صنعاء | قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن صنعاء «ستتحرر والشرعية ستعود إليها قريباً دون قتال».أطلق الجبير هذا التصريح المتخم بالثقة، عقب موافقة المؤتمر «الشعبي العام» وحركة «أنصار الله» على تنفيذ القرار 2216 الذي تتخذ منه السعودية طاقية إخفاء تتيح لها التنصل من تبعات عدوانها وتمنحها مقعداً مريحاً في الكواليس تدير من خلاله الأزمة في اليمن بوصفها أزمةً بين أطراف محلية محضة.

تخمة الثقة لدى الجبير مستمدة ممّا يعتقد نظام «آل سعود» بأنه انكسار في موقف «أنصار الله» و«المؤتمر» بعد التطورات الميدانية الأخيرة على محور باب المندب، والتي لم ترشح بعد عن ورقة وازنة يمكن لتحالف العدوان أن يحسم بها الصراع لمصلحته ولمصلحة عملائه على طاولة مفاوضات مسقط.
لكن ألا تمثل الموافقة «المؤتمرية الأنصارية» انكساراً بالفعل؟
ظاهرياً يلوح الأمر كذلك في حساب واقع ميداني تراوح خلاله قوات الجيش و«اللجان الشعبية» في مربع الدفاع عن نطاق سيطرتها المحصورة شمالاً، بينما يبدو تحالف العدوان كمن يمسك بزمام المبادرة ميدانياً، فهو يستحوذ على كل الجنوب ويهاجم متوسعاً في الشمال.
غير أن مقاربة عقارية كهذه تكون صائبة ومنطقية فقط عندما يتعلق الأمر بأطراف تتشاطر لعبة «المزرعة السعيدة» على موقع «فايسبوك» لا بصراع سياسي عسكري معقد في خضم عاصفة متغيرات إقليمية ودولية تجعل من المواجهة اشتباكاً بين الكل والكل، ومن تماسها المحلي المحدود تماساً مديداً لا يعود محكوماً بقواعد اشتباك تتولى العائلة المالكة السعودية بلورتها على ضوء تقارير اللجنة الخاصة بالديوان الملكي.
على مسار سياسي، فإن سقف الأهداف المتمثلة في الحد الأعلى بـ«القضاء على الانقلاب وإعادة الشرعية إلى صنعاء» لم يتحقق، وبالنسبة إلى نزع سلاح الحوثيين كحد أدنى فإن تحقيقه ميدانياً يلوح مستحيلاً قياساً بسابقه.

بإغلاق «أرامكو» السعودية للنفط يتضرر العالم لكن بإغلاق باب المندب ينهار
بالتوازي مع هذا الإخفاق السعودي الأميركي على التراب اليمني، تواصل قوات الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» تقطيع أوصال الجيش السعودي بوتيرة متصاعدة، متوغلة في العمق الجنوبي للمملكة، وهو مأزق ليس في مقدور السعودية أن تتعافى منه على طاولة مفاوضات يمنية ــ يمنية من دون الخروج من عتمة الكواليس إلى ضوء تفاوض ثنائي سعودي ــ يمني باهظ الكلفة عليها مادياً وأدبياً.
وثمة باب المندب الذي تراهن عليه السعودية كهدف ذهبي يحسم المواجهة ويخرج الفريق الخصم من الملعب كلياً. غير أن ارتداد كرة الرهان بالاتجاه المعاكس لما ترمي إليه لن يخرجها هي ــ فحسب ــ مدحورة من الملعب اليمني، بل سيخرج المجتمع الدولي مرغماً من خدور نفاقه وصمته وتواطئه إلى حقيقة الإقرار باستحالة إعادة اليمن إلى حظيرة الوصاية والاستلاب عبر التجويع والحصار والمجازر الجماعية. وسيكون على السعودية أن تنوء بحمل تبعات مقامرة وخيمة العواقب على مصاف بنيتها ودورها الوظيفي. ومن المؤكد أن قوات الجيش و«اللجان الشعبية» تمتلك القدرة النارية الكفيلة بجعل هذا المتغير الميداني نصلاً مرتداً في نحر التحالف، لا سيما بعد تجربة إغراق بارجتين حربيتين معاديتين بنجاح وثبوت هذه القدرة العسكرية والعملياتية لدى قواتنا على الأرض.
بإغلاق شركة «أرامكو» السعودية للنفط يتضرر العالم، لكن بإغلاق باب المندب ينهار. تلك هي المعادلة التي تحكم المواجهة في وريد مائي يضخ إلى العالم أربعين في المئة من حاجته الفعلية إلى الوقود والطاقة.
ومن المؤكد أن المجتمع الدولي لا يفكر في جعل هذا المضيق قنطرة حصرية لعبور عبد ربه هادي إلى كرسي الرئاسة.
لربما خفض الجبير من منسوب ثقته في انكسار «أنصار الله» و«المؤتمر» لو أنه يواظب على استماع نشرات الأخبار ويصغي جيداً.
أمعنوا النظر في تصريح وزير خارجية روسيا التي باتت في خضم المواجهات العسكرية رسمياً مع «داعش»:
«القرار 2216 يستحيل تنفيذه عملياً»... هكذا تكلم سيرغي لافروف.