يبدو من الصعب الكتابة عن ناجي العلي، لما له من محبين في العالم العربي والعالم، فكل قول عنه ناقص، وكل مديح له قليل. وكما أن الكتابة عنه صعبة، فهي سهلة في الوقت ذاته، لوضوح ما قدّمه وتركه من إرث نعرف بعضه، فهناك من يقول إن رسوماته تعدّت الأربعين ألفاً.لكنّ الكتابة عنه في ذكرى إطلاق الرصاص عليه في لندن يوم 22 تموز 1987، وفي ذكرى استشهاده في 29 آب من العام ذاته، تبدو بروتوكولية في العرف الصحافي، إلا أن البحث عنه في صفحات الإنترنت، يجعل المرء يعيد النظر، فناجي العلي لم يُكتب عنه الكثير. وحتى الاحتفاء به في ذكراه ينتهي عند حدود مرسومة، فلا تقربه الجهات الرسمية الفلسطينية، كما يحصل عادة مع المبدعين في ذكرى رحيلهم، ولا سيما الشهداء منهم.

ليست هناك كتب كثيرة تناولت حياته وسيرته، هناك نتف عنه في كتب عدة، لكن لم يُخصص له الكثير. صديقه الشاعر والروائي والناقد محمد الأسعد، وضع كتاب «مديح البياض: في الخطاب الفلسطيني الممنوع» (بيروت، دار الفارابي 2015)، ورواية «على عهدة حنظلة» للكويتي إسماعيل فهد إسماعيل. هناك كتب أخرى قليلة، لم تلقَ شهرة ولا ذاع صيتها، ربما لأنها كتب ردود فعل، وليست كتب العقل البارد الهادئ الذي يعالج الفكرة ويوضحها ويتأنّى في إيصالها، فتأتي هذه الكتب استعراضية أكثر منها كاشفة. لكن هل يعود السبب إلى قرار بعدم الاهتمام بناجي، أم أن شهرة ناجي العلي فاقت كل شيء؟ في التدقيق وفي المعاش، يندر أن يوجد أحد في العالم العربي على الأقل لا يعرف ناجي العلي، أو لم يشاهد له رسمة كاريكاتورية، أو لم يمر عليه حنظلة الذي أصبح رمزاً مستخدماً في كثير من المحافل المتعلقة بفلسطين في العالم، أو حتى بفعّاليات متعلقة بقضية تحرر ما.
إنما لو بحثنا عن ناجي في «الرسمي» الفلسطيني لَما وجدناه ولَما عثرنا عليه إلا بين بعض الخطابات المضطرّة للحديث عن الرموز الثقافية الفلسطينية، بينما على مستوى الفعل، فليس هناك من يفعل، وأبسط ما يمكن أن يحدث، مساندة عائلته في إصدار أعماله ضمن كتب، كما فعل خالد ناجي العلي قبل أعوام، بإصداره كتاب ناجي العلي الرابع عام 2008، بعد أن أصدر ناجي العلي ثلاثة كتب كاريكاتورية في أعوام 1976 و1983 و1985.
وليس واضحاً سبب عدم الاهتمام الرسمي الفلسطيني بناجي العلي، وأخشى أن يكون النقد اللاذع الذي كان يوجّهه إلى قيادة منظمة التحرير هو السبب، فهذا إن صح، هو مصيبة المصائب. فناجي العلي، وبعد سنين من اغتياله، وبراءة المنظّمة من دمه بالدلائل والوقائع، لا بد من الانتباه إلى ما حفره ابن قرية الشجرة وابن مخيم عين الحلوة في الوعي العام للفلسطينيين والعرب، فهذا الرجل الذي يثبت دائماً أنه فقط غاب ولم يمت، رسم الطريق، وبيّن الخلل، وأشار بالبنان إلى أن لفلسطين طريقاً واحدة لا ريب فيها، وكل الطرق الأخرى لن تؤدي إلى القدس، بل إلى ما نحن فيه اليوم وأكثر. ولو بحثنا في رسومات ناجي أكثر لعرفنا إلى أين المآل وحالنا هذا الحال الرديء، وهذا الكلام ليس استعراضاً وأسطرة له، فهو ليس بحاجة إلى هذه الكلمات، فخطوط قليلة له، لو وضعتها قبل هذه المادة السريعة لكفت القارئ أن لا يقرأ هذه الجملة الأخيرة.