المنامة | أنهى شعب البحرين عاماً كاملاً على انتفاضته. حمل وتحمّل فيها الكثير من الظلم والقتل الذي مارسته السلطة بمساعدة خليجية إعلامية وعسكرية ممثلة بقوات «درع الجزيرة». مع ذلك لم يرفع شعب البحرين الراية البيضاء. واصل تظاهراته ومسيراته واعتصاماته، وكان يتلقى كل يوم القتل، أكان من خلال الطلقات المباشرة أو الغازات السامّة.
ومع اقتراب ذكرى انطلاقة الثورة البحرينية، بدأ التصعيد الإعلامي والسياسي من السلطات، وباتت التهديدات تُساق يومياً على لسان وزير الداخلية أو المسؤولين الأمنيين، بـ«اتخاذ الإجراءات المناسبة إن تجاوز الناس القانون». تهديدات تكشف عجز السلطة؛ إذ إنها لا تزال غير قادرة على فتح تقاطع «الفاروق»، دوار اللؤلؤة سابقاً، الذي هدمه العسكر، أمام إرادة وتصميم الشباب البحريني الذي لا يكل ولا يمل عن تكرار المحاولة لاستعادة دواره وإبعاد العسكر، بعدما تحول إلى ما يشبه ثكنة عسكرية.
من هو مُحرّك هذا الشباب؟ من يقودهم ويبعث بهم الحماسة ويدفع عنهم اليأس؟ ائتلاف شباب «١٤ فبراير». احفظوا هذا الاسم جيداً. هو الكيان الشبابي غير المعلومة قياداته. لم يعرف الناس فيه اسماً حقيقياً سوى اسم «عباس الشيخ»، الذي نعاه الائتلاف قبل أسابيع قائداً ميدانياً له. أما البقية فقد نجحوا حتى الآن في إبقاء أسمائهم مستترة وأفعالهم بارزة ومؤذية للسلطة. بدا تأثيرهم بعد مجيء القوات السعودية والإماراتية. وكانوا إبان قانون الطوارئ (السلامة الوطنية) ينظمون المسيرات داخل القرى، التي كانت تتعرض للقمع المفرط وسقط فيها عدد كبير من القتلى. وبعد انتهاء قانون الطوارئ بدأوا بتنظيم اعتصامات «حق تقرير المصير» في مختلف المناطق والبلدات. وكانت جميعها تُقمع بنحو مفرط ويسقط فيها جرحى وقتلى.
لاحقاً، غيّر الائتلاف من أسلوب عمله، وبدأ بتنظيم فاعليات علنية وأخرى سريّة. وتلك السريّة هي التي أتعبت السلطة وحظيت بإعجاب الناس، بحيث كانوا ينظمون اعتصامات بحضور كبير ومتنوع (من الجنسين ومختلف الأعمار) وتستمر من دون علم السلطة والأجهزة الأمنية. ويكمن سرّ إعجاب الناس في القدرة والإمكانات؛ إذ كانت تجهّز المنصّة ويحتشد الناس وتلقى كلمة حماسية في قرية صغيرة أحياناً لا يبعد عنها مركز الشرطة سوى بضعة كيلومترات، وتنتهي الفاعلية ويتفرّق الناس ولا تعلم الأجهزة الأمنية بالأمر، إلا من خلال الإعلام الإلكتروني الذي أجاد الائتلاف استخدامه.
ومع مرور الوقت، بدأ الائتلاف بكسب الشعبية، مع أنّه لم يضع نفسه في موقع الندّ للقوى والأحزاب السياسية المعارضة. بل كان يسعى دائماً إلى عدم الاحتكاك معهم أو التضارب في إقامة فاعلياته مع فاعلياتهم. ويتبين من خلال الاطلاع على خطاب شباب «ائتلاف 14 فبراير» أنهم جماعة غير مراهقة سياسياً. تمتلك خبرة وتتحدث عن وعي تام ومدركة للظروف المحيطة. وكانت التجربة كفيلة بإضفاء جزء كبير من الثقة الشعبية لقراراته؛ ففاعلية «اللحظة الحاسمة»، التي أقامها، أثبتت أنها قادرة على كسب جماهيرية واسعة، إضافة إلى استقطابها للقوى الاجتماعية والسياسية، شأن رجل الدين الشيعي، سيد سعيد الوداعي، وقيادات من جمعية «الوفاق» الوطني الاسلامية المعارضة، استجابةً لدعوات الائتلاف، ما يعني أنّه بات رقماً صعباً في المعادلة بفعل الأمر الواقع، ولا يمكن تجاهل نشاطاته.
برع الائتلاف في فنّ إغلاق الشوارع الرئيسية. كان «عباس الشيخ»، أحد أهم قيادييه الذي خططوا وبرعوا في ذلك. كانوا دائماً يفاجئون السلطة بقدرتهم على شلّ البلاد وإغلاق طرقها كلها دفعةً واحدة وفي وقت محدد.
ومع زيادة ثقة الناس، بدأ عمله بالتحول ليكون أكثر تنظيماً ويأخذ الطابع العسكري، بعد تدشينه ما يسمى «مرحلة الدفاع المقدس». الكل يعلم أنّه لا توجد أسلحة في البحرين إلا في أيدي السلطات. لكن الائتلاف نظم صفوفه وقدم عروضاً عسكرية من دون سلاح لشباب من مناطق مختلفة، يلبسون الأكفان ومستعدون لمواجهة قوات الأمن بالحجارة والزجاجات الحارقة.
وبعد كلمة أكبر مرجعية شيعية، ممثلة بالشيخ عيسى قاسم، التي دعا فيها إلى «سحق» كل من يتعرض للأعراض، دُشِّنت فاعلية «قبضة الثائرين»، التي بدأ فيها الشباب بإعداد الزجاجات الحارقة لمواجهة قوى الأمن. وبالفعل، دخلت البحرين في مرحلة أقرب إلى الانفلات على مستوى شارع المعارضة. وبدأت قوات الأمن تتعرض لهجوم كبّدها عدداً من الجرحى، إضافة إلى الخسائر المادية، فيما وقفت المعارضة الرسمية، الممثلة بالجمعيات السياسية، صراحة ضدّ هذه الأساليب والدعوات. وارتأت الحفاظ على سلمية الحراك وعدم الدخول في صدامات. لكن على ما يبدو، فإن الساحة فلتت، ولم يعد بمقدور أحد التحكم بالشباب، الذي ضاق ذرعاً ببطش الأمن.
وللسخرية، فإنه بعد سقوط عدد من الجرحى في صفوف رجال الأمن، ذهبت مجموعة من هذه القوى (باكستانية) إلى السفير الباكستاني مشتكية قلّة الحيلة، ما استوجب لقاءً بين السفير الباكستاني ووزير الداخلية البحريني، طلب فيه من الأخير تزويد قوى الأمن بالرصاص الحي وعدم الاقتصار على استخدام القنابل الصوتية والغازات السامة والمسيلة للدموع والرصاص الانشطاري (الشوزن) لمواجهة الاحتجاجات.

المعارضة تتراجع

حافظت القوى السياسية المعارضة على زخم فاعلياتها، رغم تسجيل ملاحظات كثيرة على أدائها من قبل الشارع، وأهمها أنها لم تتحدّ السلطات، بل واصلت تقديم الإخطار لوزارة الداخلية عن فاعلياتها، وكان للداخلية أن تقبل أو ترفض، وقد رفضت هذه الأخيرة 4 فاعليات، ما دفع هذه الأحزاب إلى التمرّد وتسيير التظاهرات رغم أنف السلطة، ما أدى إلى قمع إحدى المسيرات وتحويل الأخريات إلى اعتصامات لا تلبث أن تخضع لتحذيرات الداخلية بالتفرق.
مع ذلك، ارتفع الخطاب السياسي لهذه القوى، وبلغ أقصاه على لسان القيادي الوفاقي جواد فيروز، الذي أعلن، خلال أحد تجمعات المعارضة الأسبوعية، أنه «بقي على موعد عودتنا للدوار ٢٥ يوماً». وأكّد أنّ هذه العودة ستكون بتخطيط سياسي وتحشيد، ودعا إلى استعادة الزخم الجماهيري للمسيرات.

رمزية اللؤلؤة

الرمزية التي يمثلها دوار اللؤلؤة للانتفاضة، دفع المعارضة بمختلف أطيافها إلى التشبث بالعودة إليه، عند كل فرصة مواتية، مع أنها لم تنجح بذلك بعد. في وجدان الناس، العودة إلى الدوار هي تتويج للانتصار الميداني على همجية العسكر. لقد عادوا في ١٩شباط الماضي، وأجبروا الجيش والحرس الوطني وقوى الأمن على الانسحاب، وأخرجوهم من المعادلة. الآن تمثل عودتهم إنهاءً لفاعلية الغطاء العسكري السعودي والإماراتي المتمثل بـ«درع الجزيرة»، ما يعني ميل ميزان القوّة إلى جهة الحراك الشعبي على حساب السلطة. لذلك، كان لافتاً تصريح مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون العمل وحقوق الإنسان، مايكل بوسنر، الذي زار البحرين أخيراً ونصح المعارضة بإخراج فكرة العودة إلى اللؤلؤة من رأسها، وهي الإشارة التي التقطتها المعارضة الرسمية وأخذتها على محمل الجد؛ إذ سارع الأمين العام لـ«الوفاق»، الشيخ علي سلمان، في لقاء مفتوح في بلدة الدير ـــــ المحرق، إلى نفي وجود قرار سياسي بين الجمعيات بالعودة إلى الدوار، فيما دعت الجمعيات لاحقاً إلى اعتصام مفتوح لخمسة أيام متتالية في المقشمع الكائنة في شارع البديع، وفي ساحة أطلقوا عليها اسم ساحة الحرية، كبديل للؤلؤة.
في غضون ذلك، كان الناس ينتظرون خطاباً يرشدهم إلى بوصلة التحرك في الأيام المقبلة، فكان التجمع الحاشد للمعارضة في ساحة الحرية، حيث خاطب سلمان الجماهير عن المرحلة المقبلة، لكنه لم يكن على مستوى الآمال والتوقعات، بل محبطاً لتلك الجماهير. كان خطاباً تصالحياً طالباً للود. كان بمثابة الحد الفاصل لكل محاولات التقريب بين وجهات النظر المختلفة؛ إذ بعده انهال سيل لاذع من الانتقادات للقوى السياسية وللوفاق تحديداً وأمينها العام، واتهموا بالتواطؤ ومحاولة وأد الثورة.
في هذه الأثناء، أفادت مصادر لـ«الأخبار» بأن اللجنة المكلفة متابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق، ويرأسها رئيس الغرفة المنتخبة من المجلس الوطني، علي صالح الصالح، قد أنشأت لجنة شبابية لتهيئة الأجواء لحوارٍ آخر، يكون أكثر جديّة مع المعارضة الرسمية، وأن الأحزاب، وفي مقدمتها «الوفاق»، كانت ممتعضة ومتمنعة، لكنها راغبة في إيجاد حل، وخصوصاً بعد معلومات عن قرب توجيه ضربة عسكرية إذا لم يخفضوا سقف مطالبهم، المتمثلة في ما يعرف بوثيقة المنامة. حاولت المعارضة أن تحصل على دعم دولي لوثيقة المنامة لكنها فشلت. ويبدو أنها وصلت إلى مرحلة اليأس. وعندما بدأ الموفدون الأميركيون بتوجيه رسائل غليظة تحتوي على تهديدات، سعت هذه المعارضة إلى تهدئة، لكن من طرف واحد فقط، أي من طرفها، حتى وصل بها الأمر إلى استجداء الحوار من ملك البلاد على لسان رئيس كتلة «الوفاق» المستقيلة عبد الجليل خليل، الذي ناشد الملك حمد بن عيسى آل خليفة القيام بخطوة استثنائية لفتح حوار.

نبيل رجب يقلب المعادلة

يحاول رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، نبيل رجب، أن يؤدي الدور الميداني الذي كان يؤديه زميله المعتقل الحقوقي، عبد الهادي الخواجة، لكن من دون الدخول في صدام مع الأحزاب السياسية. وقد نجح أخيراً في نقل الفاعليات إلى قلب العاصمة المنامة، ونظم ٦ مسيرات تحت مسمى «صمود»، قبل أن يسير باتجاه دوار اللؤلؤة مصطحباً معه عائلته (زوجته وابنه ١٤ عاماً وابنته ٩ أعوام) مع الحقوقي يوسف المحافظة، والحقوقية زينب الخواجة والناشط محمد الحايكي، وجرى قمعهم والتعرض لهم بالضرب، فيما اعتقلت الخواجة لاحقاً. أما نبيل رجب فدعا إلى الزحف مجدداً للدوار تزامناً مع دعوات ائتلاف «١٤ فبراير» للعودة إلى الدوار.



إلى اللؤلؤة در


منذ فترة يحاول البحرينيون اختراق الحصار العسكري لدوار اللؤلؤة، حيث مركز انطلاق انتفاضتهم، من أجل استعادته واستعادة انتفاضتهم المسلوبة. وفي الأمس، توجه الآلاف نحو الدوار، لكن قوات الأمن تصدت لهم بالغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية. وحصلت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن خصوصاً عند دوار القدم على بعد خمسة كيلومترات تقريباً من اللؤلؤة. وبموازاة ذلك، انطلق متظاهرون في مسيرة أخرى مرخصة هذه المرة دعت إليها الجمعيات السياسية المعارضة، على بعد عدة كيلومترات من موقع دوار اللؤلؤة في المنامة. مع ذلك، أعلنت وزارة الداخلية أن المسيرة المرخصة «خرجت عن سلميتها»، وقالت إن «مسيرة «الوفاق» تخرج عن سلميتها المعلنة ومشاركون يقذفون رجال الأمن بالمولوتوف والحجارة والشرطة تتعامل معهم بموجب الإجراءات القانونية». وكان الأمين العام لـ«الوفاق»، علي سلمان (الصورة)، قد دعا أول من أمس خلال مهرجان للمعارضة إلى التمسك بسلمية الاحتجاج، على عكس ما يدعو ائتلاف «14 فبراير».