يمتاز السيناريست والروائي السوري أسامة كوكش عن غيره من زملاء المهنة بالدماثة الواضحة، والتواضع الصريح، وغالباً الابتعاد عن الادّعاء أو الرياء. عدا عن أنّه صبر طويلاً حتى بنى اسمه رغم أنّه ينحدر من عائلة فنية رفيعة المستوى. يكفي أنّه شقيق الراحل علاء الدين كوكش (1942 ــ 2020) أحد شيوخ الكار في سوريا، والمؤسسين الفعليين للدراما المحلية. طبعاً لم يكتف المهندس الذي عمل لوقت يسير في مهنة الضوء، بما صنعه في الدراما التلفزيونية التي تعتبر مهما بلغت وعلا شأنها مجرد فنّ استهلاكي سيطويه النسيان بعد انتهاء عرض المسلسل ببضعة أيّام، إلا في حالات استثنائية! هكذا، أنجز كوكش رواية «سيتي سنتر» (سوق البسطة) عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» (منعت من التداول في سوريا) بعدما كتب مسلسلات أبرزها «بانتظار الياسمين» الذي وصل إلى الترشيحات النهائية لجائزة «إيمي» العالمية بذريعة حكايته المعاصرة عن لجوء السوريين داخل بلدهم إلى الحدائق العامة، وبراعة ممثليه، والمنطق الإنتاجي للجهة التي تبنّته وهي ABC (يملكها عدنان حمزة ويديرها النجم محمد قنوع). ثم الاقتراح المتماسك في الدراما الشامية «حارة القبّة 1/2» (إنتاج هاني العشّي «عاج» وإخراج رشا شربتجي وبطولة نخبة من نجوم سوريا).
في حديثه مع «الأخبار»، يجيب كوكش عن سبب تأخر مشروعه الكتابي، عموماً بالقول: «بكل بساطة كنت غائباً في متاهة الحياة بين عمل وتأسيس وبحث. ربما انتظرت إلى حين شعرت نفسي على سوية من النضج والتجربة والوعي لأصبح مخوّلاً للكتابة... هذا استغرق من حياتي ما يقرب من الـ 40 عاماً، وهو ما منحني مساحة ارتياح جعلتني أدرك أنني مؤهّل للبدء بمشروع الكتابة، هذا لا يعني أن كل شيء قدمته جيّداً، إنّما عنيت أن المخزون الفكري الذي راكمته ربما صار يتيح لي الاستمرارية».
وعن اختياره الرواية بعيداً عن الكتابة والتلفزيون وما إذا كان هذا هو المشروع الأدبي والفني الحقيقي بالنسبة إليه؟ يوضح الكاتب السوري أنّه «لدي العديد من المسوّدات الروائية الموجودة التي اشتغل عليها، ثم أتركها لأعود إليها مجدداً، وهكذا. ربما لو اتخذت قراراً بإصدار رواية جديدة لن يستغرق الأمر طويلاً. لكن ما يمنعني هو ارتباط الرواية الحقيقية في هذا الظرف الذي نعيشه بفضاء واسع من الحرية لكي تبصر النور، لذا نستحق قليلاً من المساحة والهوامش الواضحة لنضع أيدينا على مكامن وبواطن الأمور! لا يكفي الحديث على نغمة مكرورة مستهلكة اسمها الفساد... ينبغي مثلاً الغوص عميقاً ونكئ الجراح للدخول إلى عمق الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مجتمعاتنا... البحث عن الفضاء الحر هو ما يؤخر مشاريعي الروائية. عدا عن أنّ الرواية لا تطعم خبزاً، بل عليك دفع تكلفة الطباعة من جيبك...».
أما عن اللحظة المفصلية في تاريخه المهني، فيقول صاحب «حائرات» بأنها كانت عند اندلاع الحرب: «تتضاءل أي لحظة مغايرة بأهميتها أمام هذا الحدث الكارثي، كونها خلفت لدي قناعة مطلقة بانعدام قيمة الإنسان، في معظم بلدان العالم الثالث، وربما العالم كله لكن بدرجات متفاوتة».
وعن قبلة العصر الدرامي الرائجة حالياً والمتمثّلة بالمسلسلات القصيرة ومجافاة منجزه بالكامل لهذا النوع، يقول كوكش: «منطق العمل في المسلسلات القصيرة جذّاب، إذا أنجز بصيغة صحيحة. بكل تأكيد أدعمه وأشجعه خاصة أن كتابة المسلسلات الطويلة أمر مجهد للغاية وبتطلب بعض الحشو والإطالة... لذا التكثيف ضرورة والاستمرار بالمشروع يجب أن يرتبط بمدى نجاحه النقدي وجماهيريته في جزئه الأوّل».
وفي ما يتعلّق بجديده، يوضح أنّه يعكف على كتابة عملين تلفزيونيين: الأوّل هو الجزء الرابع من «حارة القبة» الذي سيصوّر فوراً بعد رمضان 2023. والثاني هو «نوافذ الليل» من إنتاج شركة «إيبلا» (هلال أرناؤوط وأحمد الشيخ)، والذي «يروي سيرة صادمة لـ «ملهم»، بطل الحكاية الذي يطلّ على الحياة حاملاً ذنبه معه، بعدما كانت ولادته سبباً في وفاة أمّه «دنيا». موت زرع آثاراً في خفايا ذاكرة العائلة، فعقلهم الباطن حمّل المولود الذنب، وبقي «ملهم» طوال حياته يستشعر ذلك، ما خلق لديه شخصية معقدة. ثم زاد من الطين بلة أنّه تسبب بمقتل زوجة أبيه «أمل» عن غير قصد، عندما كان يافعاً لينجرّ لاحقاً إلى مطارح مسيجة بالعتمة بذريعة خروجها عن القانون. ولكن بالتواري خلف أعمال يفترض أنها خيرية ليغرق في شرور لا مفرّ منها وفق تصعيد حكائي نأمل أن يكون مشوّقاً».
أما عن الشراكات الفنية وإذا ما كان لا يزال بإمكانها أن تبدع وترى النور في الظروف التي نعيشها وتكريس بعض الأسماء ونفاذ بعض الشركات.. وهل مازال هناك فعلاً إيمان حقيقي في منطق عمل الفريق والشراكات الفنية بين كاتب ومخرج على أن تُعاد التجربة لكي تتكرّس؟
يجيب كوكش بالقول: «فيما يخص علاقتي المهنية مع المنتجين والمخرجين، تفوقت في أماكن ولم أوفق في أخرى ولو بشكل نسبي. دعني أقول لا يوجد مكان للفشل المطلق، لكن يوجد منتجون لديهم ثقافة ووعي بكل تأكيد أتمنى تكرار التجربة معهم، على اعتبار أنّ المنتج ذا أهمية شديدة... على صعيد المخرجين معظم الشراكات كانت موفقة، وإيماني كبير بهذه الشراكات. الشراكة الأولية التي أتمناها حول كتابة النص بمعنى، إطلاق ورشات كتابة، لكن الحقيقة ورشة الكتابة كما تعلم، هي بحاجة لراع أو لجهة منتجة مؤمنة بالأمر، تشكّل ورشة كتابة وتقدّمها برعايتها... هذه الثقافة لم تصل إلى الدراما السورية بعد. لأن الشركة المنتجة دائماً ما تبحث عن نص جاهز، لا تستكتب أحداً وليس لديها وقت أو مزاج لذلك. لا يهمها الموضوع وغالباً ما تستسهل... أما شراكة الإخراج، فقد انطلقت الكثير من التجارب الناجحة بعيداً عن ذكر الأسماء».