كأنّ أبو العلاء المعري (973ـــ 1054) حاضر لم يغب. يرى ببصيرته ما سيحصل بعد آلاف السنين، ويعي جيداً ما سترويه صفحات المستقبل الأسود، هو الذي قال ذات يوم: «اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين، وآخر دَيِّنٌ لا عقل له». وكلما أبحر القارئ أكثر في سيرة «فيلسوف الشعراء»، سيصل إلى نتيجة تؤكّد أنه قال شعراً منذ آلاف السنين، صار يصلح لهذا الزمن الرديء. بعدما بلغت الظلامية أوجها وتمكن التكفيريون من تمثال الشاعر الشهير في مسقط رأسه في معرة النعمان أول من أمس (الأخبار 12/2/2013)، تضاربت الأنباء حول أيٍّ من التماثيل قُطع رأسه. نقل بعض الناشطين والمواقع الإلكترونية أنّه جرى تحطيم تمثاله في حلب، لكن سرعان ما أكّد مدير «المركز الإذاعي والتلفزيوني» في إدلب أحمد سرجاوي في اتصال مع الأخبار، أنّ التمثال الذي قطع رأسه هو تمثال المعري الشهير في بلدته، بعد محاولات لتدميره استمرت منذ عام، لكنّها جوبهت بمقاومة المثقفين لها.
لكن جبهة «النصرة» نجحت في مهمتها حتى ضجت وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر وانتشرت صور التمثال وأبيات من شعر المعري على الفايسبوك وأشهرها ما يقول: «أصبح في لحدي على وحدتي/ لست إلى الدنيا بمحتاج/ كشفي رأسي وافتقاري بها/ خير من التمليك والتاج». ورغم أنّ المعري خير مثال للشاعر الزاهد الذي اعتزل الجموع حتى لقِّب بـ«رهين المحبسين»، إلا أنّ «النصرة» ظنّت أنّها ستمحو أثره بقطع رأس تمثاله، لكن الرد جاء عبر صفحات السوريين الذين نشروا أبياتاً يقول فيها: «وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم/ بإخفاء شمس ضوؤها متكامل/ وإني وإن كنت الأخير زمانه/ لآت بما لم تستطعه الأوائل/ وأغـدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِم/ وأسْـرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل/ وإني جواد لم يحل لجامه/ ونضو يمان أغفلته الصياقل». فيما استطرد أحد الصحافيين بالقول: «المعري هوية لا تمحى بتحطيم التمثال، عقل لا تزيله الظلامية، المعري باقٍ وأنتم راحلون». وأضاف آخر: «المعري وحمزة الخطيب يلتقيان... لا في الجنة هذه المرة، بل في قائمة شهداء الثورة السورية». بينما ذهب آخرون إلى السخرية من الخطوة، فرأوا أنّ غيظ المعارضة المسلحة من عدم وجود تماثيل للرئيس السوري بشار الأسد، دفعهم إلى اعتبار المعري أحد أجداده والتعدي على تمثاله. ورأى آخرون أنّ الرأس الجصي يحمل من العقل أكثر مما يحمل مَن أقدم على هذه الخطوة، وعيناه الضريرتان كانتا تريان أكثر من مبصرين أعماهم الحقد، فلم يسلم منهم الناس ولا الحجر.
اللافت أن الحادثة أعادت «فيلسوف الشعراء» إلى الواجهة بقوة، وأتاحت فرصة أمام الجيل الجديد للتعرف إليه عن قرب وقراءة بعض أشعاره، ومن ثم تحولت إلى خطوة جديدة لتوحيد رأي السوريين موالاة ومعارضة.
أجمع هؤلاء على فداحة هذا التصرف واعتبار أنّ من قام به لا يمثل السوريين، بل طعن التاريخ السوري في خاصرته وفق ما قالت الممثلة السورية لويز عبد الكريم. هكذا، رغم أنّ المعري أثار الجدل طويلاً وهاجم المعتقدات وسخر من أساطير الأديان منذ قرون طويلة، إلا أنّ أحداً لم يجرؤ على التعدي عليه لأنه من أيقونات التراث الفكري والحضاري العربي. لكنّ للجهات الكفيرية رأياً آخر دفعها إلى حصد رأس تمثال جيّش مشاعر السوريين، رغم أنّ قطاف الكثير من الرؤوس الحية لم يعد يحرّك فيهم ساكناً.
11 تعليق
التعليقات
-
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دَيِّنٌ لا عقل لهاثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دَيِّنٌ لا عقل له هذا ما قاله ابو العلاء المعري , "لا ذنب يا رب السماء على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا" "وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوّده أبوه" "الدهر كالدهر والأيام واحدة ... والناس كالناس والدنيا لمن غلبا" " أحمد اللّه على العمى كما يحمده غيري على البصر. " "اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دَيِّنٌ لا عقل له "
-
وماذا عن تمثال " الرصافي "وماذا عن تمثال " الرصافي " الكبير الذي تحول الى مزبلة حقيقية ، بِحجة انه كان علمانياً وملحداً ..وماذا عن تمثال باني بغداد ابو جعفر المنصورالذي تم تفجيره ثم اقتلاعه واخذه الى مكانٍ مجهول ، بذريعة انه قتل الكثير من أهل البيت ..ابو نواس وشهرزاد وشهريار والمتنبي.... ووو ،.اليهود حاولو تزييف التأريخ ولم ينجحوا ..عمائم النفاق التي تحكم بغداد اليوم تحاول تزييف تاريخ بغداد المشرق ومحو رموزه...في سوريا غير معروف من يفعل مثل هذه المور البشعة لان سوريا الان ساحة مفتوحة وتلعب فيها كل استخبارات العالم .. ولكن بغداد معروفون من قاموا باقتلاع رموزها .يمكنك ان تشم رائحة الموت من افواههم وبقايا اللحم بين انيابهم ....لقد هيجتم جرحا في قلبي اسمه بغداد .
-
إنها الثقافة و تاريخها ما نبكيه في معرة النعمان ..إنه العار يلبسك اليوم يا معرة النعمان حين حطم الظلاميون رمز الأدب و اللغة و الثقافة في ساحتك .. إنه العار يلبسك يا معرة وشاعرك اليعربي العروبي يبدو اليوم صامتاً على استباحتك. إنه العار يلبسك يا معرة النعمان ذات التاريج المضيء حين يصر الظلاميون على إطفاء الضوء في صباحاتك و خنق الجمال في لغتك ... إنه العار الذي نرفضه لباساً لك يا معرة النعمان حتى و لو تخاذل البعض من أبنائك عن رده عنك ... معرة النعمان أنت سورية الهوية و الهوى رغم أنف من أرادك مشيخة وهابية تكفيرية تجوبها اللحى الملبدة و العقول البليدة ... و ستبقين .
-
أبو العلاء المعريألا يكفي أن صاحب هذا التمثال قال يوماً: ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ .. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
-
أضحكتني جملة ألاف السنين. وأضحكتني جملة ألاف السنين. و أقول أن مقام السيدة زينب يحوي الجسد الطاهر للسيدة زينب بنت الأمام علي و هي بذلك تكون أخت الإمام الحسين عليهم جميعاً السلام. كنت أتمنى على هؤلاء المثقفين أن يقوموا بكل هذا التنديد عندما قطعت روؤس الأدميين و ليس تمثال من قال في الحج "رحلة الوثني"
-
الاوباش والمجرمون الذينالاوباش والمجرمون الذين يقطعون رؤوس البشر فما الذي يمنعهم من قطع رأس تمثال .
-
رأس التمثال أم رؤوس السوريين؟الطريف أن حرارة الدفاع عن رأس التمثال - الذي لا نعرف من قطعه ولماذا في ظرف سوريا الحالي المنفلت - عز بالذات على المدافعين عن الأسد
-
" يرى ببصيرته ما سيحصل بعد" يرى ببصيرته ما سيحصل بعد آلاف السنين " آلاف السنين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!! كيف طلعو معك آلاف السنين سيد وسام؟؟؟؟!!!! والله علمي ودقيق كتييير
-
لم أفهم لماذا استغرب الناس منلم أفهم لماذا استغرب الناس من قطع رأس أبو العلاء ، وقد كتب السلفيون من عصابات الجيش الحر على جدار مقام السيدة زينب بنت الحسين بن فاطمة بنت الرسول محمد (ص) في منطقة السيدة زينب بريف دمشق سترحلين مع النظام ، بعد أن قصفوا المقام عدة مرات أصاب أجزاء منه ،وأنا احترت في أمر هؤلاء الارهابيين فإذا كانوا مسلمين كما يدعون ألا يقرأون في صلاتهم اللهم صلي على محمد وعلى آل سيدنا محمد أم أنهم حذفوا من صلاتهم هذه العبارة بعد أن تبين لعلماء الأنثروبولوجية لديهم ذوي اللحى الطويلة في مختبراتهم النووية في صحراءالسعوديةأن جمجمةالسيدة زينب تعود لآل الأسد وليس لآل محمد.
-
بعثي --سلفياسمع هالقصة يا وسام .... قبل ست سبع سنين في مدينة ووهان في الصين اجتمعنا نحن الطلاب السوريون اجتماعابعثيا بقيادة شخص من معرة النعمان.. الاجتماع كان مسخرة حيث ان الشخص الذي ادار الاجتماع وللاسف كان ولايزال شخصا سلفيا بامتياز, عندما اشرت اليه بانني احترمه والمعرة اللتي خرج منها ابو العلاء المعري شتم ابو العلاء بحجة الحاده وتمنى ان يمحى اثره من المعرة بمافيها تمثاله كونة رمز للالحاد... فاخبرتة بكل بساطة بان ابا العلاء نبي لانه نبو اي ظهر وعلا شانه فهو نبي ولا يستطيع احد ان يمح اثره , فاصبحت الشتائم تلاحقني انا ايضا ومن بعدها لم احضر اي اجتماع بعثي يديره هذه السلفي...من مهاذل القدر ان يجتمع بنا سلفي واخونجي ليحدثنا عن البعث.....طبعا هذا الولد ليس بعثيا وانما حزبيا فقط استخدمه غطاء لبعض الاشياء...