يختصر عدم الاعتراف الرسمي بشهيد الاستقلال الوحيد سعيد فخر الدين أزمة الهوية التي يعشيها لبنان في الذكرى الـ66 لاستقلاله. في المكان الذي استشهد فيه عشب أخضر زرع حديثاً والحجر الأساس لنصب تذكاري لم يبصر النور بعد
بسام القنطار
«تبع القومية ؟» العبارة لموظف في القصر الجمهوري، رداً على استفسار «الأخبار» عن أسباب عدم إدراج فرع المراسم والعلاقات العامة في المديرية العامة لرئاسة الجمهورية شهيد الاستقلال الوحيد، سعيد فخر الدين، على لائحة «رجالات الاستقلال» الذين سيتولى ممثّلون عن الرؤساء الثلاثة زيارة أضرحتهم لوضع أكاليل زهر لمناسبة العيد الوطني.
يصمت الموظف لدقائق قبل أن يجيب: «سيقوم محافظ الجنوب، مالك عبد الخالق، بوضع إكليل زهر على ضريحه يوم الأحد المقبل (غداً)». ولكن لماذا لم يذكر هذا الأمر في القرار الرسمي الصادر عن القصر الجمهوري؟ يلوذ الموظف بالصمت نافياً علمه بالسبب.
الجواب عن هذا السؤال عند جمال عمّار رئيس بلدية عين عنوب، مسقط رأس فخر الدين. يقول عمّار: «للأسف جرى تجاهل هذا الشهيد منذ فجر الاستقلال، وحتى المرسوم الجمهوري الذي صدر عام 1945 بمنحه ميدالية الجهاد الوطني، ذكر أنه من أهالي بشامون، علماً بأنه ابن بلدتنا ونفخر به ونعتز». يضيف «ستقوم لجنة تكريم الشهيد فخر الدين بزيارة القصر الجمهوري لكي يُتّخذ قرار رئاسي بالاعتراف رسمياً بالشهيد باعتباره من رجالات الاستقلال. وللأسف، حتى اليوم لا يُدرج اسمه على لائحة المكرّمين سنوياً، وتُصدر مذكرة بوضع إكليل على النصب التذكاري بعد تدخلات سياسية وحزبية».
«الأخبار» زارت المكان الذي استشهد فيه فخر الدين بالقرب من سنديانة شاهقة ما زالت قائمة حتى اليوم شرقي الطريق، حيث وقف سعيد فخر الدين خلف متاريس أقامها حرس الحكومة الشرعية في بشامون لمواجهة قوات الانتداب الفرنسي التي كانت تسعى لاعتقال رجالات الاستقلال المتحصّنين في منزل لآل الحلبي. لوحة يتيمة مهملة تؤرّخ للشهيد كتب عليها: «هنا سيقام النصب التذكاري للشهيد سعيد فخر الدين»، ويبدو واضحاً أنه أُحضر إلى المكان، منذ فترة قصيرة، عشب «غازون» جاهز وزرع تمهيداً لوضع الإكليل الرسمي يوم الأحد المقبل.
عادل قائد بيه الذي كان في الثانية عشرة من عمره في معركة الاستقلال، شاهد سعيد فخر الدين لحظة استشهاده بعدما أصيب برشق على طول ظهره، ويروي «أنه بعد انسحاب المصفحات، هرع رفاقه ولفّوه بلحاف ثم حملوه على باب خشبي عتيق واتجهوا به نزولاً عسى أن يصلوا به إلى الشويفات، لكنه كان قد لفظ أنفاسه وهو في الطريق إليها، فعادوا به ودفنوه في مأتم متواضع جداً».

سعيد فخر الدين يختصر أزمة الهوية وأزمة كتاب التاريخ في لبنان

ويخبر عمّار أنه منذ تولّيه منصبه في رئاسة البلدية يسعى إلى إقامة نصب تذكاري للشهيد عند مدخل بلدة عين عنوب، وتحديداً عند التقاطع الذي يصل بشامون بعيتات وعيناب وبشامون. يضيف «سيقام التمثال بالقرب من المكان الذي استشهد فيه، على قطعة أرض قدّمتها البلدية، كما قام المجلس البلدي بتكليف الدكتور منير مزهر بتصميم تمثال لفخر الدين من البرونز بارتفاع 6 أمتار، ومن المتوقع أن ينجز هذا قبل شهر حزيران المقبل». ويردف عمّار «النصب التذكاري إنجاز مهم وسيُستكمل، لكن في البداية علينا أن نصحّح خطأين فادحين: الأول هو المرسوم الجمهوري عام 1945 الذي نسب فخر الدين إلى أهالي بشامون، والثاني عدم إدراج اسمه دائماً في المراسيم الجمهورية التي تصدر لتكريم رجالات الاستقلال في 22 تشرين الثاني من كل عام».
بدوره، يشدد مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقة عالية، حسام العسراوي، على ضرورة أن تتحمل كلّ من البلدية والحكومة الدور الكامل في تكريم هذا الشهيد. ويتابع «صحيح أن سعيد فخر الدين كان من الحزبيين البارزين في مديرية عين عنوب، لكنه في النهاية شهيد للوطن وليس شهيد الحزب القومي فقط». أضاف العسراوي «بعدما غابت الدولة اللبنانية عن واجب التكريم، عادت في عهد الرئيس السابق إميل لحود لتبدأ بتكريس عرف يقضي بتكريم الشهيد في يوم الاستقلال من كل عام، وإن كان هذا التكريم لم يعتمد بعد بصورة رسمية». وختم العسراوي «سعيد فخر الدين يختصر أزمة الهوية وأزمة كتاب التاريخ في لبنان، ولو كان في دولة تحترم شهداﺀها وتقدّسهم لكانت صورته تزيّن الدوائر الرسمية واسمه يزيّن الطرقات والمؤسسات».