خلال أقلّ من أسبوعين، يأتي إلى لبنان وفد من صندوق النقد الدولي على رأسه رئيس الفريق المكلّف بالتفاوض مع لبنان حول برنامج تمويلي، إرنستو راميريز، ويرافقه فريديريكو ليما، الذي عُيّن أخيراً من إدارة صندوق النقد في موقع ممثّل مقيم في لبنان. وليما سيكون صلة الوصل بين لبنان والصندوق للإشراف على تطبيق البرنامج المتوقع بين الطرفين. سيقع على عاتق ليما متابعة كل التفاصيل المتعلّقة بالتحضير لتوقيع الطرفين على البرنامج التمويلي المتفق عليه، ومتابعة تطبيقه بكل تفاصيلها، ولا سيما لجهة التقارير الدورية التي يفترض أن يعدّها لبنان للإفصاح عن تقدّم العمل، ونتائجه على المؤشرات الأساسية.

سابقاً لم يكن لدى صندوق النقد الدولي أي ممثّل مقيم، بل لديه مكتب يتواجد فيه موظّف واحد ملقى على عاتقه كل العبء المتعلق بإعداد التقارير وترجمتها وإرسالها وتنظيم المواعيد والحضور في الزيارات والتعامل مع الإعلام... وتعيين ليما في هذا الموقع هو خطوة تلقائية يقوم بها الصندوق في أي بلد يكون قريباً من توقيع اتفاق على برنامج تمويلي. لكن لا يمكن إيلاء هذا الموقع أهمية استثنائية، باعتبار أن ليما شاب يافع ليس لديه خبرة واسعة في شؤون الدول، وإن كانت لديه خبرة تقنية. فهو اقتصادي برتغالي انضمّ إلى فريق صندوق النقد عام 2016، وهو حائز على شهادة حقوق من جامعة كويمبرا في البرتغال، كما حاز على شهادات ديبلوما وماجستير ودكتوراه من جامعة كامبريدج. وهو متخصّص في الأسواق الناشئة والاقتصادات المنخفضة الدخل. ولدى ليما عدد من الأوراق البحثية نشرها صندوق النقد الدولي، وهي في معظمها تركّز على السياسات الماليّة والضرائب. فمثلاً في ورقة «هل الأسواق المالية تقدّر جودة الحوكمة المالية؟» يتحدّث عن الحوكمة الماليّة القويّة بوصفها جاذباً للتمويل الخارجي، وبرأيه فإنه كلما كانت لدى الدول إدارة مالية أفضل كلما كان باستطاعتها الولوج إلى الأسواق الخارجية والاقتراض بالعملات الأجنبية عبر إصدار سندات سياديّة. وفي ورقة أخرى بعنوان «السياسات الماليّة تجاه الشركة بحسب حجمها، واللانظاميّة وسوء التوزيع» يشير إلى أن السياسات الماليّة الموجّهة نحو الشركات بحسب حجمها على الاقتصاد مكلفة على الاقتصاد وتخفّض الأجور والأرباح والإنتاج. كذلك، شارك في ورقة بحثية أخرى بعنوان «آثار التغيّرات في معدلات الضريبة والقواعد الضريبيّة على الاقتصاد الكلّي: أدلّة من عمليات تقليص العجز المالي»، وهذه الورقة تعاين انعكاسات التغيير الضرائبي على الاقتصاد الكلّي وتخلص إلى أن زيادة القاعدة الضريبيّة خلال عمليات تقليص العجز المالي يؤدي إلى انخفاض الإنتاج ومعدّلات التوظيف.
باختصار، ليما سيكون مشرفاً على تطبيق سياسات الصندوق وهي سياسات موحّدة تنطلق من خلفية ليس مسموحاً النقاش فيها


باختصار، ليما سيكون مشرفاً على تطبيق سياسات الصندوق. وهي سياسات موحّدة تنطلق من خلفية ليس مسموحاً النقاش فيها، وتنطوي على شكل ظاهري موحّد يطغى عليه طابع التقني بتوجيه سياسي مستتر. فالصندوق لديه وصفة موحّدة وتقليدية لمواجهة كل الأزمات في كل الأوقات وفي كل الاقتصادات، إذ إنه يعتقد بأن كل الأزمات هي نتاج السياسات المالية للدولة، وأن الأدوات التي يجب استعمالها هي محدودة وكلاسيكية مثل أسعار الفائدة وزيادة الضرائب والخصخصة أو التشركة كما يجري تسميتها الآن، والسياقات تتطلّب تقشّفاً في الإنفاق ولو على حساب الاستثمار العام، ويفرض إطلاق يد القطاع الخاص باعتباره قاطرة للنموّ، والاستدانة بالعملات الأجنبية هي جزء أساسي من صلب عمل الصندوق، إذ يتم التعامل معه باعتباره ضمانة لكل الدائنين الأجانب تجاه الدول التي يتعاملون معها. ليس مهمّاً بالنسبة إلى الصندوق، ولا لكل موظّفيه ما هي انعكاسات الاستدانة بالعملات الأجنبية على الاقتصادات، ولا سيما الاقتصادات الناشئة التي تعتمد كثيراً على استيراد حاجاتها الأساسية. بالنسبة إليه، المهم أن تواصل هذه الدول الاستدانة لتأكل وتشرب وتستهلك. هذا ما سيشرف ليما عليه في لبنان.