من جديدٍ تثار التكهّنات حول مستقبل العلاقة بين «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» و«جبهة النصرة». وحتى وقت قريب كان الطرفان يرتبطان «فكريّاً وعقائديّاً» بتنظيم «القاعدة»، كل منهما على طريقته. ففيما أعلنت «النصرة» ولاءها، وصارت معتمدَة كفرع رسمي للتنظيم في «بلاد الشام»، فقد بقيت «بيعة الأحرار» سريّة.
لكن، ومنذ اغتيال مؤسس «أحرار الشام» حسان عبّود ومعظم «قادة الصف الأوّل» فيها، وُضعت العلاقة بين «الحركة» و«النصرة» على المحك. خلافات كثيرة نشبت بين الطرفين تطوّر بعضها إلى اشتباكات في بعض المواقع، لكنّ جهود الاحتواء كانت تنجح دائماً. رغم ذلك، ظل العديد من كوادر «النصرة» ينظرون إلى «الأحرار» بعين الشك. اليوم باتت «الحركة» التي تُعتبر أقدم تنظيم «جهادي» سوري متّهمة بـ«الارتماء في حضن الغرب» والاستعداد لـ«مقاتلة التيار الجهادي بأكمله». «الحركة» كانت قد سجّلت محاولتين للدخول على خط «مخاطبة الرأي العام الغربي»، عبر مقالين لـ«مسؤول العلاقات الخارجيّة» لبيب النحاس، نُشر أوّلهما في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في العاشر من الشهر الجاري، وثانيهما قبل أيّام في صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانيّة. وفيما اقتصرت ردود الفعل التي أثارها المقال الأول على تعليقات عابرة امتدحت الخطوة، وأخرى انتقدتها عبر صفحات «الجهاديين» في مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ المقال الثاني أثار ردوداً من العيار الثقيل، بعد أن دخل على الخط المُنظّر «الجهادي» المعروف أبو قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان، أردني من أصل فلسطيني)، وهو أحد أبرز مُنظّري «القاعدة»، وأكبر المؤثرين في سياسات وسلوكيات «جبهة النصرة» في الفترة الأخيرة، إلى درجة تأكيد بعض «الجهاديين» أنه كان وراء قرار فصل صالح الحموي («أس الصراع»)، وتجميد أبو ماريّا القحطاني (وهو قرار لم يُعلن رسميّاً، ولم يؤكّد بعد).

«أحرار الشام» مستعدة لمعاداة التيّار القاعدي من أجل إرضاء الغرب
ونشرت صفحة الفلسطيني على «تويتر» مقالاً هاجمَ فيه النحاس، معتبراً خطابَه «خطاباً فاشلاً لن يحقق لقيادة الأحرار مقاصدها، ولكن سيجعلها تعادي محيطها الإسلامي الداعم لها، وخاصة التيار الجهادي الذي هو عصب الحركة الجهادية بكل ألوانها وأطيافها». وكان من أبرز المآخذ التي طرحها الفلسطيني أن النحاس «طرح القضية السورية من خلال فصيله وتسويقه»، الأمر الذي يحمل في طياته اتهاماً بمحاولة اختصار الساحة بـ«الحركة». وهاجم الفلسطيني «أحرار الشام»، معتبراً أنّها «جماعة ضعيفة الفكر والتقييم»، و«مستعدة لمعاداتنا (المقصود معاداة التيّار القاعدي) من أجل رضاء الغرب، بل وأخاف أن أقول أكثر من هذا». ويبدو أنّ أبو قتادة تعمّد تضمين «مقاله» أعذاراً يُمكن لـ«أحرار الشام» أن تتّكئ عليها حالَ رغبتها في التراجع عن محاولات التقرّب من الغرب، فرجّح أنّ «بعض الخبثاء ورّطهم هذه الورطة غير الحميدة أبداً، وسعى لتسويق هذا الخطاب». وأكّد أنّ هناك بعض التسريبات التي يسوقها البعض عن «الحركة لتوريط مستقبلي خبيث، وهو أنها مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كلّه مقابل قبول أوراق الاعتماد (الغربي)». ورأى أبو قتادة أنّ النحّاس «لمّا لم يجد هجوماً قوياً عليه بعد المقال الأول في خطاب الإدارة الأميركية ذهب لدواننغ ستريت، بل وخاطب المعارضة البريطانية لأنها قد ترث حكماً في الانتخابات الجديدة».

ردود «ناريّة» لـ«الحركة»

أسرع الردود على اتهامات الفلسطيني جاء على لسان «عضو مجلس الشورى في أحرار الشام» أبو عزام الأنصاري. واتهمه عبر سلسلة «تغريدات» بـ«التعامل مع المخابرات الجزائرية» إبّان الصراع بين الحومة الجزائرية ومسلحي «جيا» (الجماعة الإسلامية المسلحة). الأنصاري وصف أبو قتادة بالكاذب، ورأى أن «كلامه كاف عند أهل الغلو للتكفير وسفك الدم الحرام، وكنا ظننا الشيخ صحا من غفلة سنوات الجزائر القاتمة عندما سُفك الدم بسيف الطغاة والغلاة». كذلك تداولت أوساط «أحرار الشام» كلاماً صادراً عن «القيادي في الحركة» أبو الحسن التبوكي (إياد الشعّار) يهاجم فيه أبو قتادة الفلسطيني، ويتهمه بـ«المتاجرة في قضايا الأمّة».

«الشيخ»: المقال «هديٌ نبوي»!

بدوره، اكتفى «قائد الحركة» أبو جابر الشيخ بامتداح مقال النحّاس، معتبراً أنّه «ارتقاء بالخطاب التقليدي لمستوى الهدي النبوي في إيصال ما نريد على قدر فهوم الآخرين وبإدراك مستفيد من تدافعهم البيني». وأكّد الشيخ عبر صفحته على «تويتر» أنّ «حركة أحرارالشام الإسلامية: سياسياً حركة، ودينياً إسلامية. وبتلازمهما صرنا أحراراً».