عدن | شهد اعتصام «الحراك الجنوبي» المستمرّ منذ منتصف الشهر الماضي، والمطالب بانفصال الجنوب عن الدولة المركزية، تصعيداً مهماً في اليومين الماضيين، حيث أغلق المعتصمون المعابر الحدودية السابقة مع الشمال، ورُفعت أعلام دولة الجنوب المنحلّة عام 1990، على المراكز الحكومية في المدن الجنوبية.
ويواصل أنصار الحراك اعتصاماتهم ومسيراتهم في العديد من المحافظات الجنوبية، ولا سيما عدن وحضرموت، حيث يعتصم الآلاف في ساحة العروض في منطقة خور مكسر في عدن وساحة «القرار قرارنا» في حضرموت، بهدف السيطرة على عدن، عاصمة الدولة الجنوبية قبل الوحدة عام 1990 والمكلا إحدى أكبر المدن الجنوبية.

ونظّم الحراك، في ذكرى استقلال الجنوب 30 تشرين الثاني، مهرجاناً ضخماً حضره عشرات الآلاف من مناصريه، حيث جدّد المطالبة بفكّ الارتباط عن الشمال، داعياً «دول الجوار والعالم» إلى دعم قضيته ومساندتها. وأكد «الحراك» الجنوبي استمرار التصعيد الثوري في كل المحافظات الجنوبية خلال الفترة المقبلة، وقال في بيان، إن استمرار الاعتصام في عدن وحضرموت، وإغلاق المنافذ الحدودية بين الشمال والجنوب، هي أهم الخطوات التصعيدية خلال الفترة المقبلة.

وفي خطوةٍ تصعيدية مهمّة، أخرج «الحراك» أنصاره في مسيرةٍ حاشدة عقب المهرجان، جابت شوارع عدن، وعند اقترابها من مبنى قيادة المحافظة تعرّضت لإطلاق نار ولقنابل مسيلة للدموع من قبل قوات الأمن المركزي، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة أكثر من 10 آخرين إصابات مختلفة. كما رفع أخيراً، أعلام دولة الجنوب على المؤسسات الحكومية في معظم المحافظات الجنوبية، إلى جانب تعميم النشيد الوطني الجنوبي على كل مدارس الجنوب، في إشارة واضحة إلى الشعبية الكبرى التي بات يحظى بها «الحراك» في المحافظات.
ولا تزال مكونات الحراك، تسعى إلى إيجاد حامل سياسي (كيان)، حيث من المتوقع أن يعقد خلال الفترة المقبلة «المؤتمر الجنوبي الجامع» الذي سيضمّ معظم القوى الجنوبية لإيجاد حامل سياسي موحّد، يكون قادراً على التعاطي مع أي مبادرات محتملة لحلّ القضية الجنوبية. ويشكو الشارع في جنوب البلاد، من عدم وجود قيادة سياسية موحدة ويمارس ضغوط شعبية واسعة على قادة «الحراك» ومكوناته بضرورة إيجاد الحامل السياسي الموحد في أقرب فرصة.

رفضٌ لمخرجات الحوار في الجنوب


يسعى الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي إلى «تهدئة» الشارع في الجنوب، عبر تأليف لجان مهمتها معالجة المظالم التي ارتكبت في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وأصدر هادي، منذ تولّيه الرئاسة في شباط 2012، عدداً من القرارات لمعالجة الممارسات التعسفية المتمثلة في إعادة المسرَّحين قسراً من وظائفهم بعد حرب اجتياح الجنوب عام 1994، كذلك في إعادة الأراضي المنهوبة في حضرموت وعدن على يد المتنفذين الشماليين، وغيرها من المعالجات، لكن كل تلك المعالجات ومنذ 2012 حتى اليوم لم ترَ النور، ولم تطبّق على أرض الواقع، وهو ما جعل الشارع الجنوبي يعتقد أن كل تلك القرارات وهمية، هدفُها امتصاص غضب الشارع الجنوبي فقط، وبالتالي وجود حالة من عدم الثقة بين الشعب في الجنوب ومخرجات الحوار الوطني، وهو ما دفع الرئيس هادي أخيراً إلى تأليف لجنة من كبار قادة الدولة، هدفها تطبيق القرارات الصادرة في ما يخصّ معالجات المظالم في الجنوب.

كذلك، يرى أنصار «الحراك الجنوبي» أن مخرجات الحوار التي قسّمت الجنوب إلى إقليمين لا تعنيهم، لكون المبادرة الخليجية التي مهدت لمؤتمر الحوار «جاءت لحلّ قضايا الشمال بين الأطراف المتنازعة هناك، ولم تعطِ القضية الجنوبية أي اهتمام»، كذلك هم يعتبرون، أن ما حصل في مؤتمر الحوار «مجرد التفاف على مطالبهم المتمثلة في فك الارتباط مع الشمال أو حصولهم على حقّ تقرير المصير».
يرى أنصار الحراك أن مخرجات الحوار التي قسّمت الجنوب إلى إقليمين لا تعنيهم

لذلك، وبحسب مراقبين، إن المخرجات السياسية للحوار بتقسيم الجنوب، لن تلاقي أي تجاوب جنوباً، إلا إذا جرى تعديل تلك المخرجات لتتضمن تقسيم اليمن إلى إقليمين شمالي وجنوبي بحدود عام 1990، مع إعطاء أبناء الجنوب حق تقرير المصير بدلاً من تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم. في هذه الحالة فقط، من الممكن التعاطي معها، حيث توجد مكوّنات جنوبية بارزة، بينها مكوّن الرئيس السابق علي ناصر محمد، ومكوّن القيادي محمد علي أحمد، وغيرها من المكونات التي تتبنى الفدرالية المزمنة كحلّ لقضية الجنوب.

مبادرات سياسية لحلّ قضية الجنوب

علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة في «الحراك الجنوبي» أن هناك مبادرة عُمانية يجري تداولها في الغرف المغلقة بهذا الشأن. المبادرة تتضمّن حلولاً لقضية الجنوب تتضمن فدرالية بين الشمال والجنوب من إقليمين بحدود عام 1990، لفترة زمنية ثم يعطى شعب الجنوب الحق في تقرير مصيره، إما بالبقاء في الفدرالية، أو الانفصال على نحو كامل عن الشمال.
المصادر قالت إن المبادرة حتى الآن لم ترَ النور، وإنها لن تقتصر على الشأن الجنوبي، ولكنها ترمي إلى حلحلة الأوضاع كافة في اليمن، حيث تتضمّن إيجاد مجلس رئاسة في اليمن يضم 5 أشخاص بينهم الرئيس اليمني الحالي و 4 آخرين من المكونات السياسية اليمنية، بما فيها «الحراك الجنوبي»، وأن أولويات المجلس ستكون تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار والمبادرة العُمانية والتهيئة لانتخابات رئاسية جديدة وتطبيق نظام الأقاليم.

رئيس تحرير صحيفة «عدن الغد»، فتحي بن لزرق، قال في حديثٍ لـ«الأخبار»، إن خيارات الجنوبيين اليوم لا تزال كما هي، وهي تكمن في أن الغالبية العظمى من الناس تطالب باستقلال الجنوب عن الشمال وما سيحدث هو أن حركة الاحتجاجات لن تتوقف وربما تتجه الأمور نحو التصعيد العنيف. وأضاف أن المطلوب في الجنوب اليوم «مبادرة سياسية دولية» تضع وتقدم حلا سياسياً حقيقياً لهذه القضية.
من جهته، رأى القيادي في حركة النهضة الجنوبية، علي الأحمدي، إنه لا خيار للحراك في الأيام المقبلة، إلا التوافق على قيادة فاعلة موحدة تتعامل مع معطيات الوضع الراهن المتسارع، وتمثل الجنوب أمام الحضور الدولي والإقليمي الفاعل في اليمن.
وأضاف الأحمدي أن الحوار الوطني كان يمثل قاعدة مقبولة للانطلاق منها إلى حلّ قضية الجنوب، ولكن تداعيات الوضع في صنعاء أفرغتها من محتواها، وصار التعامل مع قضية الجنوب، وفق الأمر الواقع، مضيفاً أن «هذا يعيد القضية الجنوبية إلى مربّعها الأول، مربع الهيمنة والاستبداد لقوى النفوذ في الشمال».