ما أن يتغير زعيم في بلادنا حتى تتدفق التوقعات بالتغيير في الداخل والخارج، وذلك بسبب «الشخصنة»، وارتباط السياسات العامة بأهواء الحاكم ورغباته. القاعدة نفسها تطبق الآن على السعودية، رغم وجود عوامل أساسية أخرى، بسبب موقع المملكة وقوتها النفطية والسياسية، وهو ما يسمح بدخول آيادٍ دولية كي تتحكم وتضبط عملية التغيير؛ فما أن رحل الرجل الثاني في الحكم، ولي العهد الأمير نايف، حتى بدأت تكهنات ما سيكون عليه الحكم المقبل مع خليفته سلمان بن عبدالعزيز، الذي لا يشبه سلفه المعروف بتشدّده، سواء في ملفات المرأة والحريات، أو في ملفات «القاعدة» واليمن والبحرين وإيران، ولا سيما أن «ولي العهد السعودي يملك من القوة والنفوذ أكثر من نائب الرئيس الأميركي»، هذا بحسب المؤرخ روبيرت لاسي، الذي كتب مؤلفات حول العائلة السعودية المالكة، مشيراً الى أنه «اذا أصبح الملك عاجزاً، فإن قنوات السلطة تدار من قبل ولي عهده». وهذا ما جرى فعلاً مع الملك الحالي عبد الله، حين تولى السلطة الفعلية بعد عجز الملك فهد.
في ما يتعلق بالملف البحريني، ورغم قلّة المعطيات المتوفرة حول طريقة تعاطي ولي العهد الحالي إزاء هذا الملف، فإن المؤشرات تدل على احتمال كبير بالتغيير نحو مزيد من الانشراح. ما يعزز هذا الاحتمال، هو أنّ ولي العهد الراحل، كان الرأس المدبر للخيار الذي سلكته السعودية في خنقها لانتفاضة البحريني عبر إدخال جيشها للجزيرة تحت ستار قوات «درع الجزيرة». ففي بداية الانتفاضة، وتحديداً في شهري شباط وآذار العام الماضي، كان هناك صراع بين تيارين داخل كل من البحرين والسعودية. تيار يدفع باتجاه الحوار مع المعارضة والإصلاحات بدعم الملك السعودي وولي العهد البحريني، الأمير سلمان، الذي أعدّ ورقة لهذا الحوار وكانت قاب قوسين أو أدنى من أن تثمر، قبل أن يطيحها التيار المتشدّد بقيادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد وشقيقه قائد قوة الدفاع وحليفهما رئيس الحكومة خليفة، والذي يتبع مباشرة الى نايف، ويأتمر بأحكامه.
الخيار العسكري لفضّ الانتفاضة بديلاً عن الحوار كان له عدّة أهداف، أولها توجيه ضربة استباقية لحماية الحديقة الخلفية للسعودية من رياح الربيع العربي، ولا سيما أن بوادر انتقال هذه العدوى كانت قد بدأت تظهر من المنطقة الشرقية، وثانيها، توجيه رسالة شديدة اللهجة الى إيران بعدم اللعب في غير ملعبها، بعدما اتهمت الرياض طهران باستغلال الربيع العربي لتحريك رمال البحرين.
اذاً انتصر خيار نايف، وسقطت مملكة اللؤلؤ والمرجان في دوامة العنف المتنقل، صحيح أنه لم يؤد الى الانفجار بعد، لكنه أبقى شوارع البحرين في حالة من التوتر اليومي، بانتظار فرج لم تظهر ملامحه بعد. رحل نايف، فهل ستتغير الأمور مع ولي العهد الجديد، المعروف بأنه أكثر اعتدالاً وانفتاحاً من سلفه؟ يمكن رصد العديد من توجهات الوافد الجديد الى الريادة تجاه ملفات عدّة، لكن طريقة تعامله مع ملف البحرين تبقى الأكثر غموضاً، كون هذا الملف شديد الحساسية ومرتبطاً بالصراع الذي أنهك المنطقة برمّتها بين السعودية، ومن أمامها الولايات المتحدة، وبين إيران.
لذلك، يرجح أن يكون التوجه السعودي الجديد تجاه البحرين مع سلمان أكثر ليونة، لأنه مع الأخير سترتفع حظوظ الحوار بين المعارضة البحرينية والأسرة الحاكمة.
حين أُعلنت وفاة نايف، ظهرت ردود فعل عفوية داخل صفوف المعارضين البحرينيين، حيث ظهرت بوادر احتفالات وفرح في بعض القرى والمدارس، وهو ما سارعت الى احتوائه المعارضة عبر التملص مما جرى، فيما استغلته الموالاة لرفع مستوى مطالبتها بالقصاص من المعارضين. بغض النظر عن النفي، فإن «شائعات الفرح» ترجع الى المعاناة من سياسة نايف ورجاله في المملكة. ورغم إدراك المعارضين بأن سلمان أقل تشدّداً من سلفه، فإنهم فضلوا الصمت والتريث في الوقت الحالي، كي لا يقعوا في خيبة أمل شبيهة بما جرى مع ولي عهدهم سلمان أيضاً.