضية لكثرة التبليغات، لكن المسألة صارت بمثابة ظاهرة فعليّاً. آخر ما حرر كان مفاجئاً، إذ قررت النجمة السورية سلاف فواخرجي الدفاع عن هذه السقطة المهنية، واعتبرتها مجرّد رد فعل غاضب كان الأجدى بمن قرر التصدي له أن يكون أكثر تهذيباً بعيداً عن السخرية والشتائم، فجاءها الردّ سريعاً من زميلتها النجمة ميرنا شلفون التي أعادت نشر تصريحات الأحمدية على حساباتها، معتبرة بأنها «ذروة الغلّ والانحطاط» ويتوجّب مكافحتها وعدم السماح لأحد بالدفاع عنها.الغريب بأنّ من تبقّى من السوريين في بلاده، يعيش أصعب الظروف وأكثرها حلكة، إلى درجة بأنه بين كل خمسة أشخاص، هناك أربعة يفكّرون في السفر! فالحياة هنا صارت مثل ممر مستشفى طويل يودي في نهايته إلى برّاد الموتى. ظروف خدمية متهالكة، وحالة اقتصادية متردية، وغلاء مسعور، وقوانين بالية، وكوارث متلاحقة، ولا أحد معني بكلّ ذلك. لكن الغضب في مواجهة تلك الأحوال لم يصل إلى ربع ما وصل إليه من تصريحات الأحمدية. فما هو السبب؟
«من وجهة نظر نفسية، يمكن اعتبار تصريح نضال الأحمدية بأنه نتيجة غضب من وجود السوريين في لبنان. كذلك، جاءت ردة فعل السوريين غاضبة ليس من نضال فحسب، بل أيضاً من وجودهم في لبنان وفي كل الدول بسبب الطريقة التي يُعاملون بها. وهذا سبّب تراكماً من الغضب كان لا بد أن يشعل ناراً في النهاية، وهو ما حدث!» تقول لنا الممثلة السورية والاختصاصية النفسية المجازة من «جامعة ليفربول» نورا العايق، مضيفةً: «التوصيف الفعلي لما يحدث هو الغضب الذي يولد من أشياء كثيرة. الذين قاموا بالرد على الأحمدية بداية هم من مسّتهم تصريحاتها وشعروا بالدونية، وهو ما يولّد الشعور بالانزعاج المطلق كما تفعل أشياء أخرى مثل البطالة، الفقر، الاستغلال، الاكتئاب، الضغط النفسي، الصراعات السياسية، والإحساس بالظلم. كلّ هذه الأشياء قادرة على تحريض الغضب بداخلنا». لكن لو جرّبنا التدقيق في أصحاب الردود على هذه القضية لاكتشفنا بأنّ «ليس كل من شارك في الحملة هو الذي مسّه الكلام، فبعضهم شارك للتسلية، أو لأنّ الحديث يناسب المستوى الفكري لديه» وفق العايق. لكن المشاركة في الحديث عن الموضوع «سببه إصابته بعدوى الحالة المزاجية السائدة على السوشال ميديا، وهي مسألة أثبتتها دراسة كاملة أجرتها جامعة بريطانية على مجتمع متكامل، وخلصت إلى أنه عند وجود الاكتئاب مثلاً لدى أحد الأشخاص ونشر ما يعبّر عن حالته، فإن جميع من يتداول منشوراته ربما يُصاب بحالة نفسية متعبة، عدا عن أن الشيء السلبي هو الذي ينتشر غالباً لأن السوشال ميديا فسحة للفضفضة والتعبير عما يزعج المرء».
ليس بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ كبريات الفضائيات العربية وبعض الشخصيات الفنية والبرامج المكرّسة، سلّطت الضوء على هذا الموضوع والسبب من وجهة نظر نورا العايق «لأننا لا نعيش في عصر الاهتمام بالأشياء المهمة. على مستوى قناعتي الشخصية، لا أرى أن ما حدث أمر يستدعي كلّ هذه الضجة لأن هناك مسائل أكثر أهمية تستحق تسليط الضوء عليها. لكن إذا أردنا أن نكون صريحين، يتوجب علينا القول بأنّ عدداً كبيراً من الشخصيات العامة لا تتمتّع بعمق كاف حتى تتحدّث عن أمور مهمة ولو كانت سياسية بشكل غير مؤذ. أضف إلى ذلك حمى الترند، فكلّ من يبتغي الشهرة والمال والانتشار، عليه أن يركب موجة الترند، وهو ما يخلق حالة فوضى عارمة وغضباً واسعاً لدى الجميع!». تخلص العايق إلى أنّ «ما حدث سببه تراكم الخوف والغضب، ثم أتت الأحمدية بتصريحاتها لتشكّل مثل لحظة انفجار وتفريغ لبعض الأشخاص الذين لا يعرفون حتى ترتيب الأولويّات أو التصدّي لما هو أهم، فكانت هذه فرصة ليُخرجوا ما في جعبتهم». من جهته، يشرح المحلل النفسي هاني رستم لنا: «هناك نقطتان يمكن الوقوف عندهما ومن المهم جداً ذكرهما. الأولى هي الواقع السياسي الذي يحكم العلاقات بين سوريا ولبنان بشكل مباشر، وهو ما أسهم في شكل ردة الفعل حول ما قالته الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية. والثانية أننا أمام ضغط حملة كبيرة ومكثفة ضد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان لتتم إعادتهم إلى سوريا. هذه الحملة تمرّر الكثير من رسائل العنصرية والرفض للاجئ السوري، وخصوصاً في ما يتعلق بهويته كشخص سوري يقيم في لبنان، وهذه الحملة شكّلت ردة فعل كبيرة عند السوريين بشكل عام». ويضيف: «في خطابها، حاولت نضال الأحمدية أن تتكلم باسم اللبنانيين، ونحن نعلم بأنها لا تمثل المجتمع اللبناني، ولكن خطابها تضمن هذه اللهجة وهذا المعنى الذي يمثل بشكل أو بآخر عدداً من اللبنانيين، وهذا النوع من الخطابات يعتبر محرّكاً للغضب والإحباط الموجود لدى السوريين بسبب الواقع اللبناني الحالي ضد اللاجئين السوريين وضد السوريين كهوية بشكل عام. في المقابل، فإنّ ردة الفعل والغضب تجاه نضال الأحمدية، ليست موجّهة لشخصها بقدر ما هي موجّهة للرمزية التي تحملها وهويتها كشخص يمثل مجتمعاً ولو أنّ هذا ليس معمماً». يفسّر المحلل النفسي المقيم في أوروبا استمرار ردة الفعل الغاضبة بـ «عجز عدد كبير من السوريين عن قول كلمتهم ضد الأشياء التي يعيشونها والمرتبطة بشكلٍ مباشر بحياتهم اليومية. لذا صبّوا غضبهم على جهة أو شخص أقل قوةً وعنفاً من المصدر الأساسي للخوف».
وللتوضيح أكثر يضرب مثالاً بسيطاً فيقول: «اليوم عندما تصرخ الأم على ابنها فإنه لا يردّ الصراخ في وجهها، لكنه يقوم بتفريغ غضبه في أشياء أو أشخاص آخرين، وهذا في علم النفس نوع من الاستبدال، ويكون بمثابة التفريغ عند الشخص الذي يتعرض للعنف، والضغط أو الاضطهاد، لكن لوسائل بديلة وليس للمصدر الأساسي. لذا استبدل السوريون كلّ ما يشعرهم بالغضب والخوف والقلق بتصريح الأحمدية، وقد أجمع كل السوريين على أنّها تطرقت للهوية السورية، وهذه الهوية جمعت حولها من هو مؤيد ومعارض كون التصريح مسّ كيانهم وهويتهم كأشخاص ينتمون إلى هذه الجنسية وهذا البلد».