شكّل لقاء المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من وجهة نظر مصادر دبلوماسية، مناسبة لإجراء مراجعة لمسعى الإبراهيمي منذ بدئه حتى الآن. وبحسب هذه المصادر، كان لافروف في بدايات هذا الشهر، خلف حصول لقاء بين نائبه ميخائيل بوغدانوف والإبراهيمي، بهدف الوقوف على آراء الأخير حيال الأزمة السورية. وإثر اللقاء، رفع بوغدانوف لوزارة خارجيته، استنتاجاً مفاده: «الإبراهيمي من دون خطة».
تضيف المصادر عينها، أنّ لافروف وصلت إليه فكرة عن مهمة الإبراهيمي، تفيد بأنّها مختلفة عن مهمة سلفه كوفي أنان، وذلك من زوايا عدة. فالأول مقبول من السعودية، في حين أنّ أنان وضعت عليه الرياض «فيتو». ويريد لافروف من الإبراهيمي أن يثمر علاقته بالرياض، في نقطة محددة، هي إقناعها بوقف تمويل المعارضة المسلحة. كذلك، يعتمد الإبراهيمي منهج عدم طرح فكرة جاهزة للحلّ، بل يريد أداء دور وسيط بين أفكار الحلّ، التي تطرحها الدول المعنية بالأزمة السورية، لصياغة حلّ دولي وإقليمي يقوم بتبنيه. ويرى الإبراهيمي أنّه بهذه الوسيلة يمكن بلورة حلّ، شرط أن يتمتع بسمتين: أن يكون واقعياً وقابلاً للتنفيذ.

خطة لافروف

بعد عدة أيام من لقاء بوغدانوف مع الإبراهيمي، كان لافروف على موعد مهم مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم 15 من الشهر الجاري. وكشف مصدر دبلوماسي لـ«الأخبار» أنّ لافروف خطّط أن يستغل هذه المناسبة لبناء منصة تفكير مشترك مع أوروبا تجاه الأزمة السورية، لكي ينقلها للإبراهيمي خلال لقائه به (الذي حصل أمس)، ليعتمدها الأخير مسوّدة مشروع حلّ روسي أوروبي، قابل لأن يعمل على تعريبه دولياً وإقليمياً. وينقل المصدر عينه، أهم بنود «خطة الحلّ»، التي طرحها لافروف على هامش اجتماع وزراء الخارجية الأوروبية، بحضور المفوضة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد، كاترين آشتون، ووصفها بأنها «أجندة مناسبة ووحيدة لإنهاء الأزمة في سوريا».
وقدّم لافروف بنود خطته عبر إشعار الأوروبيين بأنّ الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة من الخطورة، نظراً إلى عدة مستجدات طرأت عليها. وذكر في مقدمتها «أن موسكو قلقة جداً، من تدويل الأزمة السورية». ورأى أنّ هذه السمة المستجدة تشكّل سبباً رئيسياً، في تدفّق السلاح إلى داخل سوريا، سواء لمصلحة النظام أو المعارضة. وكشف عن وجود كميات كبيرة من الأسلحة في المنطقة، تُنقَل إلى سوريا وغيرها من الدول، بوفرة وبطريقة غير شرعية. وبناءً على ذلك، قال لافروف إنّ بلاده لا تستطيع أن تؤكد ما نشرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن استخدام القوات السورية أسلحة عنقودية روسية الصنع، فإن صحّ أنها استعملتها، فقد تكون وصلت إلى النظام من طريق السوق السوداء. ونبّه إلى واقع أنّ «المتطرفين المرتزقة قد تسربوا بكثرة إلى الساحة السورية. وهؤلاء يصطادون في الماء الدولي والإقليمي والداخلي العكر». ورأى أنّ تعاظم دور المتطرفين في الأزمة السورية هو مصدر قلق مشترك، لكلّ من روسيا والاتحاد الأوروبي.

بنود الحلّ

طرح لافروف بنود خطته للحلّ، وتشكّلت من النقاط الأساسية الآتية:
أولاً: التزام بيان جنيف، وتنفيذه على أرض الواقع. وقدّم لافروف بخصوص هذا البند، لأول مرة، ما يشبه ضمانات روسية بصدد دعمه إلى أقصى حدّ في حال تبنيه من الدول الأخرى. وقال في هذا المجال، إنّ روسيا «تتعهد أنها لا تزال على استعداد لقبول بيان جنيف، بأي شكل يُطرَح في مجلس الأمن». وتوحي هذه الإشارة، بحسب ما فسّرت داخل كواليس الاتحاد الأوروبي، أنّ موسكو لن تمارس حق النقض ضد أيّ نقطة من بنود اتفاق جنيف خلال التفاوض عليها، بما فيها بند «العملية الانتقالية».
في مقابل ذلك، «اشترط لافروف – وهذه النقطة الثانية من خطته – أن يقبل اللاعبون الخارجيون المنخرطون في الأزمة السورية، كهدف رئيس، ممارسة ضغوط على جميع الأطراف السورية، وإعطائهم إشارة متزامنة على ضرورة إنهاء القتال والجلوس حول طاولة الحوار، والبدء في التفاوض». وفصّل لافروف طرحه بالقول إنّ الأزمة السورية بدأت «تؤثر على دول الجوار، وتزيد من تدفق اللاجئين، ومن تعاظم حوادث الحدود». ولن يكون بالإمكان تفادي تحوّل هذه الأحداث إلى سياق عسكري يخرج عن السيطرة. وبناءً علىه، صار لكلّ الأطراف مصلحة بوضع حدّ لتعاظم العنف. وتضمّن البند الثالث من خطة لافروف «مسوغاً شرعياً لبيان جنيف، وآلية لتنفيذه»، عرضه على الإبراهيمي أمس، بعدما أطلع الاتحاد الأوروبي عليه. وحثّه على «محاولة تعريبه في اتصالاته الدولية والإقليمية المقبلة والبناء عليه». ومفاد هذا الطرح يقوم على النقاط الآتية: بخصوص قانونية بيان جنيف من حيث إنّه ملزم لمجلس الأمن، قال لافروف: «بالأساس اقترحنا بيان جنيف بوصفه وثيقة شرعية، وجرت الموافقة عليها بإجماع أعضاء مجلس الأمن، وأكسبه ذلك قوة إضافية». ويضيف: «صحيح أنّه لا يوجد مصطلح لإضفاء الطابع القانوني على بيان جنيف في مجلس الأمن، لكن يمكن اعتباره وثيقة شرعية بحكم أنها نتاج لتوافق في الآراء بين جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى تركيا وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي. وهذا يؤمّن للبيان طابعاً شرعياً، وإن كان ليس ملزماً قانونياً. ولهذا فإنّ من الضروري أن ينخرط جميع الذين لهم تأثير على الساحة السورية، في عملية تنفيذه»، عبر التزام «جميع أولئك الذين لديهم تأثير على الساحة السورية أن يحصلوا على تعهد من كل أطرافها بتنفيذ شرطين أساسيين في هذه الوثيقة، أولاً: وقف العنف بالتزامن مع انتشار مراقبي الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، والتزام بنود هذه الوثيقة. ثانياً، الجلوس إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على تكوين الهيئة الإدارية الانتقالية للسلطة، بالتوازي مع إعداد مشروع دستور جديد وإجراء انتخابات». ويعلّق لافروف أنه يمكن «تنفيذ هذه الآلية بكل بساطة، لكن إذا كان شركاؤنا يصرّون على أنّ الحكومة يجب أن توقف أولاً العمليات العدائية والانسحاب من جميع المدن والبلدات، فذلك لن يؤدي إلى أي شيء جيد. فالحكومة السورية لن تكرر ما فعلته من قبل. من الضروري وقف العنف من كلا الجانبين».