القاهرة| قيادة جماعة «الإخوان المسلمين» هذه الأيام بلا عقل. ترد بعنف مبالغ فيه على أيّ انتقاد يوجَّه إلى ممارسات القادة والقائمين على أمر الجماعة، وتحديداً اذا كانت قذائف هذا النقد من داخل البيت الإخواني. لم يستوعب بعد مكتب الإرشاد أن مبدأ السمع والطاعة لم يعد مستساغاً ولا مقبولاً لدى الشباب الذين خرجوا وكانوا وقوداً لثورة 25 كانون الثاني، ورفضوا تعليمات شيوخ «الإخوان» بعدم الخروج على ولي الأمر وإفساد اليوم الوطني للاحتفال بعيد الشرطة.
هذه ليست أول مواجهة بين الشيوخ والشباب، المواجهات قديمة لكنها لم تخرج الى العلن، وأريد لها دائماً أن تظل في إطار الابن الذي يخطئ والأب الذي يقوّم ويسامح. شب شباب الجماعة عن طوق مكتب الإرشاد ووصايته، وأعلنوا أن رفضهم اختيارات قادة حزب الاخوان، «الحرية والعدالة»، لن تمر من دون مناقشة مع المرشد محمد بديع ومكتب الإرشاد. ردت الجماعة بدورها على هذه التصريحات بإحالة الشباب على التحقيق، وخصوصاً شباب الإخوان المشاركين في ائتلاف «شباب الثورة»، ثم بدأت حرب التشوية ضد هؤلاء بالتأكيد أكثر من مرة، على أنهم لا يمثلون الإخوان، وأن الجماعة ليس لديها أي أعضاء في أي ائتلاف، وأن الحزب هو المنفذ السياسي والتنظيم الوحيد لأعضاء الجماعة.
استعجل الشيوخ مواجهة الشباب وحدثت المواجهة. فعندما انتقد عبد المنعم أبو الفتوح بعض توجهات المرشد وحاشيته، استُخدم ما عرف وقتها بتمرد الشباب سلاحاً ضده، وقيل إنه المحرض والداعم لهذا التمرد لأنه يسعى إلى إحداث انشقاق بهدف تدعيمه في الانتخابات الرئاسية، لكن التطور الخطير في أزمة «الإخوان» الآن أن موسم الانشقاقات بدأ بأبو الفتوح، ثم بالشباب، ولا أحد يعرف أين يتوقف. وقطار إطاحة كل صاحب رأي مغاير طاول هذه المرة نخبة من ألمع شباب الجماعة، عندما «أجبروا» على الانضمام إلى مؤسسي حزب «التيار المصري»، حسب تصريحات معاذ عبد الكريم، أحد ممثلي الجماعة في ائتلاف شباب الثورة، عندما قال «مشاركتنا في التيار المصرى اضطرارية، بعدما يئسنا من تحقيق الإصلاح من داخل الجماعة. فللمرحلة الحالية متطلبات لا يفي بها الحزب الجديد للجماعة، واقترحنا في البداية تأسيس أكثر من حزب يعبّر عن الجماعة، لكنّ اقتراحنا قوبل بالرفض».
ومن قبل عانى أبو الفتوح التعنت ضده عندما أعلن نيته الترشح للرئاسة، واتخذت الجماعة نفس المنطق «الفصل هو الحل». صمتت الجماعة وأخذت تهدد وتتوعد كل من يخرج عن الصف، وفجأة وبدون أي تحقيق فصلت القيادي البارز، وبعدها بيومين تقريباً، عندما أعلن الشباب انضمامهم والاشتراك في تأسيس حزب «التيار المصري»، ردت الجماعة بالفصل أيضاً لتكون هذه الصيغة الإقصائية دون تحقيق.
لكن جذور الأزمة الحقيقية كانت مع الإعلان عن حزب الجماعة، وظهور إشارات من مكتب الإرشاد تؤكد أن الجماعة لا تريد لهذا الحزب أن يعمل وفق الآليات السياسية التي خلقتها ثورة 25 كانون الثاني. وبدا هذا في الاستئثار بكل القرارات الخاصة بعمل هذا الكيان من جانب القادة، وعدم استشارة قواعد الجماعة وأعضائها في الأمور التنظيمية، وهو ما ينفي مبدأ مهماً، وهو الشورى ما بين رأس التنظيم وجسده، والأخذ والرد للوصول الى صيغة توافقية يرضاها الجميع. نسف مكتب الإرشاد كل هذه القواعد والمسلمات، واعتمد ما انتقده الجميع في الماضي من ترك كافة الأمور لمكتب الإرشاد. وتجلى هذا في إعلان الجماعة أسماء رئيس حزب «العدالة والحرية» ونائب الرئيس والأمين العام، إذ فوجئ كل الأعضاء بإعلان اسم الدكتور محمد مرسي رئيساً للحزب، وتسمية عصام العريان نائباً للرئيس، فيما عُيّن الدكتور سعد الكتاتني أميناً عاماً. وكان السؤال: كيف اختير هؤلاء؟ وما هي القواعد التي استندت اليها الجماعة أثناء عملية الاختيار؟ الإجابة: لا أحد يعرف. فبعد اجتماع طويل لمكتب الإرشاد خرج المرشد العام للجماعة معلناً الأسماء، ناسياً، أو متناسياً، أن اختيار رئيس أي حزب سياسي يخضع لمعايير منها أن الاعلان يجري بعد عملية فتح باب العضوية، ثم جمع التوكيلات من الأعضاء، ومن ثم إشهار الحزب ثم العودة الى جمعية عمومية لاختيار رئيس الحزب.
لم تفعل الجماعة أياً من هذا، كل ما جرى هو اجتماع مغلق لأعضاء مكتب الإرشاد، ثم الخروج على أعضاء الجماعة بتسمية الرئيس والنائب والأمين العام، واعتبار أمر الحزب شأناً داخليا لا يخص أحداً. توالت ردود الأفعال على إعلان الجماعة تسمية الرئيس ونائبيه، وخرج الشباب مرة أخرى في مواجهة الشيوخ، مذكرين إياهم بأنهم حذروا من قبل من الطرق التي يجري بها اختيار القادة، من دون الاستناد الى معايير محددة، وتكرار تجاهل قواعد وأعضاء الجماعة في المشاركة في اتخاذ القرار.
رئيس حزب «الحرية والعدالة»، محمد مرسي، حاول طمأنة من انتقدوا وثاروا على الاختيار، إلى أن ما جرى هو «من أجل مرحلة انتقالية أولية لمدة أربع سنوات»، حتى يقرر المؤتمر العام للحزب موعداً جديداً لانتخابات جديدة، كأن الجماعة أجرت انتخابات قديمة حتى يقرر المؤتمر العام للحزب الدعوة الى انتخابات جديدة.
بخلاف أزمة الحزب بين الشباب والشيوخ هناك أزمة أخرى، أشار اليها معاذ عبد الكريم بقوله: «اضطررنا إلى تأسيس الحزب بعدما تضخمت مشاكلنا مع أعضاء مكتب الإرشاد، الذين لم يُظهروا رغبة حقيقية في إنهاء الأزمة التي اندلعت بسبب مشاركة ممثلي الجماعة في الائتلاف في جمعة 27 أيار الماضي»، وهي الجمعة التي قاطعتها الجماعة وكانت تطالب بوضع الدستور أولاً ثم إجراء الانتخابات.
ما يحدث داخل الجماعة الآن من إقصاء للمنتقدين وأصحاب الرؤى المغايرة يكشف في أي طريق تسير الجماعة. فبعدما اطمأن المرشد وأعضاء مكتب الارشاد الى الموافقة على حزبهم السياسي والاعتراف بالجماعة ككيان دعوي وسياسي، بدأوا تقليم أظافر المشاغبين ممن عُرفوا في فترة سابقة بـ «الإصلاحيين»، ثم استدارت نحو الشباب، الذين عبّر أحدهم، وهو من المشاركين في تأسيس الحزب الجديد، قائلاً: «كنا نتمنى أن تتعامل الجماعة معنا بأسلوب يتناسب مع الثورة وحالة الانفتاح والحرية»، مضيفاً «ليس هدفنا الخروج من الجماعة أو الخروج على حزب الحرية والعدالة، لكننا نريد إيصال رسالة بأن حرية الرأي لن تقف عند جماعة الإخوان، والثورة جعلت الجميع يفكر ويتحرر من القيود القديمة»، موضحا أن هدفهم تقديم رؤية شبابية ومرجعيتهم مرجعية مصر والدولة المدنية وكل الآمال التي نادينا بها في ميدان التحرير من «حرية ومساواة وعدالة اجتماعية».
قادة الجماعة سدوا آذانهم ولم يسمعوا الأصوات العاقلة من خارج التنظيم، التي نصحتهم بضرورة فتح حوار مع الشباب وإدماجهم في الحزب ومشاركتهم الحوار على الأقل، بهدف تغيير الدماء في القيادات التي شاخت على مقاعدها، لم يستمعوا ورفضوا كل الوسائط لينفجر الوضع داخل التنظيم الحديدي المشهور بالتماسك، ويبدأ موسم الانشقاقات، التي بدأت بأبو الفتوح ولن تنتهي بشباب الجماعة.

العلاقة مع الجيش

«الإخوان» أبطال أزمة أخرى مرتبطة بالعلاقة مع سائر المكوّنات السياسية في البلاد بعد الثورة. فالكثير من العاملين في الشأن السياسي المصري ينتقدون نبرة الاستعلاء التي يتحدث بها قادة الجماعة، بدايةً من مرشدها العام محمد بديع وصولاً إلى أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، وهو ما خلق حالة من عدم الرضى لدى قطاعات سياسية واسعة استنكرت منطق الوصاية التي بدأت الجماعة وأعضاؤها يتحدثون به.
منطق تجلى عندما استخف المرشد العام للإخوان بالأحزاب السياسية قائلاً: «الجماعة تتعامل مع الأحزاب بمبدأ الأم، مهما أساؤوا اليها أو حاولوا تشويهها». هذا التصريح فجّر غضب رؤساء الأحزاب، الذين عدّوا تصريحات بديع علامة على ظهور أمراض نظام مبارك مثل الاستعلاء والغطرسة على الجماعة. وبين الحين والآخر يظهر المرشد أو أحد قادة الجماعة في مؤتمر أو ندوة ليعلنوا مراراً وتكراراً أن الإخوان لن ترشح أحداً لخوض سباق الانتخابات الرئاسية خوفاً على مصر. كأنهم يعلمون أن الجماعة لو طرحت مرشحاً فسيكتسح منافسيه.
ماذا تريد جماعة الإخوان المسلمين في مصر؟ سؤال تردد كثيراً منذ إعلان جمعة جديدة للغضب، رداً على قرارات المجلس العسكرى المرتبكة أحياناً، والبعيدة في أحيان كثيرة عن طموحات الثوار. الدعوة التي أيدتها قطاعات كثيرة في المجتمع المصرى وقفت أمامها كالعادة جماعة الإخوان المسلمين، عندما أعلنت في بيان رسمي لها أن «الدعوة إلى فعالية جديدة باسم ثورة الغضب أو الثورة الثانية لا تعني إلا أحد أمرين، إما أنها ثورة ضد الشعب أو غالبيته الواضحة، أو أنها وقيعة بين الشعب وقواته المسلحة».
نفس المنطق، الذي تبنته الجماعة أثناء الدعوة الى 25 يناير، عندما قالت في بيان رسمي لها إن «الدعوة مرفوضة لأنها تتواكب مع الاحتفال بعيد الشرطة، وهي مناسبة قومية لا يجوز تعكير صفوها». لم تكتف الجماعة برفض الدعوة الى جمعة الغضب، بل دعت الشعب المصري إلى العمل بكل قوة على «وأد أي وقيعة أو فتنة سواء بين صفوفه أو بينه وبين قواته المسلحة، وعدم المشاركة في هذه الفعالية».
التقى مع «الإخوان» في هذا الرفض، السلفيون الذين أعلنوا صراحة أنهم لن يشاركوا في فاعليات جمعة الغضب الثانية. لماذا؟ لأن التيارين حققا خلال الأيام الماضية ما لم يحققاه خلال سنوات طويلة من حضور كثيف في الشارع المصري من دون رقابة من الدولة على خطابهم التكفيري لبقية التيارات السياسية، وهو ما فسره البعض بتحالف الإسلاميين مع الجيش في محاولة منهم لاحتواء الثورة مقابل الحصول على الشرعية والحضور في الشارع.
وتبيّن هذا بوضوح مع تبني التيارات الإسلامية وجهة نظر المجلس العسكري في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، واستخدام الدين «فزاعة» في وجه القوى الرافضة للتعديلات. وقد نجح التحالف في تمرير التعديلات التي شارك في صياغتها أحد أبرز قادة الجماعة، المحامي صبحى صالح. ثم عادت الجماعة لتؤكد صيغة التحالف من خلال حضور أعضائها في أماكن وتجمعات رفض قرارات المجلس العسكري.
نشطاء الفايسبوك وتويتر علقوا على بيان الجماعة الرافض للمشاركة في يوم جمعة الغضب بأن الإخوان صاروا الناطق الرسمي باسم الجيش، والمدافع الأول عن قراراته مع السلفيين، حتى إن أحد النشطاء علق: «الجيش والإخوان إيد واحدة ضد الثورة».



الجمل يتراجع عن الاستقالة

أكد نائب رئيس الوزراء المصري، يحيى الجمل، أمس، استمراره في عمله نائباً لرئيس الوزراء، بعد رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاستقالته.
وقال الجمل، في تصريح له، إنه تقدم للدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، باستقالته وصمم عليها، وإن الدكتور شرف قبل الاستقالة استجابة للضغط الذي مارسه عليه الجمل. وأضاف الجمل أنه أرسل استقالته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي رفض الاستقالة، موضحاً أن المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس، قال له: «إن الاستقالة مرفوضة، وأكد له أن المرحلة الحالية تقتضي التضحية من الجميع».
وأكد الجمل أنه «أمام هذا الموقف لم يكن أمامه إلا الموافقة على الاستمرار في العمل، مقدراً ثقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وثقة الدكتور عصام شرف، حيث قدم الجمل اعتذاره للدكتور شرف على الضغط الذي مارسه عليه، وقال إنه بناءً على ذلك، يُعَدّ الموضوع منتهياً».
(الأخبار)