شهد لبنان ومخيّماته، أمس، تظاهرات مندّدة بما تتعرض له مدينة القدس والأقصى من انتهاكات على يد العدو الصهيوني. في بيروت اجتمعت الأحزاب اليساريّة والإسلاميّة للتنديد بافتتاح كنيس الخراب، وأعلنت «يوم غضب مفتوح». بينما في صيدا، بوابة المقاومة، لم يتعدّ عدد المشاركين في اعتصامٍ لأجل القدس المئة، أما في الشمال فقد اعترض بعض المشايخ على المفتي «الذي لم يهاجم الموقف الأميركي، بل استنكره».
قاسم س. قاسم
سار الجميع بحماسة في التظاهرة التي دعت إليها الأحزاب والقوى اللبنانية والفلسطينية لنصرة القدس، مرصوصي الصفوف. آلاف مؤلفة من اللبنانيين والفلسطينيين اتجهوا يغذّون الخطى، من الباشورة إلى الإسكوا، ولو أن القلوب كانت تتمنى الوصول إلى الأقصى. لكن، كما في كل ليل عربي، كذلك هنا، غنّى الجميع، لكن كلّ على ليلاه. هكذا، وبدلاً من شعارات موحدة وهتافات متفق عليها مسبقاً كما يحصل عادة في التظاهرات المنظمة جيداً، ردد مناصرو الأحزاب المشاركة كل شعاراتهم الخاصة. فاليساريون نددوا بالرؤساء العرب المرتشين: «يا للعار ويا للعار باعوا الأقصى بالدولار»، ليصرخ القوميون الاجتماعيون: «زوبعة هبّت من النار لتشّق طريق الأحرار»، بينما وعد أنصار حزب الله القدس بأنهم قادمون، ويردد خلفهم مناصرو جمعية المشاريع: «خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود». لكن، أغرب الشعارات كانت تلك التي أطلقها مناصرو حركة أمل الذين صرخوا بحياة «أبو عمّار أبو عمار»، تتعجب إلى درجة أنك تلتفت إلى أحدهم، سائلاً عن سر هذا الهتاف، فقال أحد الشبان وهو يضحك: «ولك أحسن من هيدا» في إشارة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. هكذا، استطاع المسجد الأقصى، بما هو قضية قومية ووطنية ودينية في آن، أن يجمع الأضداد. فهو بالنسبة إلى اليسار قضية إنسانية بحتة يجب التضامن معها. أما بالنسبة إلى الأحزاب الإسلامية المشاركة فهو «آية في القرآن»، كما قال المسؤول السياسي في حركة حماس في لبنان، علي بركة. هكذا، حضر اليسار العلماني بأعلامه الحمراء وشعاراته الخاصة. الفصائل الفلسطينية حضرت هي الاخرى بأعلامها وقياداتها، باستثناء قيادات الصف الأول في حركة فتح التي حضرت بأعلامها الصفراء التي رفعها بعض المشاركين. شكلت ألوان الأعلام المرفرفة للأحزاب والفصائل المشاركة، في فضاء المنطقة، لوحة فسيفسائية كبيرة، ضمت في تفاصيلها الصغيرة تناقضات عقائدية وأحزاباً متخاصمة سياسياً، ربما كان من الصعب جمعها في لوحة أصغر. ففتح وحماس اللتان تعمل الدول جاهدة لجمعهما على طاولة حوار فلسطينية، جمعهما الأقصى من دون الحاجة إلى دعوة موجهة من وسيط عربي. الأحزاب المختلفة عقائدياً مثل الأحزاب الإسلامية ونظيرتها اليسارية حضرت هي الأخرى لتتضامن مع الأقصى، كل وفق مفهومه الخاص. هكذا، التصقت أعلام فتح الصفراء بأعلام حماس الخضراء، وبينهما كانت أعلام الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة السوداء. منظر دفع بعض المتظاهرين للمطالبة بـ«الوحدة وحدة وطنية فتح وحماس وشعبية».
بدلاً من الهتافات المتفق عليها مسبقاً ردد مناصرو الأحزاب المشاركة شعاراتهم الخاصة
كما التصقت أعلام حزب الله الصفراء مع أعلام الحزب التقدمي الاشتراكي الحمراء، ليغيب عن لوحة الأعلام الملونة العلم الفلسطيني الذي رفرف هنا وهناك في أماكن متباعدة من التظاهرة، بين أعلام الأحزاب والفصائل. تنطلق المسيرة، تختلط الأخوات بالرفيقات، ويرفع «حاج» من هنا علماً فلسطينياً كبيراً مع رفيق من هناك. هكذا، اختلط الحابل بالنابل أمس، لكنها خلطة طيبة، الأهم كان القضية التي لأجلها حضر المعتصمون. فبالنسبة إلى بيان أبو زور العضو في منظمة الشباب التقدمي «قضية فلسطين هي قضيتنا، ولا يمكن أحداً أن يزايد علينا في هذا الخصوص». أما بالنسبة إلى جورج ح. المناصر لتيار المردة، والذي رفض الكشف عن اسم عائلته، فإن «فلسطين هي قضية العرب وقضية شعب محاصر يجب التضامن معه»، كما يقول. تصل التظاهرة إلى الإسكوا، يتقدّم سيف الدين موعود ليلقي كلمة المنظمات الشبابية والطلابية اللبنانية والفلسطينية، التي اعتبر فيها أن «ما يدور في القدس اليوم ليس صراع حجارة، بل هو صراع حضارة». ثم ألقى النائب علي حسن خليل كلمة الأحزاب اللبنانية، فشدد على «إعلان يوم غضب مفتوح نصرة للقدس والأقصى»، مطالباً القادة العرب في قمتهم المقبلة بوقف التفاوض مع إسرائيل، ومشيراً إلى أن «اجتماعنا اليوم هو لإعلان مشروع الغضب في وجه إسرائيل وفي وجه كل المستسلمين». من جهته، طالب المسؤول السياسي لحركة حماس، علي بركة، حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بالجلوس على «طاولة الحوار، معتمدين على خيار المقاومة، لأن مفاوضات 19 عاماً لم تسفر سوى عن مزيد من الحصار والاستيطان». ورأى بركة أن إسرائيل «أرادتها حرباً دينية، فلتكن، ونحن لها». وطالب القادة العرب في قمتهم المقبلة «بتشكيل وفد قيادي لكسر الحصار عن غزة».
أما في صيدا (خالد الغربي) فلم يرتق الحشد المشارك في الاعتصام، الذي دعا إليه اللقاء اللبناني الفلسطيني، إلى المستوى الذي كان يأمله المنظمون، والذي لم يزد على المئة شخص. وقال رئيس بلدية صيدا في كلمته إن الدعوة للحوار هي دعوة مشبوهة في توقيتها ومحاولة للالتفاف على خيار المقاومة. واختتم الاعتصام بكلمة للنائب السابق أسامة سعد الذي دعا إلى التمسك بسلاح المقاومة في لبنان، وإلى بثّ ثقافة المقاومة في وجه ثقافة الانهزام.
وفي دار الإفتاء في طرابلس (عبد الكافي الصمد) عقد لقاء تضامني بدعوة من مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، وقد انسحب منه عدد من المشايخ الذين حضروه، منهم الشيخ إبراهيم الصالح الذي أوضح لـ«الأخبار» أنه فعل ذلك لأن الشعار «لم يطالب بفتح الحدود فوراً مع قطاع غزة، وإزالة الجدار الفولاذي، ولأنه لم يهاجم الموقف الأميركي، بل استنكره فقط، برغم أن الموقف الأميركي عدائي جداً تجاه فلسطين وقضايا العرب والمسلمين». ويقيم حزب التحرر العربي الساعة الخامسة بعد ظهر اليوم المهرجان التضامني الكبير، بحضور رئيس الوزراء السابق عمر كرامي، وذلك في قاعة المؤتمرات في معرض رشيد كرامي الدولي.