عندما خرج الآلاف من أبناء شعب البحرين في الرابعَ عشرَ من شباط/ فبراير عام 2011 إلى الساحات، كانوا يأملون أن يعودوا إلى منازلهم وحلم "وطن للجميع" قد تحقّق. لم يتوقّعوا أن ينتقل حلمهم هذا خارج الإطار الجغرافي لجزيرتهم. عادوا إلى بيوتهم، فوجدوا أنه أصبح إقليمياً... ومن ثم دوليّاً.الديموقراطية، العدالة الاجتماعية، الحرية، المساواة، الأمن... تلك كانت أبرز مطالب شعب البحرين، والتي سرعان ما وجدت طريقها إلى أروقة دول "مجلس التعاون الخليجي". هناك، أصبح الفرقاء يتقاسمون الوجبة على وقع الاستقطاب الطائفي الكبير للأقطاب الإقليمية (إيران والسعودية والإمارات). نتج من التجاذبات الخليجية وقتها، قرارٌ بدخول قوّات "درع الجزيرة" (عناصر سعودية وإماراتية قُدِّرت بحوالى 1500 جندي) إلى البحرين، والتي كان لها دور رئيسيّ في سحق الحراك، بمعيّة عناصر قوّة دفاع البحرين (الجيش).
البحث الخارجي في الشؤون المحلية الشعبية المطلبية، كان ناتجاً من قلق الزعماء العرب من انتقال حالة سقوط الزعامة ــــ كما حدث في مصر ــــ إلى دول أخرى، والبحرين ليست استثناءً. بدورها، لم تتوانَ المعارضة بشقَّيها السياسي والحقوقي عن إبراز قضية شعب البحرين ومطالبه المشروعة في المحافل الدولية منذ ذلك الحين، حيث كان من أبرز الملفات المناقَشة توصيات اللجنة البحرينية المستقلّة لتقصّي الحقائق. إلّا أن السلطات في المنامة، وجرياً لعادتها، تجاهلت هذه المطالب والتوصيات، ما أدّى إلى اتّساع دائرة العمل الحقوقي أكثر من ذاك الإعلامي والسياسي.
لم تتوانَ المعارضة بشقَّيها السياسي والحقوقي عن إبراز قضيّة شعب البحرين ومطالبه المشروعة في المحافل الدولية


في السنوات الخمس الأولى التي تلت انطلاق الحراك الشعبي السلمي، كان لافتاً تفاعل المجتمع الدولي «منظمات، أمم متحدة، دول، هيئات»، مع ملف البحرين ومطالب شعبها العادلة. في المقابل، عملت السلطات على تضليل الرأي العام عبر الإعلام الرسمي والخارجي من خلال إيهامه بوجود حوار «جدّي» مع المعارضة. تضليلٌ سرعان ما سقط مع أول اختبار بعد اجتماع ما سُمّي بـ«الأعيان»، حيث كان الهدف استبدال المعارضة بشخصيات معينة تُعرف في منطقة الخليج بـ«الوجهاء». من هذا الباب إذاً، كان جليّاً محاولات السلطات في البحرين لنقل المعركة إلى الداخل مجدّداً بهدف إحكام السيطرة على المعارضة، وخاصة بعدما كشفت الحقائق على الساحة الدولية. وعليه، بدأت العمل على شطب المعارضة بشكل تدريجي من المشهد السياسي. فحلّت جمعيَتي "العمل الوطني الديموقراطي" (وعد)، و"الوفاق الوطني الإسلامية" التي حكمت على أمينها العام، سماحة الشيخ علي سلمان، بالمؤبّد. وحاصرت كل الأصوات المعارِضة، فاعتقلت النشطاء الحقوقيين والإعلاميين. ومع وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، ازداد الأسلوب الأمني الرسمي شراسةً، بعدما أعطى الضوء الأخضر للسلطات في البحرين في سبيل إنجاز المهمّة الصعبة؛ فتمّ العمل على وأد المطالب الشعبية من جوانب عدّة، وهو ما أدّى إلى فقدان الوصول إلى حوار جادّ بين السلطات والمعارضة.
داخليّاً، كانت الإرادة الرسمية الحقيقية لإحداث تحوّل ديموقراطي غائبة، وذلك على مستوى الأدوات التشريعية المنقوصة الصلاحيات، ومنها مجلسا النواب والشورى. أما خليجيّاً، فكان بارزاً عدم وجود رغبة في توسيع دائرة المعارضة المطالبة بالملكية الدستورية. ودوليّاً، كان لطبيعة العلاقة العدائية بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية الأثر الأساس، إذ جرى تنميط مطالب شعب البحرين بالغطاء الديني المذهبي، وهو ما نفاه تقرير "بسيوني". وهي عوامل كافية لطرح إشكاليّة ما إذا كان هناك إمكانية لتسوية ملف البحرين من دون رغبة إقليمية، إلّا أن العناصر المشتركة للحلّ السياسي في بلادنا تتصارع على النفوذ في المنطقة، وهو ما يؤخّر أمل البحرينيّين في بلد تسوده مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان.

* نائب بحريني سابق عن كتلة الوفاق المعارضة