عادت التحركات الدبلوماسية والسياسية لتنشط باتجاه البحث عن حلول للأزمة اليمنية التي وصلت نتائجها إلى مستوى الكارثة الإنسانية. هذه الكارثة برزت في المجاعة التي تفشت في الآونة الأخيرة في المناطق الساحلية والتي قد تصل إلى كل اليمن، في حال استمرار الأزمة الاقتصادية مع انقطاع الرواتب على موظفي القطاع العام. وللمرة الأولى، وزع المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ، الاتهامات على الأطراف اليمنية، إذ اتهم في إحاطته لمجلس الأمن يوم أمس، الأطراف بعرقلة الوصول إلى حل سياسي ورفض خطته، واصفاً بعض التصرفات بأنها «تخالف الالتزامات التي قدموها مسبقاً بالانخراط الكامل وبشكل بناء مع مسار السلام الذي تيسره الأمم المتحدة»، معبّراً عن رغبته في وقف شامل للأعمال القتالية، ومقللاً من أهمية الهدنة الاخيرة التي قال إن جميع الأطراف عمدت إلى خرقها.
وضع وفد صنعاء ملاحظات عدة على خطة ولد الشيخ

وكشف المبعوث الدولي عن محتوى خطته التي قبلها وفد صنعاء مع ملاحظات ورفضتها الحكومة الموالية للرياض، قائلاً: «ترتكز على إنشاء لجان عسكرية وأمنية تشرف على الانسحابات وتسليم الأسلحة في صنعاء والحديدة وتعز، كذلك ستُعنى هذه اللجان بمهمة ضمان إنهاء العنف العسكري والإشراف على سلامة المواطنين ومؤسسات الدولة وأمنهم»، إضافةً إلى كونها بحسب إحاطته «تتطرق إلى مجموعة إجراءات سياسية انتقالية تشمل مؤسسة الرئاسة، بما في ذلك تعيين نائب رئيس جديد وتشكيل حكومة وفاق وطني لقيادة المرحلة الانتقالية والإشراف على استئناف الحوار السياسي وإكمال المسار الدستوري ومن ثم إجراء الانتخابات». وأفاد بأنه تلقى «بطرق غير رسمية»، إشارات إلى رفض الأطراف خريطة الطريق التي قدمها.
ولد الشيخ وعد بالعودة إلى صنعاء والرياض للتشاور مع الأطراف «بهدف التوصل إلى اتفاق سياسي مفصَّل بناءً على خريطة الطريق» التي أكد أنها تشكل مع ما اتُّفق عليه في الكويت نواة لحل شامل وعملي، مشيراً إلى أن الكرة باتت «في ملعب الأطراف اليمنية». ودعا تلك الأطراف إلى تقديم التنازلات وتغليب مصلحة اليمن على مصالحها الضيقة، حسب قوله.
بالتزامن، أكد المتحدث الرسمي لـ«أنصار الله» محمد عبد السلام، استعداد فريق صنعاء لنقاش ورقة مبعوث الأمم المتحدة للحل الشامل في اليمن، وخلال اتصال أجراه بعدد من سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أوضح عبد السلام أن خطة ولد الشيخ «تحمل إطاراً شاملاً يسمح لنقاشها كأرضية أولية لبحث كل التفاصيل ومعالجة الاختلالات المتعلقة بالتزمين وإيجاد سلطة توافقية وإصلاح مناطق الترتيبات الأمنية العاجلة، وصولاً إلى إنهاء حالة الأزمة السياسية بين المكونات اليمنية». ولفت في خلال مناقشته الورقة الأممية مع بعض من سفراء الدول الدائمة العضوية، إلى أن ورقة ولد الشيخ خلت من قضايا أساسية ومحورية، أهمها وقف العدوان وفك الحصار ورفع الحظر الجوي، مشيراً إلى أن «هذا وحده يفقدها أي جدية مستقبلية لبدء حوار يؤدي إلى تحقيق نتائج ملموسة، فضلاً عن الاختلالات الأخرى».
وعقب صدور مواقف متحفظة من قبل الأطراف بخصوص الخطة التي طرحها المبعوث الدولي عليها، دعا ولد الشيخ مجلس الأمن والدول الراعية إلى دعم خطته والضغط باتجاه وضع حد للحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عام ونصف، وحاولت إحاطة ولد الشيخ أمام مجلس الأمن في اجتماعه أمس بأن تبدو متوازنة وتحمل جميع الأطراف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والسياسية والتعقيدات التي ترافق مهمته في اليمن، غير أن مراقبين قرأوا تلك الإحاطة بنحو مختلف، باعتبار أنها جاءت خجولة وأغفلت الكثير من الحقائق الجوهرية.
وبعدما أعلن الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي وحكومته رفضاً صريحاً لخطة ولد الشيخ، وضع وفد صنعاء ملاحظات عدة عليها، تضمنها بيان صادر عنه أول من أمس. واعتبر البيان أن الخطة، برغم إيجابيتها، تتضمن اختلالات في التزمين، علاوة على كونها تغفل الكثير من القضايا المهمة أبرزها وقف العدوان والحصار وتركيزها على إجراءات أمنية في مناطق خالية من النزاع، مقابل إغفالها ضرورة وضع إجراءات في مناطق النزاع والمناطق التي تسيطر عليها «داعش» و«القاعدة»، إضافة إلى كون الخطة توجه اتهامات إلى أطراف صنعاء تمثل رغبة الطرف الآخر، بحسب البيان.
على وقع ذلك، تطرقت إحاطة ولد الشيخ إلى الجوانب الإنسانية والأمنية والعسكرية باستفاضة، وحاولت الإحاطة أن تبدو متوازنة في توزيع المسؤولية بين الأطراف المتصارعة، وفي الوقت الذي تطرق إلى مسؤولية «التحالف» عن قصف المدنيين، وتحديداً قصف الصالة الكبرى، فإنه عبر عن استنكاره لاستهداف الأراضي السعودية بالصواريخ من قبل الجيش و«اللجان الشعبية» التابعة لأطراف صنعاء، وأدان صراحةً ما سمّاه «استهداف مكة المكرمة»، إضافة إلى استحضاره استهداف سفينة إماراتية ومدمرة أميركية في البحر الأحمر، معتبراً أن ذلك يهدد الملاحة البحرية.