تنطلق كلماتهم من خلف القضبان. تحكي واقعاً يرون أنه يعبّر عنهم. شبان وسجناء تعاونوا موسيقياً، أنتجوا «أغاني راب»، هكذا استحال كلام السجن أغاني ملحّنة تُسجّل في السجن، يؤدي بعضها سجناء، أما الفرقة فتُعرف بـ«إرهاب»
رضوان مرتضى
«من ورا الحديد» هو الألبوم الأول. سُجّلت الأغنيات داخل سجن رومية بعدما أُدخلت أجهزة التسجيل بـ«قدرة قادر». الكلمات وضَعها سجناء، استوحوها من أحداث السجن اليومية. رأوا فيها تعبيراً عن واقعهم ووسيلة لملء فراغ كاد أن يقتلهم. أرادوها رسالة من خلف القضبان لإيصال صوتهم. ركّبوا كلام الأغنيات من مصطلحات يتداولها السجناء يوميّاً. أما الألحان فاستقدموها من خارج الأسوار حيث الحريّة. أرسلها أحد أعضاء الفرقة، وهو منتج موسيقي رفض الإفصاح عن اسمه، مكتفياً بذكر اسمه الفنّي «فَرد».
«بدأت الفكرة قبل سنوات فبُدئ التحضير لها» يذكر «فرد»، أما كيف جرى التنفيذ؟ يقول صاحب الألحان لـ«الأخبار» إن «السجين عبدو ل. الذي قاد التمرّد الأخير في رومية، تعرّف الى السجين طوني خ. الذي أخبره أنه يعرف مهندس صوت، عارضاً عليه فكرة تسجيل كلماته بعد إسقاط الألحان عليها، وافق طوني على الاقتراح وبدأ التنسيق».
ما هو دافع تنفيذ الفكرة؟ تتدخل «لانا»، الفتاة الوحيدة في الفرقة، وتقول: «السجن في لبنان مصنع للمجرمين»، مشيرة الى أن أغنيات «إرهاب» جاءت بديلاً من المخدرات التي «تبيعها القوى الأمنية في السجون». كذلك تضيف «لانا» لقد «أعطيناهم سبباً ليكونوا منتجين بدلاً من الفراغ الذي كانوا يملأونه بالمخدرات»، لافتة الى أنها تشجّع السجين على الإبداع، رغم أن التجربة ولدت خارج السجن. بهذه الكلمات يُؤرّخ «فرد» و«لانا» بدايات المشوار الفني لفرقة «إرهاب» وأهدافها، بتنسيق محبوك من داخل قضبان السجن وخارجها خلقته المصادفة. سياق الرواية المنقولة من خارج «رومية» يبدو عاديّاً للوهلة الأولى، لكن سياقها من الداخل أمرٌ آخر. فهناك يقبع الإمبراطور طوني خ. المعروف بـ«إمبيرا». «إمبراطورٌ» يحكى عنه الكثير. لديه مئات المعجبين داخل السجن وخارجه، فضلاً عن نحو خمسة آلاف معجب يملأون صفحات الـfacebook الخاصّة به. هؤلاء جميعهم يحفظون أغانيه ويردّدونها. يقولون إنها تشبههم وتُعبّر عنهم. في هذا السياق، يرى السجين «إيغا»، الموقوف بتهمة مخدرات والموجود في مبنى المحكومين، «أنها تعكس أملاً بغد أفضل، عندما يُفتح باب الحريّة

الأغاني تعكس أملاً بغد أفضل، عندما يُفتح باب الحريّة ونعود إلى المجتمع

ونعود الى المجتمع». كذلك يعتبرها الموقوف ع. أ. «وسيلة لملء الفراغ وتمرير الوقت في السجن». وفي هذا الإطار، يذكر «فرد» أن طرح الألبوم الأول دفع بالعشرات الى محاولة الدخول الى سجن رومية للقاء الإمبراطور، لافتاً الى أنه أثناء وجوده في المستشفى زاره مئات الأشخاص الذين لا يعرفهم. أما الإمبراطور طوني خ. الذي يقضي فترة حكم لمدة 18 عاماً في سجن رومية لاتهامه بارتكاب جريمة قتل، فيقول إنه بريءٌ منها، فيرى أنها «مرآة لواقع بشع تُجسّده وتُعبّر عنه الكلمات»، ويضيف إنها «كلمات حقيقية. تحكي سيئات المجتمع وحسناته». أما الى أين يُريد الإمبراطور أن يصل؟ فيلفت الى أنه يهدف إلى رفع الصوت وإسماع من لا يريد أن يسمع، مؤكّداً أنها «وسيلةٌ يستطيع عبرها أن يوصل رسالته ويُسمع المسؤولين الذين أغلقوا آذانهم عن سماعها». ويشير الى أنه عبر أغانيه يحارب المخدرات والإدمان عبر التحدّث بلغة المدمنين، ويلفت الى أنه أدمن المخدرات لفترة من الزمن. وبالعودة الى بدايات الفرقة، يقول الإمبراطور إن فرقة «إرهاب» وُلدت في الحريّة، لكنها نضجت في السجن.
يكشف الإمبراطور لـ«الأخبار» عن ألبوم جديد سيُطرح في الأيام القليلة المقبلة، لافتاً الى أنه يتعاون مع شركة إنتاج أميركية ستسجل الألبوم تحت اسم فرقة «ERHAB RECORDS»، مشيراً إلى أن هذا الألبوم «قد يخلق ردّ فعل سلبياً من جهة القوى الأمنية نظراً الى احتوائه على كلمات قد يراها البعض جارحة بحق قضاة ورجال قوى أمن». رغم الحديث عن كلام نابٍ يستهدف مسؤولين أمنيين وقضاة، يتحدّث الإمبراطور عن احتضان عناصر القوى الأمنية للمشروع، فيذكر أنه رغم تضمن الأغنيات شتائم تطال عناصر وضبّاط قوى الأمن الذين يعتبرونها تشويهاً لسمعتهم، يلفت الى أن أحد الضبّاط في سجن رومية قصده طالباً إليه أن يُسجّل أغنية تتضمن مديحاً له، يصمت قليلاً، ثم يدندن بكلمات إحدى الأغنيات «اللي بيفوت ع رومية، بيطلع بشهادات، كسر وخلع وتزوير عملات، كنا بلد الحضارة، من ورا الفقر والذل صرنا بالنظارة. غلطنا غلطة، كلّفتنا زيارة، وضهّرتنا دكتوراه بالتجارة».