شهدت قرى جبل أكروم في العقود الأخيرة انخراطاً كثيفاً لأبنائها في صفوف الجيش اللبناني وفي سائر الوظائف، وهذا ما وفّر بعض البحبوحة بعد عقود طويلة من الفقر المدقع والتقوقع. وقد أسهمت تلك الوظائف في تحفيز الأهالي على ادخار المال لإنجاز العديد من المشاريع المستقبلية.وقد كان صبحي يوسف، الجندي المتقاعد من الجيش اللبناني، من أولئك الذين فكروا بتأسيس مشروع مستقبلي، فأسس مطعم «مسايا أكروم» في بلدة كفرتون، إحدى بلدات الجبل. لم يأت المشروع من فراغ، فقد كان الرجل مسكوناً بهذا الطموح، الذي «من شأنه تحصيل رزق كافٍ لأولادي وتوفير حاجات الجبل والحفاظ على قيمه وعاداته».
ليس هذا فحسب، فقد حرص صبحي على توظيف أبناء بلدته في المطعم برغم ضعف خبرة بعضهم في مجال صناعة الأكل، ولكن «بالصبر والمتابعة يستقيم العمل وتتيسر الأمور». حينها، لم يكن الرجل يهدف إلى الربح، بقدر ما كان هدفه توفير فرص العمل لشباب أكروم، التي بلغت نحو 20 فرصة. وحرص كذلك على شراء اللحوم مباشرة من أصحاب القطعان الباقية في كفرتون، إضافة إلى شراء ما ينتجه أبناء البلدة من جبنة ولبنة وشنكليش. والأمر نفسه بالنسبة إلى الزيتون وزيت الزيتون والسمنة البلدية.
صبحي يوسف، المعجب بما أنجزه وبالمردود المالي الذي فاق ما توقعه في دراسة الجدوى الاقتصادية بعد شهرين على انطلاقة المشروع، يحاول اليوم التوليف بين مزايا مطعم ينافس سائر المطاعم بفضل خبرة يقول إنه اكتسبها عندما كان يعمل في مطبخ نادي الضباط في الجيش اللبناني، ومن ثم في المطاعم الفخمة بعد تقاعده من الجيش، وبين مطعم يلبي حاجات المجتمع الأكرومي وعاداته وتقاليده، وخصوصاً في المناسبات والولائم العامة ولا سيما ولائم الأعراس.
وقد حاز صاحب مطعم مسايا أكروم ثقة الأهالي في خدمة الأعراس؛ إذ يناقشهم في الكميات المناسبة لأعراسهم، علماً بأنه من الناحية العملية تنتهي مهمته «مع تسليم الكميات المطلوبة لحظة دخول المدعوين إلى قاعة الغداء». لكن، بما أن الرجل «ابن الضيعة»، فهو يعدّ نفسه شريكاً معنوياً في العرس وفي إنجاحه أيضاً، «فبحكم انتمائي إلى المجتمع الأكرومي باستطاعتي تقدير الأعداد المتوقعة في كل عرس، آخذاً في الحسبان عدد أقرباء صاحب العرس المقربين، ومرتبة المتزوج ضمن أسرته». ويعطي مثالاً على هذه التقديرات، فيقول إن «الولد الأول تلبى دعوته أكثر من الأولاد الباقين، إضافة إلى تقديرات أخرى، منها قيام العريس بواجباته تجاه أهل ضيعته أو التنبه إلى تقاطع قيام العرس من ناحية التوقيت مع إحياء مناسبات أخرى».