رام الله | بعد ساعات قليلة من إعلان المصالحة الفلسطينية في القاهرة، أرجأت الحكومة الإسرائيلية دفع عائدات الضرائب الفلسطينية والبالغة ما يقارب 105 ملايين دولار (340 مليون شيكل) لأسبوع من الموعد المقرر، ثم قررت تجميد التحويل إلى إشعار آخر. تجميد انعكس أزمة ماليّة في السلطة الفلسطينية، التي تأخرت في دفع الرواتب الشهرية لموظفيها، التي تراوح ما بين 150 و160 مليون دولار أميركي.
الأزمة المالية لا تبدو مرتبطة فقط بالتحويلات الإسرائيلية، التي وإن أفرجت عنها سلطات الاحتلال، لن تكون كافية لتغطية رواتب الموظفين البالغ عددهم نحو 170 ألف شخص، موزعين مناصفة تقريباً ما بين الضفة وغزة. والحكومة بحاجة إلى نحو 50 مليون دولار إضافية لسد فاتورة الرواتب التي تصل إلى 1.71 مليار دولار سنوياً، بحسب موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2011.
وبحسب اتفاقية باريس الاقتصادية، التي وقّعت في نيسان من عام 1994، فإن إسرائيل ملزمة بتحويل الأموال التي تجنيها من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية وشهرياً. «الوضع المالي للسلطة صعب وصار أكثر صعوبة، بل أصبح مستحيلاً»، هذا ما قاله رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض، مؤكداً أن السلطة لن تتمكن من دفع فاتورة الرواتب والأجور عن الشهر الجاري، وتفي بالتزاماتها المختلفة، إلا إذا حولت إسرائيل إيرادات الضرائب عن الشهر الماضي.
وبحسب فياض فإن السلطة الفلسطينية تعاني عجزاً تمويلياً بقيمة 100 مليون دولار عام 2011 هي من تراكمات العام الماضي، كذلك هناك عجز شهري بقيمة 30 مليون دولار تقريباً، بينما كل ما وصل ميزانية السلطة من مساعدات هذا العام بلغ 209 ملايين دولار.
اللافت في هذه الأزمة، هو أن الاتحاد الأوروبي قرّر تحويل 85 مليون يورو للسلطة الفلسطينية، وتبعته فرنسا بتوقيع اتفاقية قيمتها 10 ملايين يورو، لكن هذه الأموال لن تصل قبل منتصف حزيران المقبل، بحسب مصادر في الحكومة الفلسطينية، لأنها سترسل عبر آلية الاتحاد الأوروبي الخاصة بتحويل الأموال للسلطة الفلسطينية. وتأتي المساعدات الأوروبية لتعوّض انخفاض المساعدات العربية، إذ بعدما وصلت في عام 2010 إلى 231 مليون دولار، لم تزد على 50 مليوناً العام الجاري، بينما وصلت في عام 2008 إلى 446 مليون دولار، وفي عام 2009 بلغت 461 مليون دولار.
السيناريوات الواقعية لحل أزمة الرواتب ليست كثيرة، أولها أن تعيد إسرائيل تحويل الأموال التي لديها، وثانيها أن يأتي مانح ما ويعلن دفع فاتورة الرواتب للشهر الماضي. وكانت الشائعات قد ازدادت في الشارع الفلسطيني خلال الأيام القليلة الماضية بخصوص قضية التحويلات الإسرائيلية، فالبعض قال إن فياض يحاول أن يوصل رسالة بأنه إما أنا رئيس للحكومة، أو لا رواتب ولا تمويل غربياً، وهو الأمر الذي استغربه فياض بشدة. وتساءل أحد الكتاب الصحافيين عمّا إذا كانت المسألة حقاً معركة راتب، أم هي معركة مسبقة من بعض مَن لا يريدون لسلام فياض أن يكون رئيساً لوزراء الفترة الانتقالية.
أزمة الرواتب يبدو أنها ستظلّ عالقة، وهو ما قاله فيّاض أول من أمس، لدى توقيعه على المنحة الفرنسية، إذ أشار إلى أن «الرواتب ستصرف لحظة تحويل عائدات الضرائب، أو إذا دعمهتا الجهات المانحة مباشرة».
لحظة التحويل لا يبدو أنها قريبة، ولا سيما بعدما أعلن وزير المال الاسرائيلي يوفال شتاينتز، أمس، أن تجميد تحويل الاموال للسلطة لا يزال قائماً، على الرغم من الانتقادات الدولية. ونقلت الإذاعة العامة الاسرائيلية عن شتاينتز قوله «كان وقف نقل الاموال بطاقة صفراء (إنذاراً) للسلطة الفلسطينية بعد توقيع الاتفاق مع حماس». وأضاف «حتى الآن هذا تأجيل لأسبوع او لعشرة ايام، إلا أن البطاقة من الممكن أن تصبح حمراء (قراراً نهائياً)، وهذا يعتمد على التوضيحات التي ستقدمها السلطة الفلسطينية». وأوضح أنه لن يفرج عن هذه الأموال قبل التأكد أنه لن يصل أي شيء منها الى حركة «حماس».
وبغضّ النظر عن الأسباب والمسبّبات، تبقى الحقيقة أن أكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني، وهم عائلات الموظفين، لا يزالون بانتظار رواتبهم التي لم يحدد موعد لصرفها، ما يزيد احتمالات تحرك نقابات العمال الفلسطينية لصالح موظفي السلطة واللجوء إلى اضرابات عن العمل، الأمر الذي سيعطل الكثير من مجريات الحياة اليومية، وهو سيناريو حدث قبل ذلك أكثر من مرة.