إيران ـ لبنان: من التاج إلى العمامة سوء تفاهم دائم (1)
div class="writer-related" style="padding: 1em;" style="background-color:#c0c0c0">تفتح «الأخبار» ملف انتخابات رئاسة الجمهورية بعدما بكّرت عاصفتـهـا. «لبـنان 2007: الرئـاسـة في المهـب»، يتنـاول أدوار القوى الناخبة على طريقة لعبة العروس الروسية، من العلبة الكبيرة إلى تلك الصغيرة. وهكذا ستمر أدوار ناخبين إقليميين ودوليين في الاستحقاق، كالولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وسوريا وإيران، إلى ناخبين محليين ومرشحين
نقولا ناصيف
ليست الجذور الشيعية هي التي أدخلت الإمبراطورية الفارسية إلى لبنان. ولا يقتصر الدور المتصاعد للجمهورية الإسلامية اليوم عليها، متخطياً البعد الديني إلى عقائدي وسياسي وعسكري واجتماعي، بل إلى اندماج في جزء أساسي من المجتمع اللبناني جعله يتناقض والأجزاء الأخرى. كامبراطورية الشاه، تقرأ جمهورية العمامة لبنان من ضمن سياسة شرق أوسطية. أراد التاج البلد الصغير حائلاً دون اقتراب القومية العربية من قارته الحليفة لإسرائيل وأميركا، فإذا بالعمامة تريد به بلوغ حدود مواجهة جغرافية مع إسرائيل وفلسطين، وسياسية مع أميركا. وكما كان جمال عبدالناصر وياسر عرفات وحافظ الأسد. كذلك إيران اليوم.
طبَعَ علاقات إيران بلبنان سوء تفاهم دائم، عَبَرَ متقطعاً. لم تكن مرة صاحبة كلمة فصل في خيارات وقرارات وطنية، ولم تحظَ علاقتها به بتأييد لبناني دائم عام على دورها، شأن علاقات مماثلة ملتبسة خَبرها لبنان في حقب مختلفة مع مصر والعراق وسوريا، الجوار القريب. استبقت لبنان المستقل بفتح سفارة لها في 16 نيسان 1945 بعد سنوات من حضور دبلوماسي اقتصر على قنصلية عامة لسوريا ولبنان وفلسطين منذ عام 1927. بعد أقل من سنة، في 23 شباط 1946، افتتح لبنان سفارته في طهران، وكان سليم حيدر سفيره الأول. لكن الحضور الأول انبثق من علاقة شخصية بين كميل شمعون رئيساً (1952 ــ 1958) والشاه محمد رضا بهلوي بتبادلهما زيارات رسمية. بيد أن البعد الأول في علاقتهما أبرزه اقترابهما من حلف بغداد الذي وقّعه العراق وتركيا، في شباط 1955، قبل انضمام الأمبراطورية إليه. قاسم مشترك جمع الرجلين هو علاقة كل منهما بالولايات المتحدة وبريطانيا. مكّن ذلك الاستخبارات الإيرانية، كنظيرتيها في المملكة الهاشمية في العراق والأردن، من ممارسة نشاط حرّ ومفتوح في لبنان كمركز معلومات وقطب جذب في النزاعات الإقليمية. عبر الأردن تزوّد شمعون سلاحاً موّله الشاه لمواجهة خصومه في «ثورة 1958».
في حمأة نزاع بعضه قومي، وآخر على النفوذ في الشرق الأدنى، بدا لبنان بين 1955 و1958 ساحة تنافس غير متكافئ بين الشاه الأقوى نفوذاً في الخليج، وجمال عبد الناصر الأقوى نفوذاً في المقلب الآخر. فرّق بينهما انتساب الأول إلى قومية فارسية حليفاً لإسرائيل وأميركا، والثاني إلى قومية عربية عدوة لهما. كان شمعون رجل المواجهة في لبنان، لا الشاه. أما عبدالناصر فقاد تحالفاً مناوئاً لحلف بغداد مع السعودية وسوريا. انتهى الأمر بلبنان، وقد أضحى جزءاً من صراع المحورين، إلى دوافع محلية، إلى «ثورة 1958». بطي صفحتها كسب الزعيم المصري رهاناً هو خروج البلد الصغير من فلك إيران وتركيا إلى آخر ناصري. وازنت علاقة شمعون بالشاه علاقة دينية وثقافية بين شيعة البلدين، وتجارية بين إيرانيين ورجال أعمال مسيحيين لبنانيين، إلى مساعدات ومنح دراسية. ولأن السياسة الخارجية للرئيس أثارت انقساماً وطنياً، أضحت صورة الشاه مناقضة لتلك التي لعبدالناصر وملك السعودية سعود. وخلافاً لمصر، لم تتدخّل إيران عهد ذاك في الحياة السياسية اللبنانية في ظل شمعون حليفها القوي، مكتفية عن بعد بمقاومة المدّ الناصري.
أفضى انتخاب فؤاد شهاب رئيساً عام 1958 إلى برودة في علاقات البلدين، وقد أضحى الدور الناصري في صلب السياسة الخارجية للحكم اللبناني. في اجتماعهما في خيمة عند الحدود اللبنانية ـ السورية يوم 25 آذار 1959، اتفق شهاب وعبدالناصر على تعاون متبادل: تنسّق الديبلوماسية اللبنانية مع مصر دعماً لسياستها العربية والدولية، ولا يدخل لبنان في أي محور عربي أو دولي مناوىء أو يعرّض المصالح المصرية لخطر. في المقابل يؤيد عبدالناصر سياسة شهاب في حكم لبنان. ونتيجة لمعادلة لبنانية تقليدية مقدار ما هي تاريخية تقول بتأثر التوازن الداخلي بالتوازن الإقليمي، انكفأ نفوذ إيران في لبنان بعدما خسر الشاه حلفاءه: قتل ملك العراق فبصل بن غازي، وأصبح الأردن محاصراً بين فكي الجمهورية العربية المتحدة. ولم يعد لإيران إلا دور أمني محدود عبر رجال استخباراتها تعقبته بفاعلية الشعبة الثانية اللبنانية الوثيقة التعاون مع الإستخبارات المصرية في السفارة المصرية في لبنان، وتحت مظلة عبد الحميد غالب.
في عهدي شهاب وخلفه شارل حلو نشط معارضون للشاه، فاتهم الأخير السلطة اللبنانية بحمايتهم وتسهيل تحرّكهم ضده، ممتنعة عن تسليمهم. قاد ذلك، للمرة الأولى في تاريخ البلدين، إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بسبب لجوء أول رئيس لجهاز السافاك هو الجنرال تيمور بختيار إلى لبنان عام 1969. بعدما عزله الشاه من منصبه اختار بختيار جنيف منفى أجرى عبره اتصالات مع معارضين إيرانيين في أوروبا والعراق ولبنان، كان أبرزهم الإمام الخميني. صدرت مذكرة باعتقاله ففرّ إلى العراق ومنه إلى لبنان.
أغضب تسهيل الحكومة اللبنانية إقامته الشاه الذي طالب بتسليمه. بات الرجل في حماية غير مباشرة للسفارة المصرية تعبيراً عن حجم الصراع المصري ـ الإيراني. رفض لبنان تسليمه انسجاماً مع موقفه بعدم تسليم لاجئين سياسيين، وسرعان ما وعد بالتسليم بعد تلاحق جهود ثم أخلّ، فقطعت إيران علاقاتها الديبلوماسية به. عندئذ طُلب من بختيار مغادرة لبنان.
بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1970، إيذاناً بانتقال البلاد من الشهابية إلى خصومها، سعى سليمان فرنجية لإعادة علاقات البلدين إلى طبيعتها. في مناسبة انعقاد مؤتمر وكالات الأنباء الإسلامية في طهران، ذهب وفد لبناني للمشاركة في أعماله ضم مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية محمد صبرا والسفير فؤاد الترك والمدير العام لوزارة الإعلام رامز خازن. على هامش المؤتمر فاتح الوفد مسؤولين إيرانيين أبرزهم رئيس الوزراء أمير عباس هويدا في معاودة العلاقات الديبلوماسية، وخلص الى ترحيب إيراني إيجابي. لكن مدخل خطوة كهذه، وفق ما أسرّ به مسؤولون إيرانيون هو أن زيارة شمعون لطهران تساعد على ذلك. فور عودة الوفد استجاب فرنجيه الشرط وخابر سلفه: «هل ترغب في رحلة صيد؟ حضّر نفسك. ينتظرونك في إيران على رحلة صيد». ذهب الرئيس السابق فصدر على الأثر بيان مشترك أعلن عودة العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وإيران. عندما قدّم السفير اللبناني الجديد خليل الخليل نسخة من أوراق اعتماده إلى نائب وزير الخارجية أحمد مير فندريسكي، أيلول 1971، بادره الأخير، في انتقاد حاد للموقف اللبناني من بختيار: «الدول كالأشخاص. عندما يخطىء الشخص يقتضي أن يعتذر. كذلك الدول». في 7 كانون الأول 1978 خلفه فؤاد الترك آخر سفراء لبنان في الإمبراطورية الفارسية، وأولهم في الجمهورية الإسلامية. ثم جعفر معاوية الذي شهد إيران أخرى، غير مألوفة ومثيرة للجدل والخلاف، غير مسبوقة في التعامل مع الدول وفي التحدي السافر الواثق: عمامة تحجب الوجه، تحمل بندقية في لبنان وتقاتل إسرائيل وأميركا وفرنسا والغرب، وتصطدم بحكم أمين الجميل وتناوئه وتجعله عدواً لها. تنجب تنظيماً سرياً غامضاً يخطف رعايا أجانب ويحيل لبنان مرتع إرهاب. آنذاك كان منصور قدر آخر سفراء الشاه في لبنان، فخلفه أول سفراء الجمهورية الإسلامية فخر روحاني.
عام 1979 تحوّلت الإمبراطورية الفارسية جمهورية إسلامية. وُلِدت جعفرية إثني عشرية في السنة 2508 لولادة الإمبراطورية المتهاوية. انبثقت دولة إسلامية شيعية هي الأولى المجاورة لدولتين سنيتين هما السعودية وتركيا. كانت أيضاً دولة مذهبية جديدة في الشرق الأدنى في سلسلة ضمت دولاً عربية وتركيا وإسرائيل.
عاد الدور الإيراني إلى لبنان بعمامة. في حزيران 1982 بعد مواجهة عسكرية جوية بين إسرائيل وسوريا إبان الإجتياح الإسرائيلي، أرسلت إيران إلى حليفتها سوريا 1800 متطوّع يعملون تحت قيادة «الحرس الثوري» لقتال تصوّروا أن هذه ستدخله في مواجهة الدولة العبرية. بعد أسابيع من الإنتظار والتظاهر في شوارع دمشق تنديداً بإسرائيل، نقلتهم سوريا إلى لبنان. أقاموا معسكرات تجنيد متطوعين لبنانيين وغير لبنانيين وتدريبهم وتسليحهم لمقاتلة إسرائيل، سرعان ما أضحى عددهم 10000، ما لبث أن أكد مسؤول إيراني هو علي رضا المحايري في 24 أيار 1986 أن نشر «الحرس الثوري» في البقاع، متخذاً من ثكنة الجيش في بعلبك مقراً، هو باتفاق عسكري بين سوريا والجمهورية الإسلامية التي وضعت المتطوعين في تصرّف الجيش السوري. تدريجاً راحوا يتدفقون على الضاحية الجنوبية. كان لهذا الهدف وجهان: أحدهما تصدير الثورة الإسلامية إلى بلد هو الأضعف بين جيرانها وجيرانه، والأبعد، والأضعف من أن تهضم بنيته الطائفية والسياسية ثورة إسلامية من دون أن ينفجر. والآخر مواجهة القوة المتعددة الجنسية وإخراجها من لبنان توطئة لدور إيراني عقائدي وعسكري لاقى دمشق في المطالبة بإلغاء اتفاق 17 أيار لإعادة بناء توازن جديد في لبنان. مدينة لسوريا بتأييدها في حربها مع العراق، أحالت إيران الشيعة اللبنانيين في صلب الخيارات الاستراتيجية والسياسية لسوريا في لبنان. وعلى نقيض تجربة التاج، خاضت العمامة في لبنان مواجهة مباشرة مع الغرب رمت كذلك إلى تحديد دور وموقع مختلفين لهذا البلد.
بعد تفجير السفارة الأميركية في المنارة يوم 17 نيسان 1983، استهدف تفجير ضخم في 23 تشرين الأول ثكنتي جنود أميركيين في المطار وفرنسيين على طريق الشام أوقع ما يزيد على 300 قتيل، أمهلت حكومة شفيق الوزان إيران سحب متطوعيها في ثلاثة أيام ملوّحة بقطع العلاقات الديبلوماسية. فعلت كذلك مع ليبيا. لم تستجيبا. للمرة الثانية سنتذاك تقطع العلاقات الديبلوماسية اللبنانية ـ الإيرانية. بعد سقوط السلطة المركزية للجميل عام 1984 وتأليف حكومة رشيد كرامي ممثلة توازناً سياسياً جديداً قبضت عليه سوريا، استؤنفت علاقات البلدين. أما ألوف «الحرس الثوري» فكانوا لا يزالون في لبنان. ابتهج الشيعة بالدور الجديد لطهران وسلّموا به بعد نزاع سوري ـ إيراني مرير عبّر عنه اقتتال حركة أمل وحزب الله عام 1985، وقلق منه المسيحيون إذ وجدوا فيه تهديداً، أما السنة فلاذوا بحليفتها سوريا لحمايتهم.
حجب الوجود العسكري السوري في لبنان منذ النصف الثاني من الثمانينات نفوذاً إيرانياً كان ينمو تحت سطح الماء عبر تنظيم كان يُربّى في السرّ في ظل دعم ديني وعقائدي ومالي واجتماعي وعسكري هو حزب الله الذي أضحت علاقته بالجمهورية الإسلامية عضوية. كان جزءاً من تفاهم يقضي بأن تكون دمشق واسطة العقد بين طهران والحزب والبلد الصغير المفكك المنقسم على نفسه. حظيت سوريا بمساعدات خيالية من إيران نفطاً ومالاً وأسلحة في مقابل رعايتها حزب الله وتسهيل مدّه بسلاح إيراني، رأس حربة حقبة المتشددين الإيرانيين في الثمانينات رَمزَ إليها تزعّم الشيخ صبحي الطفيلي. كانت مقاومة إسرائيل وظيفة في سلسلة للحزب بينها نشر نفوذ ديني وعقائدي وسياسي إيراني في لبنان. في مطلع التسعينات كان التحوّل مع السيد حسن نصرالله. عند خط فاصل بين إيران شيعية وعالم عربي سني وأميركا براغماتية. استعادت سوريا سيطرتها على لبنان وفق معادلة معقدة: سلّم الأميركيون بوجودها في لبنان، وترك لها العرب تنظيم حكمه باتفاق الطائف، وعبر في ظلها ومن خلالها النفوذ الإيراني. وهكذا استقرت علاقات لبنانية ـ إيرانية راقبت دمشق إدارتها من غير أن تثقل على مصالحها أو تقيّدها: مراعاة المصالح الاستراتيجية لطهران في لبنان (وهي نفسها في توازنات تلك المرحلة لحافظ الأسد)، والتفاصيل اللبنانية لدمشق.
بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 وانهيار دور دمشق بنشوء أكثرية نيابية وسياسية مناوئة لها، أضحت إيران في واجهة سجال داخلي حول صراع إقليمي عمره من عمر التاج، يمر بلبنان وسوريا والعراق، وفحواه أن تكون دولة إقليمية كبرى.
أختري: طهران ليست ناخبة في لبنانli> كيف تُرسم ملامح الدور الإيراني في لبنان اليوم؟
ــــــ العلاقات اللبنانية الإيرانية تنبع من رؤية الجمهورية الإسلاميّة لقضايا لبنان والعالم الإسلامي. منذ انتصار الجمهورية الإسلاميّة بدأت علاقات جديدة مع لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أن علاقات البلدين حتى في عهد الشاه كانت جيّدة. وكانت إيران آنذاك تهتم بلبنان، والسفراء الإيرانيون كانوا قديرين وخبراء وسياسيين، لأن وجودهم في لبنان كان يقتضي ذلك. بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، ومع حصول مشاكل داخلية في لبنان نظرت إليه الجمهورية الإسلاميّة كبلد شقيق، وكان شعبا البلدين على علاقة عميقة منذ قرون. حتى العلاقات الدينية كانت كذلك. علاقات المسيحيين اللبنانيين مع المسيحيين الإيرانيين كانت جيدة، وهي حال علاقات المسلمين اللبنانيين مع الإيرانيين.
ــــــ حتى على المستوى السياسي كانت الأدوار جيدة، كما كانت الأدوار الثقافية والشعبية، وتطورت بعد انتصار الثورة الإسلاميّة ثم بعد احتلال إسرائيل لبنان احتلت معظم أراضيه في مرحلة الحرب المفروضة عراقياً على إيران. مع ذلك نادى الإمام الخميني قدّس الله نفسه الزكية بضرورة دعم لبنان وحمايته ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي لاراضيه، فخرجت مجموعة من الشباب الذين كانوا قد دربوا في تلك الآونة للدفاع عن الجمهورية الإسلاميّة وكنّا نسميهم الباسيدج، أي التعبئة العامة تحت قيادة الحرس الثوري الذين حاربوا في إيران ضد الحرب المفروضة. أتى قسم من هؤلاء إلى لبنان لمساندة الشعب اللبناني بتنسيق مع الإخوة في سوريا وباهتمام الرئيس حافظ الأسد دفاعاً عن لبنان وشعبه. وبتنسيق بين الدولتين جاءت إلى لبنان المساعدات اللازمة، وكانت مواجهة الاحتلال موفقة، وخلال شهرين (أرغم اللبنانيون العدو الصهيوني على الانسحاب من عدد من المناطق اللبنانية). في هذه المرحلة تطورت علاقات البلدين. عام 1986 اندلعت حرب المخيمات فاتخذت منها الجمهورية الإسلاميّة موقف الوسيط الحيادي العامل على جمع طرفي النزاع، وكانت هذه بداية مسؤوليتي في سوريا التي وصلت إليها سفيراً في أوائل نيسان 1986. وحاولت الجمهورية الإسلاميّة منع تحول حرب المخيمات فتنة سنيّة ــــــ شيعيّة ونجحت في هذا التحرك، واجتمع في دمشق ذلك الحين ممثلون عن الجمهورية الإسلاميّة وسوريا وليبيا عملوا على تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية والإخوة في حركة أمل. على امتداد ستة أشهر كنا نعمل ليل نهار لذلك. حضر عبد السلام جلود عن ليبيا وحسين شيخ الإسلام معاون وزير الخارجية، وعقدنا اجتماعات في دمشق وأخرى في بيروت. وحصل تحول جديد في العلاقات بين البلدين، وكان الشعور لدى اللبنانيين أن ليست للجمهورية الإسلاميّة أطماع في لبنان.
ــــــ هذا الأمر كان مرفوضاً تماماً منذ البداية من الجمهورية الإسلاميّة ومن المسؤولين فيها. وهذه الدعوة أطلقها بعض الأشخاص الذين لهم علاقة مع الجمهورية الإسلاميّة، لكن ليس على مستوى المسؤولية السياسية، كما أن تصرّفاتهم لم تكن مسؤولة. لقد طرحوا فكرة ليس إلّا. ولا أذكر أن هؤلاء عندما طرحوا هذا الموضوع طرحوه باسم الجمهورية الإسلاميّة. هم طرحوا الفكرة من عندهم. وطبعاً كانوا مخطئين. وكان هذا موقفي أنا عندما جئت إلى لبنان وعلمت بالأمر. حتى عندما وصلت إلى سوريا وسمعت بهذا الطرح استغربت لأني كنت أعرف لبنان منذ عام 1986 وفي أيام الإمام موسى الصدر، وكنت أعرف الخريطة الدينية في لبنان، وكذلك الخريطة السياسية. وكنت أدرك أن هذه النسخة، أي الجمهورية الإسلاميّة، لا يمكن تطبيقها في لبنان لأن واقع هذا البلد لا ينسجم مع هذه الفكرة، لذلك أقول إنها فكرة مرفوضة ولم نؤيدها مرّة في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية التي لم تكن بقيادتها وحكومتها وشعبها تفكر يوماً في موضوع جمهورية إسلامية في لبنان.
ــــــ لا أعتقد أنها ناخبة أو حتى مريدة في تنظيم الوضع السياسي أو الحكومي ولا حتى في إطار تأليف الحكومة في لبنان. وكما قلت انها ساندت الشعب اللبناني، وان رؤيتها في السياسة الخارجية هي عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لدول أخرى. هي تدعم المظلومين وتقف إلى جانبهم، وإن لم يكونوا مسلمين، وقد سرنا على هذا الطريق منذ انتصار الجمهورية الإسلامّية حتى اليوم.
أيّدنا مقاومة دول واحزاب ضد الظلم وقدمنا لهم مساعدات انسانية. وكذلك في لبنان وافغانستان والعراق في الظرف الحالي. في لبنان، الآن وقبل ذلك، لم تطالب الجمهورية الإسلاميّة بأمر خاص. لكنها كانت تقول دائماً إن ما يتفق عليه اللبنانيون نؤيده. إلاّ أن علينا ألا نغفل أن هناك مسلمين في لبنان، وأيضاً شيعة لبنانيين، اتخذوا كسائر المسلمين في العالم من الثورة الإسلاميّة مشعلاً لهم واعتبروا الامام الراحل الخميني إماماً لهم وشعروا بأن في نفوسهم أملاً جديداً ورجاء خاصاً في الوصول إلى اهدافهم وهويتهم الإسلاميّة التي كانت مهملة في كل الدول الإسلاميّة.
ــــ لم يكن سماحة القائد (خامنئي) ينظر إلى لبنان كبلد مسلم، وإنما إلى لبنان كما هو، بلد مسلم ومسيحي في آن. وعندما نقول اننا ندعم لبنان، لا نميز ولا نفصل بين المسيحيين والمسلمين، بل نحن إلى جانب لبنان ككل.
نحن مع لبنان المستقل، وضد الاحتلال السياسي للبنان من اي جهة أتى، ولا تريد إيران بذلك لنفسها التأثير في لبنان او السيطرة. الجمهورية الإسلاميّة لا تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية على أن يكون معها أو على علاقة بها، لا. ليس ذلك، وإذا كان المقصود أنها تختار أحداً أو تؤيد مرشحاً للرئاسة اللبنانية، فأقول إنه ليس لإيران أيّ مرشح للرئاسة في لبنان. بل هي تدعم من يختاره الأفرقاء اللبنانيون، وهي تؤيّد من يختاره الموالون والذين على علاقة طيّبة بها كأركان المعارضة ووفق اختيارهم. ليس للجمهورية الإسلاميّة أن تختار بين المرشحين.
ـــ كما قلت نحن نعارض سيطرة اميركا وضغوطها، وحتى أيّ بلد آخر. نحن نقول اتركوا هذا الشعب يختار رئيسه. وهذا ما نريده ونعتقد به.
ــــــ كانت الجمهورية الإسلاميّة ترى سوريا صديقة للبنان وشقيقة له، وان التعاون المشترك الإيراني ــــــ السوري يخدم لبنان، وهو كذلك مفيد للحؤول دون نشوب ايّ مشكلة داخلية أو خارجية في هذا البلد. ولن تختلف علاقتنا بلبنان بين ما كانت قبل خروج سوريا من لبنان وبعد خروجها. لسنا نحن من تغير، بل إن المعارضة التي تضم حزب الله وحلفاءه المسيحيين والمسلمين خرجت بعد الحرب الإسرائيلية في تموز قويّة من جرّاء المقاومة الباسلة للعدوان الاسرائيلي الوحشيّ. هذه المعارضة هي التي ظهرت قوية وحضورها أوضح، والناس شعروا بأن هذه القوى هي التي تدافع عن حقوقها ومصالحها وكيانها، أي إن الجمهورية الإسلاميّة ليست هي التي ضاعفت حضورها، بل فريق المعارضة، ولا أوجدت طهران ميدان عمل جديداً. بل إن التواصل اللبناني ــــــ الإيراني الرسمي تراجع في هذه الآونة.
لم تحاول الجمهورية الإسلاميّة كسب شيء جديد في لبنان. هذا غير صحيح. لبنان هو للبنانيين، وهم عندما يتحاورون نؤيد حوارهم، ونحن مع اتفاقهم واجتماعهم على رأي واحد. ما يقرّرونه نحن معه وهذا هو منطقنا.
ــــــ هناك خلط بين موضوعي الدعم الشعبي والمساندة والمساعدات الإنسانية. بالنسبة إلى حزب الله، نعم ان الجمهورية الإسلاميّة كانت تدعمه ولا تزال تدعمه، وكانت تساعد الشعب اللبناني، وقد تعهدت تنفيذ عدد من المشاريع في لبنان واعادة البناء. وكانت إلى جانب لبنان في الظروف الصعبة؟ لكن موضوع السلاح يختلف كثيراً. نحن نعرف ان هناك حظراً كبيراً على تهريب السلاح إلى لبنان، ولا يمكن الجمهورية الإسلاميّة ايصال السلاح إلى لبنان. وفي ايام حرب تموز التي فرضتها اسرائيل على لبنان كانت الطائرات المدنية ترغم على الهبوط في تركيا لتفتيشها ولم يكن فيها ما يبحثون عنه، اي السلاح. ولا نظن ان حزب الله الآن في حاجة إلى ان تموّله الجمهورية الإسلاميّة بالسلاح.
ــــــ ليس لدينا رأي خاص في هذا الموضوع. نحن نؤيد رأي الفريق اللبناني. المعارضة تطالب في الوقت الحاضر بمعادلة 19 + 11، ونحن نقول ان هذا مطلبها.
ــــــ نحن نؤيد ذلك. واذا نظرنا سياسياً إلى المعارضة، فإن هذه الفئة ينبغي ان يكون لها حصة أكبر من ذلك إذا اعتمدنا المعايير الديموقراطية.
ــــــ بالتأكيد لا.
ــــــ بالتأكيد هو رئيس شرعي للبنان.
ــ إذا كان هذا صحيحاً، فإن الجمهورية الإسلاميّة جاهزة لبذل كل جهدها لحل المشكلة في لبنان، وقد أبدت استعدادها، لكن بحسب ما رأينا خلال الفترة الاخيرة ان بعض الجهات اللبنانية لا تصغي إلى السعودية لأننا، كما نعرف، وقبل حرب تموز، حصل اجتماع في الرياض والتقى النائب سعد الحريري ووفد حزب الله وحركة أمل واتفقوا على مشروع حل لم ينفذ. وكذلك في محادثات الدكتور لاريجاني مع المسؤولين السعوديين، فإنهم أبدوا توافقهم مع الجمهورية الإسلاميّة على بعض مطالب المعارضة، ثم تراجع عنها السعوديون. وكان سبب هذا التراجع أن جماعاتهم في لبنان لم يوافقوا على هذه المطالب.
ــــــ لست ادري الاسباب بدقة، لذلك لا اؤيد القول إن الجمهورية الإسلاميّة والسعودية اذا اتفقتا تحل كل المشكلة. هناك اتجاهات لبنانية لا تنظر إلى مصلحتها، كما ان هناك جهات خارجية وخاصة اميركا تقف عقبة امام الحل.
وكما سمعنا هذه الايام ان اميركا صرحت بأن اسرائيل كانت تطالبها بوقف للنار وكانت واشنطن ترفض، كذلك الآن هناك اتجاهات لبنانية موافقة على الحل بينما اميركا غير موافقة وليس لها مصلحة فيه، اميركا هي المشكلة في لبنان.
الشيخ محمد حسن أختري سفير إيران في سوريا ومدير مكتب العلاقات الدولية في مكتب قائد الثورة الإسلامية. أمسك الملف اللبناني في «حرب المخيمات» بين حركة «أمل» والفصائل الفلسطينية، في بداية عمله سفيراً لإيران في دمشق عام 1986، وبقي في المنصب حتى عام 1998. عاد إليه قبل سنة وثلاثة أشهر. أقام في لبنان بين 1969 و1972 كأحد وجوه معارضة لنظام الشاه