في وقت يتصاعد فيه التوتر بين السعودية والإمارات من جهة، وتركيا من جهة أخرى، مُنذِراً بمزيد من التدهور في العلاقات، تعزّز أنقرة اندفاعتها نحو مساندة حليفتها في منطقة الخليج، إمارة قطر، في خطوات جديدة لا تخلو من رسائل سياسية لكل من الرياض وأبو ظبي. رسائل يقابلها خفوت في جولة مبعوثَي الإدارة الأميركية إلى المنطقة، الجنرال المتقاعد أنتوني زيني ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج تيم ليندركينغ، والتي لا يبدو إلى الآن أنها أوصلت إلى نتيجة إيجابية.ولعلّ ذلك هو ما حمل وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، على التوجه على جناح السرعة نحو سلطنة عمان، بالتوازي مع بلوغ سجالات «الأشقاء» مستوى «مُقلقاً»، وانبعاث أجواء التصعيد العسكري.
ووصل ماتيس، عصر أمس، إلى عُمان، في زيارة رسمية تستغرق عدة أيام، ويلتقي خلالها السلطان قابوس بن سعيد، ووزير الدفاع العماني، بدر البوسعيدي، ومسؤولين آخرين. وقال ماتيس للصحافيين، في الطريق إلى السلطنة، إن «وحدة مجلس التعاون الخليجي تتعرض لضغوط»، مضيفاً «(أنني) أرغب في الاستماع إلى ما يمكن أن يفعله السلطان (قابوس) حيال هذه المسألة». وأعاد التشديد على أن «تماسك الخليج مهم جداً للحفاظ على الاستقرار في المنطقة». وتأتي هذه الزيارة في ظل الصمت المصاحِب لجولة مبعوثَي وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى المنطقة، والتي لا يظهر أنها أفلحت في إحداث اختراق في جدار الأزمة.
إخفاق أوحت به، كذلك، تصريحات تيلرسون الأخيرة خلال جولته الأفريقية، والتي أشار فيها إلى «(أننا) قلقون جداً حيال النزاع بين شركائنا الخليجيين»، مضيفاً أن «الرئيس ترامب منخرط مباشرة في النقاشات مع القادة حول هذا النزاع»، مكتفياً في معرض حديثه عن زيارات زيني وليندركينغ بالتذكير أن «الخارجية الأميركية في مهمة في الخليج... بهدف البحث عن طريقة لبدء عملية لحل النزاع». وفي موقف لافت هو الأول من نوعه، حذّر الوزير الأميركي الخليجيين من «أن يستخدموا دولاً أخرى لتكون جزءاً من الخلاف الموجود بينهم»، داعياً إياهم إلى «حل مشاكلهم بدل نقلها إلى دول أخرى».
تيلرسون: على الخليجيين حلّ مشاكلهم بدل نقلها إلى دول أخرى


لكن تمنيات تيلرسون لا تلقى، إلى الآن، ترجمة على أرض الواقع، حيث لا يزال الصراع الخليجي في مناطق النفوذ الآسيوية والأفريقية متصاعداً، تزامناً مع انخراط إقليمي أكبر في ديناميات الأزمة، ما يجعل أمر حلحلتها أكثر صعوبة. يوم أمس، وصل رئيس الأركان التركي، خلوصي أكار، يرافقه قائد القوات البحرية التركية، عدنان أوزبال، إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث يجريان لقاءات رسمية مع المسؤولين القطريين. لقاءات تعقب توتراً إضافياً على خط الرياض - أبو ظبي - أنقرة، بعدما استكمل وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، هجوم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على تركيا. إذ اتهم تركيا، بـ«التعرض للدول العربية الرئيسية، ودعم حركات مؤدلجة تسعى إلى تغيير الأنظمة بالعنف»، مطالِباً إياها بـ«مراعاة سيادة الدول العربية واحترامها». وكان ابن سلمان قد وصف، خلال لقائه إعلاميين مصريين في القاهرة أخيراً، تركيا، بأنها «جزء من مثلث الشر في المنطقة». على ضوء ذلك، يمكن فهم زيارة أكار وأوزبال على أنها تذكير للسعوديين والإماراتيين بما مفاده «أننا على مقربة منكم».
ما يضفي دلالة إضافية على التحرك التركي أن من أوكِل إليهم القيام به هم شخصيات عسكرية لا سياسية، في وقت يعود فيه الحديث عن «استفزازات» إماراتية لقطر، برضى سعودي، بهدف حمل الدوحة على اتخاذ إجراءات مضادة. أول من أمس، أعلنت قطر، رسمياً، أن كلاً من الإمارات والبحرين انتهكتا مجالها الجوي، بعد نحو شهرين من شكوى مماثلة تقدمت بها السلطات القطرية إلى الأمم المتحدة. وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية أن طائرة عسكرية إماراتية اخترقت الأجواء القطرية في 14 كانون الثاني/ يناير و25 شباط/ فبراير الماضيين، متابعة أن طائرة عسكرية بحرينية أقدمت على الفعل نفسه في الـ 28 من الشهر الفائت. وأشارت إلى أن قطر أبلغت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بـ«هذه الخروقات»، وطالبتهما بـ«اتخاذ ما يلزم». وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من كشف السلطات القطرية عن أن زورقاً عسكرياً إماراتياً «اختطف» قارب صيد قطرياً، لا يزال طاقمه المكون من 8 هنود محتجزاً حتى اليوم. وبالنظر إلى تكرّر تلك «الاستفزازات»، وترافقها مع استمرار العمل على «تعويم» المعارِضين القطريين، على الرغم من ادعاء دول المقاطعة عدم انشغالها بالأزمة، يصبح من غير المستبعد أن تكون نية الرياض وأبو ظبي جرّ الدوحة إلى خطوة ما، يصبح التصعيد مبرّراً من بعدها.
وأياً تكن حقيقة «الخروقات الإماراتية»، فإن تواصل التراشق، على أعلى مستوياته، بين طرفَي الخلاف، ينبئ بأن الجهود الكويتية والأميركية لا تزال «تغرّد» خارج فضاء «المتحارِبين». عقب تصدّر وزير الدولة الإماراتي، أنور قرقاش، ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، واجهة السجال المحتدم منذ أشهر، دخل رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، والمستشار في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، بقوة، على الخط، ليخطفا بعضاً من الأضواء من قرقاش وآل ثاني. وبلغت الاتهامات المتبادلة بين ابن جاسم والقحطاني بـ«العمالة» لإسرائيل درجة غير مسبوقة، لناحية وصولها إلى المستوى الرسمي، بعدما كانت محصورة في الجانب الإعلامي. واتهم وزير الخارجية القطري السابق، السعودية، مبطّناً، بـ«التنازل عن الحقوق الفلسطينية والإسلامية»، ليردّ عليه القحطاني بوصفه قطر بأنها «حصان طروادة الذي هدم عملية السلام».