بوتين: «أعضاء الناتو هؤلاء مجرّد دول صغيرة مكتظّة بالسكان، عليهم تذكّر ذلك جيداً قبل الحديث عن ضرب الأراضي الروسية»
ويبدو أن قرار بايدن الذي يُعدّ سابقة - إذ إنها المرّة الأولى في التاريخ التي يسمح فيها رئيس أميركي بردود عسكرية محدودة على قواعد المدفعية والصواريخ ومراكز القيادة داخل حدود خصم مسلّح نووياً - لم يأتِ من مصدر قوّة كما حاولت بعض وسائل الإعلام تصويره، بل بسبب ضغوط فائقة مارستها جهات داخل الإدارة الأميركية - ولا سيما وزارة الخارجية - وحلفاء غربيون رئيسيّون خلال الأسابيع القليلة الماضية، فضلاً عن الاستغاثات شبه اليومية التي يُطلقها نظام كييف لإنقاذ الموقف قبل انهيار الجبهة، وتمكُّن الجيش الروسي من تحقيق اختراق واسع. وبحسب المعلومات المتداولة، فإن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي زار كييف الأسبوع الماضي، نقل أخباراً سيئة من الجبهة، وأبلغ بايدن أن الحظر على استخدام الأسلحة الأميركية يمنح القوات الروسية أفضلية استهداف خاركيف من مواقع آمنة داخل روسيا. وهو التحليل نفسه الذي انتهى إليه مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، ووزير الدفاع، لويد أوستن، ما يتطلّب، تالياً، استثناءً من خطّ بايدن الأحمر. كذلك، دعم الجنرال كريستوفر كافولي، قائد القوات الأميركية في أوروبا والقائد الأعلى لقوات «الناتو» هناك، هذا التقييم، مؤكداً وجود خطر وشيك في خاركيف، وأخبر بايدن بأنه يوافق بدوره على أن الحظر المفروض على استخدام الأسلحة الأميركية داخل روسيا يمنح أفضلية ميدانية للجيش الروسي، على الرغم من اعترافه بالقلق في شأن ردود الفعل الروسية المحتملة. وكانت قيادة «الناتو» قد كشفت، أخيراً، عن عجز يتجاوز الـ 95% في قدرات الدفاع الجوي المخصّصة لحماية شرق أوروبا في مواجهة غزو روسي محتمل.
وتتقدَّم القوات الروسية، منذ بعض الوقت، في اتجاه خاركيف، فيما يحذّر خبراء عسكريون من أن هجوماً روسيّاً يجري الإعداد له للسيطرة على خاركيف أو سومي (90 ميلاً شماليّ غربيّ خاركيف)، قد يصل بالجيش الأوكراني في الجبهة الشمالية إلى نقطة الانهيار. ومع استمرار القوات الروسية في الضغط في دونباس (شرق)، واحتمال انفتاح الجبهتَين بشكل متزامن، فإن الجيش الأوكراني المنهك سيكون مضطرّاً إلى تحريك قواته إمّا نحو الشمال لتدعيم دفاعات خاركيف، أو نحو الشرق لمنع سقوط ما تبقّى من إقليم دونباس. وفي الحالتَين، ستكون القوات الروسية في موضع الاستفادة من ضعف أيّ من الجبهتَين وتحقيق اختراق.
وتنتظر العواصم الغربية رد فعل القيادة الروسية المترتّب على القرار الأميركي الأحدث، على رغم أن موسكو مارست دائماً سياسة أقرب إلى التجاهل في التعامل مع التصعيد المتدرج للدعم العسكري الغربي لنظام كييف، بما في ذلك قرار بريطانيا تزويد حليفتها بصواريخ كروز فتاكة من طراز «ستروم شادو»، ومن دون قيود حيال استخدامها في قصف مواقع داخل روسيا، وأيضاً مدّ فرنسا الجيش الأوكراني بصواريخ «سكالب»، إضافة إلى قنابل جوية موجّهة بدقة. ودافعت ألمانيا، وأمانة حلف «الناتو» - ممثّلة بينس ستولتنبرغ - عن الخطوات البريطانية والفرنسية، ورأت أن الحصول على هذه الأسلحة «من حقّ أوكرانيا في إطار القانون الدولي».
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد حذّر، الثلاثاء الماضي، إبّان زيارة رسمية له إلى أوزبكستان، من أن منح أوكرانيا الإذن بضرب أهداف داخل روسيا بأسلحة غربية متطوّرة قد يؤدّي إلى تصعيد الحرب، وينتهي إلى «عواقب وخيمة». ونبّه جهات في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) - وخاصة في أوروبا - إلى أنها إذا أقدمت على تزويد كييف بأسلحة متطوّرة، فإن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي، وقد تردّ. ونُقل عن بوتين، قوله إنه كقاعدة عامة، فإن أعضاء «الناتو» هؤلاء مجرّد دول صغيرة مكتظّة بالسكان، وإن عليهم تذكّر ذلك جيداً «قبل الحديث عن ضرب الأراضي الروسية».
ويبدو أن موسكو استشعرت الضغوط على بايدن، واستبقت تغيير السياسة الأخير بإجراء تدريبات وإعادة تموضع لقطاعات الجيش الروسي الموكلة بالأسلحة النووية التكتيكية، في ما بدا بمثابة إشارة إلى واشنطن للعزوف عن فكرة استهداف الأراضي الروسية. لكن الرسالة لم تصل على ما يبدو إلى الجيش الأوكراني الذي تعمّد، خلال الأسبوع الماضي، مهاجمة محطّات رادار وإنذار نووي مبكر داخل روسيا بواسطة طائرات من دون طيار، مستبقاً إعلان واشنطن تغيير سياستها.