تونس | شهد الحزب الأول في الائتلاف التونسي الحاكم يوم أمس فصلاً جديداً من المخاض العسير الذي يتعرّض له نتيجة سياساته المثيرة للجدل، إذ تلقف الشارع التونسي حديثاً أجرته أسبوعية «آخر خبر» مع أول نائبة تستقيل من كتلة حركة النهضة فطوم عطية، حيث كشفت في حديثها عن نقاط اختلاف كثيرة مع الكتلة. ولعل أهم نقاط الخلاف بين عطية والحركة الاسلامية، كانت حول المجلس الوطني التأسيسي وخاصة في ما يتعلق بالتنمية وقضايا الفساد وحقوق المرأة وعلاقة حركة النهضة بالسلفيين وخاصة علاقة زعيمها راشد الغنوشي بالفكر الوهابي.
وجعل انتماء عطية (عضو لجنتي المالية والقضاء) الى كتلة النهضة من استقالتها حدثاً إعلامياً وسياسيا بارزاً، خاصة ان هذه الاستقالة جاءت بعد أربعة ايام فقط من استقالة الوزير المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون، من الحكومة بسبب «تقليص نفوذ الحركة في الحكومة لصالح شريكيها» حزب المؤتمر والتكتل من أجل الديموقراطية. كذلك جاءت بعد يومين من تلويح الوزير المستشار المكلف بالثقافة والتربية عضو المجلس الوطني التأسيسي أبو يعرب المرزوقي عن حركة النهضة.
وتأتي استقالة عطية، التي تنتمي لنفس جهة رئيس الحكومة حمادي الجبالي والتي صعدت في نفس القائمة التي ترأسها عن محافظة سوسة الساحلية، في وقت ارتفع فيه الحديث عن «تباينات» داخل النهضة واختلافات في الرأي بين شق يقوده الجبالي يدعو الى الوفاق والتنازل الى الحلفاء وحتى لمن هم خارج الائتلاف الحاكم من أجل المصلحة العليا للبلاد، وبين شق آخر يقوده زعيم الحركة الذي يدعو إلى مزيد من التشدد تحت عنوان «التطهير وتصفية تركة النظام السابق» من خلال قانون «تحصين الثورة» والدعم اللوجستي والسياسي لرابطات حماية الثورة. رابطات أجمعت كل القوى السياسية الديموقراطية على المطالبة بحلها.
في هذه الأثناء، قلّل رئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق، من شأن الاستقالة، بل كذبها، فيما اعتبرت صفحات قريبة من النهضة نبأ الاستقالة فصلاً من فصول تشويه الحركة. ونفت ان تكون النائبة أدلت بأي حوار. ما دفع رئيس تحرير أسبوعية «آخر خبر» الى التأكيد لوسائل الاعلام بأن الحوار مسجل وهو يضعه على ذمة كل من يريد التأكد. وكان الغنوشي نفى وجود خلافات او تباينات في الرأي بين مدير مكتبه السابق زيتون وبين الأمين العام للحركة الجبالي.
في المقابل، ثمة عديد من المعطيات تثبت عدم صحة ما يقوله قياديون في النهضة، من بينها تأكيد رئيس الحكومة أكثر من مرة مسؤولية الدولة في حفظ أمن الأحزاب وتنديده بوجود أي أجهزة أخرى موازية، في إشارة الى رابطات حماية الثورة، فيما تظهر هذه الأخيرة في كل مرة أكثر عنفاً. وهو ما يعني أن طرفاً في الحركة ضد حلها ويوفر لها الغطاء السياسي الكافي لتواصل عملها المخالف للقانون.
كما ظهر الخلاف علنياً عندما هاجم عدد من نواب النهضة في المجلس التأسيسي رئيس الحكومة لدى مناقشة بيان الميزانية، وهو ما يدل على ان هناك تباينات داخل الحركة حتى لا نقول اختلافات.
وبالعودة الى النائبة المستقيلة فقد أثنت في حوارها الصحافي على رئيس الحكومة واعتبرته رجلاً وطنياً صادقاً على عكس زعيمها الغنوشي، الذي قالت إنها «لا ترتاح اليه» وخاصة في موقفه من عنف السلفيين ومن حقوق المرأة والتراجع عن مكاسب الدولة المدنية بما فيها المساواة بين المرأة والرجل. وأكدت النائبة أنها تعتذر لناخبيها لأنها لم تحقق شيئاً مما حلمت به.
أزمة التعديل الوزاري لم تقتصر على الترويكا التي تتقاذفها التجاذبات ولا على حزبي التكتل من أجل العمل والحريات الذي خسر غالبية أعضائه في المجلس التأسيسي، ولا على حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي انشقت عنه حركة وفاء، وخسر نصف اعضاء كتلته تقريباً في المجلس، بل وصلت الى حركة النهضة التي صمدت في السرية طيلة سنوات ونجحت في إخفاء اي خلافات ممكنة في هياكلها. لكن يبدو ان حمى الاختلافات وربما الانشقاقات بدأت تطرق بابها بما يعني أنها بدأت تدفع ثمن الحكم خاصة أن عدداً من المنسحبين منها قبل سنوات أدلوا بحوارات متتالية للصحف والإذاعات والفضائيات قدموا فيها تفاصيل عن كواليس الحركة. وقد اضطرت الحركة في بعض الأحيان الى تكذيب بعض التصريحات واعتبرتها من قبيل التجني والتشويه الممنهج لمصالح سياسية.
استقالة عطية، ورغم أنها لن تغير الكثير من التوازنات داخل المجلس، إذ لا تزال كتلة النهضة تملك العدد الأكبر من الأصوات، لكن لها مؤشرات سياسية على نحو كبير من الأهمية. فهل ينجح الغنوشي في التقريب بين وجهات النظر كما نجح في أكثر الفترات صعوبة؟