يتعرّض فيلم جو بو عيد لحملة مكارثيّة بلغت ذروتها مع طوني خليفة الذي قدّم في برنامج «للنشر»، قراءة سطحيّة وتحريفيّة لعمل روائي قائم على الخيال، ولا يقصد «الاساءة إلى معتقدات» أحد. نعم، الاعلامي الـ trash الذي اعتاد النبش في قاذورات الحياة الشخصيّة للآخرين، والتلصص من ثقوب الأبواب، أخذ يدافع عن الدين بحدّة لا يتوقّعها المشاهدون عادة من وسيط مهمّته طرح القضايا وادارة النقاش. وقد استدرج طوني «الورِع» بعض الإكليروس إلى قراءته الاختزاليّة لفيلم لم يشاهده، مستعملاً خلال النقاش مصطلحات لا يفقه معناها على الأرجح.
الأب «الفنّان» فادي تابت تحدّث عن «قباحة الغرب التي لا ينبغي نقلها إلى الشرق». لعلّه يقصد بالقباحة أفلام فيلليني وبازوليني والأخوين تافياني! أما الأب اتناثيوس شهوان الذي يفهم في اللاهوت بلا شكّ، لكنّه لم يسمع ربّما بالمجتمع المدني ودولة القانون، فقام بقفزة عجائبيّة فوق الجميع، داعياً «رئيس الجمهوريّة، شخصيّاً، إلى التدخّل فوراً لوقف عرض الفيلم». النتيجة حلقة غير متوازنة، قمع فيها منتج الفيلم نصار سمراني. حلقة تفتقر إلى أبسط المعايير المهنيّة، وتشكّل شتيمة لذكاء المشاهدين، واعتداءً سفيهاً على الحريّة. على فكرة، لو اعتمدنا المعايير «الفكريّة» للاعلامي ذي الوعي «المذعور» وضيفيه، لشطبنا نصف تراث الفنّ السابع على الأقلّ، بدءاً بالسينما الإيطاليّة المعروفة باستحضارها النقدي والكوميدي للكنيسة ورموزها.
«تنّورة ماكسي» الذي أجازته الرقابة (مع تحفّظنا المبدئيّ على دورها من أساسه)، قد لا يكون علامة فارقة في السينما اللبنانيّة الجديدة. إنّه واحدة من تلك المحاولات التي فتحت لها الطريق نادين لبكي، بمقاربتها «النوستالجيّة» المستلبة للواقع اللبناني المشروخ… لذا ترى تلك التجارب مصابة بشكل أو بآخر ـــ مع تفاوت في النضج التقني أو الوعي السياسي، بين عمل وآخر ـــ بما يمكن تسميته عارض نادين لبكي أو «لبكي سيندروم». القاسم المشترك بينها هو الاستحضار المثالي و/ أو الغيبي، المنمّط في كلّ الأحوال، لواقع متخيّل مبالغ في تنميقه وأسطرته، أو أدلجته، على خلفيّة تداعيات أوتوبيوغرافيّة أحياناً، وفي ديكور محاصر غالباً بذاكرة ريفيّة طاغية. لكن، إذا كانت لبكي تستند في «هلق لوين؟» إلى سيناريو متماسك قائم على معايير تسويقيّة دقيقة تحقق الاجماع السياسي بتعميميّتها… وإذا كان دانيال جوزيف قد هرب في «تاكسي البلد» إلى حكاية ذاتيّة بعيداً عن أي تماس مباشر مع الراهن… فإن جو بو عيد اختار المواجهة مع الواقع، في باكورته الروائيّة التي تشكو للأسف من سيناريو مهزوز يفلت من كاتبه ويمضي في كل الاتجاهات. لقد ابتعد السينمائي الشاب عن التعميم، ليسمّي الأشياء بأسمائها في سياق سياسي متوتّر، مقدّماً نظرة سلبيّة إلى «القوّات اللبنانيّة» الأمر الذي أزعج بعضهم بتقديرنا أكثر من الاستعراضات الخرافيّة الهاذية في الكنيسة، أو شخصيّة طالب الكهنوت الذي استبدّت به الشهوة، على طريقة «سانت أنطونيو» (وهو مشهد كلاسيكي في السينما الايطاليّة وغيرها). بهذا المعنى تلتقي «تنّورة» بو عيد مع «شارع هوفلان» فيلم مارون نصّار ومنير معاصري الذي يأخذ موقفاً أيضاً، لكن في الموقع السياسي النقيض. كما اعتمد بو عيد لغة سينمائيّة جريئة، قوامها الفانتازيا والمرح، مسلّطاً الضوء على مجموعة من العيوب الأخلاقيّة والاجتماعيّة للبيئة التي ينتمي إليها… وتلك الفاتنازيا هي التي أسيء فهمها، ما يكشف عن درجة متردّية من الوعي والنضج الفكري والمعرفي، عند بعض «النخب» الثقافيّة والاعلاميّة.
باختصار، من المخجل اليوم أن يسحب «تنّورة ماكسي» من الصالات بتدخّل سياسي. وعلى كل المدافعين عن حريّة التعبير، من اعلاميين ومثقفين ومبدعين وجامعيين ومناضلين وناشطين في المجتمع المدني، أن يحولوا دون هذه المهزلة. إذا كانت لدى «المجلس الكاثوليكي للاعلام» اعتراضات مشروعة حكماً ـــ كما أوضح بهدوء الأب عبدو أبو كسم في اتصال هاتفي مباشر، مقاوماً المزايدات الديماغوجيّة لمحاوره الهستيري ـــ فعليه أن يأخذ طريق المحكمة، كما تقتضي الأصول الديموقراطيّة، لمقاضاة الفيلم وأصحابه. وليأخذ الخلاف عندذاك شكل نقاش فكريّ وعلميّ وقانونيّ هادئ، يشترك فيه جميع اللبنانيين. وإلا، فسنترك لأصحاب الوعي التقريبي أن يرسموا حدود الحريّة، ويحددوا وجهة النقاش الفكري. وسنسمح لبعض الغلاة أن يعيدونا إلى زمن «محاكم التفتيش» والـ Index Librorum Prohibitorum (دليل الكتب المحرّمة). وسينجح طوني خليفة، حامي الفضيلة والدين، في استدراج الرأي العام (المسيحي تحديداً، إذا صحّ مثل هذا التصنيف) إلى استنساخ ممارسات ظلاميّة غريبة عن تقاليده النهضويّة، وممارساته المنفتحة، منذ وجد لبنان؟
29 تعليق
التعليقات
-
رداً على الاب اثناسيوس شهوانايها الاب الفاضل، من المفترض ان تكون انت متعمّق اكثر من غيرك في الكتاب المقدس، لذلك سيكون ردي منه. الأصحاح السابع 7: 1 ما اجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع 7: 2 سرتك كاس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن 7: 3 ثدياك كخشفتين توامي ظبية 7: 4 عنقك كبرج من عاج عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم انفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق 7: 5 راسك عليك مثل الكرمل و شعر راسك كارجوان ملك قد اسر بالخصل 7: 6 ما اجملك و ما احلاك ايتها الحبيبة باللذات 7: 7 قامتك هذه شبيهة بالنخلة و ثدياك بالعناقيد 7: 8 قلت اني اصعد الى النخلة و امسك بعذوقها و تكون ثدياك كعناقيد الكرم و رائحة انفك كالتفاح 7: 9 و حنكك كاجود الخمر لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين 7: 10 انا لحبيبي و الي اشتياقه 7: 11 تعال يا حبيبي لنخرج الى الحقل و لنبت في القرى 7: 12 لنبكرن الى الكروم لننظر هل ازهر الكرم هل تفتح القعال هل نور الرمان هنالك اعطيك حبي 7: 13 التفاح يفوح رائحة و عند ابوابنا كل النفائس من جديدة و قديمة ذخرتها لك يا حبيبي
-
مع احترامي لجميع الاديان،فليسمع احترامي لجميع الاديان،فليس بالكبت ولا بالقوه يزيد الايمان ولا الموءمنين،.ان لكل شخص حق التعبير عن نفسه ولو كان ذلك يختلف مع معتقدات غيره.خاصتاًً ان الفيلم يعرض في صالات العرض وليس على شاشات التلفزه.فمن تتعارض افكاره ومعتقداته مع هـكذا عمل ليس ملزماً بروءيته او تشجيعه وانما لا يحق لأحد منع عرضه.هذا الفيلم أخذ سنين من العمل وكمًًّ من المال وعدد من الفنانين ولا يجوز ايقافه.وأخيراً فإنّ الموءمن الحقيقيّّ لن يتأثّر او يتزحزح ايمانه امام عمل فنّي خياليّ..فلا حاجه لكلّ هـذه الدراما بسسبه...
-
شكرا" بيارأين نحن من حرية الفكر؟ لقد أصبحنا تحت رحمة المؤسسة الدينية و تحت رحمة سلفية جديدة في بعض الأعلام و الأتي اعظم اذا أستمرينا بالسكوت و قبول سيطرة المؤسسة الدينية في قمع الأبداع . انسينا القرون الوسطى؟ أم نحن امام ربيع مسيحي جديد يلافي الربيع السلفي اظن أنه من الأفضل للكاثوليكي لللأعلام أصدار بيان للتضامن مع ألأسرى الفلسطينين المضربين عن الطعام بدل متابعة هذا الموضوع
-
بارك الله بك يا استاذ بيارن الفكر الديني المتزمت هو من أهم الأسباب التي أدت للدعوة الى فصل الدين عن الدولة في الغرب المتحضر و التي ادت الى أنطلاق المجتمع المدني بشكل فعال, و ها هو الخليفة خليغة يسايق رجال الدين في محاربة الأبداع و أستعمال منبره الهوائي بشكل افقده توازنه الفكري و زايد على من كان معه و أستفزني لأن أكتب ليس دفاعا" عن فيلم لم أحضره و لن أحضره بل دفاعا" عما بقى لنا من حريات أنها المكارثية الجديدة
-
رائع جدا الحوار الثقافيرائع جدا الحوار الثقافي والحضاري بين الأب اثناثيوس والأستاذ بيار ابي صعب عسى ان نبقى جميعا ضمن هذا الخط الحضاري الراقي في النقاش حيث يعطي كل صاحب وجهة نظره رأيه بصراحة وموضوعية ومحبة ، دون السعي الى اي شكل من أشكال التخويف أو التخوين أو التكفير أو أو ... وهذا للأسف ما صرنا نصادفه كل لحظة في لبنان :في السياسة او الدين فليتابع هذا الشكل في الحوار والله يهدي من يشاء والسلام
-
حكيم يا بيار،اتمنى ان يلتزم المدافعين عن حرية التعبير بالنداء بالرغم من موقفهم السلبي تجاه الفيلم او الشريط.
-
وأضيف يا بيار شيئًا آخر حتىوأضيف يا بيار شيئًا آخر حتى ولو أتت معارضة جهة حزبية على الفيلم هذا لا شأن للكنيسة به فكل مخرج وكل شخص له الحق في إنتقاد ومهاجمة أي جهة سياسية لأن في لبنان لا أحد بريء من دم هذا الصديق ولكن فلتبقى القدسيات على حياد لا أحد يحق له أن يرسخ صورًا قبيحة ضد الكنيسة هي ملجاء للسلام والهدوء والتعالي والتجلي ليجعلها رخيصة ومبتذلة وكلنا يعرف مدى قوة الصورة ونتائجها وتأثيرها على وفي فكر الإنسان في التصوير مثلاً لا يحق للمصوراتي زن ينشر صورة وجه دون إذنه حتى ولو جعل منه ملاكًا هذا في القانون فلماذا إذاً نترك صورًا قبيحة ضد الإيمان المسيحي في السوق وبعدها نقول لتقل المحكمة قولها لا هذا ليس حضاري واجب كل إنسان أن يحترم القيم ويحافظ عليها ما قدّسه أباؤنا وقدسته أمهاتنا لا نرميه في الزبالة بإسم الحرية وعدم القمع اليس التجريح هو قمع فالنتعالى برؤيتنا للأمور والهدوء من المسؤولين وخاصة المعنيين في هكذا مواقف هو "نص كم" لأن صرخة الألم لم تكن في يوم من الأيام نسيمًا
-
تنورة ماكسيطوني خليفة حامي الفضلية والدين ورئيس محاكم التفتيش في لبنان والعالم العربي
-
لأننا بحاجة الى نقد موضوعيلأننا بحاجة الى نقد موضوعي ولو اختلفنا معه، ولأننا بحاجة الى من يضع حد للهرطقة الاعلامية مساء كل سبت.. بيار ابي صعب.. شكراً
-
كلبناني لا اعترف بهذا الTRASHكلبناني لا اعترف بهذا الTRASH الذي اعترف مباشرة بان المواضيع المطروحة في برنامجه ليست مبنية على اسس بل على اقوال سمعها من احد المحرّضين. اراد تسويق برنامجه على حساب الدين وعلى حساب هذه التحفة الفنّية التي وان فهمها وقع في غرامها. دون ان اذكر بان هذا الشخص والذي لا اسميه بالصحافي لكي لا اهين الاعلاميين الشرفاء بانه ظهر عاريا باهد المسلسلات اللبنانية قرب دومنيك حوراني. عجبا كيف يصح فجأة على مسألة الكنيسة بذاتها اعترفت بان تنوره ماكسي لا يمس لا بالمسيحية ولا بالكنيسة. شاب مسيحي فخور بديانته وبوجود مبدعين كجو بو عيد
-
God Bless youسلام الرب معك يا أخي بيار أبي صعب شكرًا لتقديركم لي لاهوتيًا وصدقوني أنا لا شيء أمام من عشقته نفسي آي ربي يسوع أولًا أشكركم لإستعمالكم كلمة "ربما" لكنّه لم يسمع ربّما بالمجتمع المدني ودولة القانون ثانيًا كما أرجو لفت إنتباهكم لأمر هام جدًا: الإيمان ليس وجهة نظر فأنت أو تقبله وتعيشه أو ترفضه وأنت حر ولكن ممنوع أن تجرحه لأنك تجرح الآخرين بعمق جوهرهم ثالثًا صلاة الأبانا قالها الرب يسوع ودعانا لنصليها بحشمة ووقار وليس أمام إمرأة بالمايو مستلقية فهناك صورة العفة المرجوة والجرس يدعوك لتصلي وعندما تسمعه يقول لك الرب ليرقص قلبك فرحًا مع ملائكتي وقديسين السماء ووموجود في وجدان سامعيه وقفةً سماوية والكلام الجوهري لا يُرقص عليه ولا تجلس إمرأة بلباس غير محتشم من فوق تحت أيقونة للعذراء مريم والدة الإله عند المسيحيين ين والرقص الإباحي الإيحائي داخل الكنيسة على كلمات أقدس التراتيل ورقص إيحائي جنسي وخلفهم الكنيسة وأمور أخرى.... ألا تعتقدون أن القانون يمنع أي إنسان من شتم وتشويه الأخرين فهل الحرية أن أرمي مقداستك وما تربيت عليه في صور قبيحة حتى ولو خيالية أراك يا يإلهي جميلًا لأنك جعلتي جميلًا على صورتك وصرة كل من ألتقي به أليس القانون وضع ليذكر الإنسان بإنسانيته وإن نساها يدفعه ليطبّقها رابعًا أشكرك ودمت كصديق مستقبلي إن أردت عسى أن نلتقي ساعة تشاء باركك الله يا "بيار" أو يا صخر لتكون صخرةً بخاقها
-
بيار.. يسلم تمك وقلمكبيار.. يسلم تمك وقلمك
-
لقد شاهدت حلقة "للنشر" خصوصالقد شاهدت حلقة "للنشر" خصوصا الفقرة المتلعقة بالفيلم موضوع المقال، نعم لا بد من صون حرية الرأي والتعبير والإضاءة على بعض الثغرات في المجتمع، لكن لماذا المشاهد الجنسية الجريئة؟ هللا تعلمون أيها السادة الإعلاميون يا أصحاب الحرية، أننا لم نعد نأمن على أطفالنا وأولادنا الفتيات والفتيان من جلوسهم أمام "tv"لأننا لا نعلم متى يطلع علينا إعلان تجاري فيه ما فيه من المشاهد الخادشة للحياء؟ حتى برنامج "للنشر" وأيضا البرامج الفكاهية و اللائحة لا تنتهي هل يندرج كل هذا تحت عنوان حرية الرأي والتعبير؟
-
بربك انتبهتلي كيف صب هذابربك انتبهتلي كيف صب هذا ’’المرشد الاجتماعي’’ او ’’المبشر الديني’’ جام غضبه على ’’من يعتبرون انفسهم علمانيين’’ ؟!؟!؟!؟ بس هاي نغمة جديدة هه ... اذا كل عمل فني (كتاب - فيلم - مسرحية) صار لازم يجيب موافقة ممثلي 23 طايفة بالبلد, ايه عمرها ما تكون .. على فكرة يا بيار , كان مستغربا جدا تجاهل و غياب اي تضامن من الاخبار مع ادونيس في زمن التكفير و تحليل الدماء .. و شكرا
-
كنا نتمنا مقال مشابه ، حينكنا نتمنا مقال مشابه ، حين نزل جمهور احد الاحزاب إلى الشوارع و احراق الدولايب . رد على تقليد كاريكاتوريا لزعيمها في احد البرامج التلفزيونية .